بعد أزمة كريدي سويس .. «السندات الدائمة» تتماسك بالأسواق رغم ارتفاع «علاوة المخاطر»

بعد أزمة كريدي سويس .. «السندات الدائمة» تتماسك بالأسواق رغم ارتفاع «علاوة المخاطر»

تماسكت "السندات الدائمة من الشريحة الأولى من رأس المال" في الأسواق الناشئة، بينما يعاد تسعيرها وتقييم التسلسل الهرمي مع حملة الأسهم حول أولوية السداد.
وأظهر رصد صحيفة "الاقتصادية" أن ثقة المستثمرين الدوليين بدعم الجهات التنظيمية سيجعل "السندات من الشريحة الأولى من رأس المال" والصادرة من بعض دول الأسواق الناشئة الأقل تأثرا من بين المناطق الجغرافية الأخرى حول العالم.
يأتي ذلك بعد استيعاب مستثمري السندات أن ما حدث لأدوات الدين الخاصة بكريدي سويس، يعد حدثا خاصا ومحدودا وليس من الضرورة أن يحدث مع سندات أخرى من الفئة نفسها.
وأثار شطب سندات مصرف كريدي سويس من الدرجة الأولى الإضافية البالغة 17.3 مليار دولار، ضجة في أسواق الديون الأوروبية خلال الفترة الماضية.
وستكون عملية الشطب جزءا من عملية استحواذ مدعومة من الدولة ويجريها بنك يو بي إس السويسري على بنك كريدي سويس.
وكشف رصد "الاقتصادية"، أن أولى ردات الفعل الطبيعية بعد محو قيمة سندات كريدي سويس تمثلت في قيام المستثمرين بإعادة تسعير "سندات الدرجة الأولى الإضافية" الصادرة من البنوك الأوروبية والآسيوية وانخفاض أسعارها بالبورصات الدولية.
و"حملة سندات" كريدي سويس كانوا يجادلون بأنه كان من المفترض أن يتحمل "حملة الأسهم" الخسائر بدل سنداتهم وفقا للتسلسل الهرمي.
غير أن تصرف الجهات التنظيمية السويسرية أسهم في رفع مستوى "عدم القدرة على التنبؤ" بقرارات الجهات التنظيمية حول من يتحمل الخسارة أولا.
وقاد هذا الأمر لحصول موجات بيع على هذا النوع من السندات بعد ارتفاع "علاوة المخاطر" التي لم تقيم مخاطرها بطريقة عادلة، ولذلك قامت الجهات التنظيمية الأوروبية بتهدئة المستثمرين عبر التأكيد أن المساهمين سيتحملون الخسائر بدل حملة السندات في حال دعت الحاجة.
وأظهر الرصد، أن بعض المستثمرين قد أغفلوا المخاطر المحتملة لهذه السندات الأوروبية المعقدة وحاليا يتم تمحيص مستندات الإصدار من أجل إعادة تقييم المخاطر.
وتمثلت الآثار الفورية في الأسواق الناشئة بتأجيل أو إلغاء أطروحات أدوات الدين التي تتشابه مع خصائصها مع سندات كريدي سويس، والسبب يعود إلى زيادة العلاوة التسعيرية وعدم توقع جمع مبالغ الإصدار المطلوبة.
وبحسب الرصد، فإن هناك عددا متوسطا من المؤسسات المالية بالأسواق الناشئة التي أصدرت سندات أو صكوكا تتشابه من خصائص سندات "كريدي سويس"، غير أن أسعارها لم تتأثر كثيرا بالسوق الثانوية.
وكشف كذلك أن المؤسسات المالية بالأسواق الناشئة تستطيع النفاذ لأسواق الدين العالمية عبر اختيار هياكل سندات لأغراض تمويلية لا تتعلق برأس المال، كما حصل أخيرا مع الإصدارات التي تم إغلاقها بالأيام الماضية.
واستندت تحليلات وحدة التقارير الاقتصادية إلى منصة "بوند إي فاليو" التي تقدم للمستثمرين ميزة الكشف عن عروض البيع والشراء للسندات التي بمحافظهم من أجل التحكم بالقرار الاستثماري الخاص بالورقة المالية، وكذلك منصة "كريدت سايتس" المختصة بإعداد مذكرات الأبحاث المستقلة في شؤون الائتمان.

الجهة التنظيمية السويسرية
وبحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز"، تعرضت "فينما"، الجهة التنظيمية الرقابية، لانتقادات لفشلها في مراقبة قوة "كريدي سويس" المالية كما ينبغي. أصبحت "فينما"، إلى جانب الحكومة السويسرية، في مرمى المستثمرين الأمريكيين بسبب قرار قلب التسلسل الهرمي المعتاد للمستثمرين وشطب قيمة سندات "أيه تي 1"، مع حفاظها على بعض قيمة الأسهم.
وأصبح المغزى من رأس المال المشروط المساعدة على استقرار مؤسسة في طريقها إلى الإفلاس بطريقة متوقعة محل شك.
وألحقت هذه الحادثة ضررا شديدا بسمعة سويسرا في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، وإدارة الثروات، والتنظيم. وبحسب الصحيفة اللندنية فإن الطريقة التي استخدمت بها السلطات مرسوم طوارئ لخفض قيمة سندات "أيه تي 1" إلى الصفر دون حتى تصويت برلماني، هدم سمعة سويسرا الحسنة والعريقة في سيادة القانون الراسخة والمعهودة.
وأضرت تفاصيل معاملة حاملي سندات "أيه تي 1" في "كريدي سويس" التي أصبحت موضوع طعن قانوني، بسمعة السلطات السويسرية وكذلك بنوك الدولة.
وسيكون من الصعب للغاية إصدار مزيد من السندات لفترة، وخسر المستثمرون الرئيسون، ولا سيما الآسيويون الأثرياء كثير منهم من عملاء البنوك السويسرية قدرا كبيرا من المال، وفقدوا الثقة ببنوكهم. وتم شطب سندات المساهمين أيضا، ما ألحق الضرر بمجموعة عملاء آخرين من أصحاب الثروات.

السندات الدائمة
وتتباين نوعية أدوات الدين التي تستعين بها البنوك بالأسواق الناشئة، وعلى سبيل المثال برزت إلى السطح أدوات دين نادرة متوافقة مع "بازل 3" (النوع الأول).
وتبرز تلك الأدوات إلى واجهة القطاع المصرفي لكون خصائص تلك الأدوات تمزج بين خاصية الأسهم والدين، الأمر الذي جعلها بمنزلة "مصدات رأسمال قوية" من وجهة نظر المساهمين وشركات التصنيف الائتماني العالمية والجهات التنظيمية المحلية.
على الجانب الآخر، هناك الصكوك والسندات الدائمة وهي النوع الثاني، ورغم أن أدوات الدين الدائمة ليست لها تاريخ استحقاق، فإنه يحق للبنك الاختيار بين سداد قيمة الصك بعد خمسة أو ستة أعوام من الإصدار.
ويرجع سبب تسديد بعض البنوك بالأسواق الناشئة قيمة استحقاق تلك الأدوات قبل انتهاء مدة صلاحية خيارات إعادة الشراء لإظهار قوتها المالية.
وعلى سبيل المثال، قد يدفع أحد البنوك لمدة ستة أعوام من إصدار السندات الدائمة عائد 5.25 في المائة، إلا أن هذا العائد قد يصبح 3.75 في المائة في حال قرر البنك عدم استرداد أداة الدين، الأمر الذي يقود لتخفيض تكلفة التمويل لمستويات قياسية مقارنة بخيار إعادة التمويل.
إلا أن المستثمرين لن يكونوا سعداء بحصولهم على عائد أقل، رغم أن المستندات القانونية تسمح بذلك لجهة الإصدار.
لذلك تفضل البنوك القوية استدعاء تلك الأدوات لتبقي على ودية علاقاتها مع المستثمرين الأجانب، علما أن بعض البنوك بالأسواق الناشئة تسير على نهج تلك المنهجية التفضيلية للمستثمرين.
وتنظر جهات التصنيف الائتمانية بإيجابية نحو تلك الأدوات لأنها داعمة للمتانة المالية الخاصة بالمؤسسات المالية، وتتميز تلك الإصدارات بأنها تدعم قاعدة رأسمال البنوك وترفع من كفاية رأس المال إضافة إلى تنويع مصادر التمويل.
وبخلاف أن تلك الإصدارات داعمة لرأس المال، فإنها تسهم في تمكين البنك من تقديم تمويل (قروض) طويلة الأجل وتخفض من النسبة الخاصة بنسبة القروض إلى الودائع.
واستند الرصد إلى البيانات التي حصلت عليها الصحيفة من منصة "ريد" REDD المختصة بالتحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت بالأسواق الناشئة.
ومعلوم أن منصة "ريد" التي تتخذ نيويورك وسنغافورة مقرا لها، مختصة بمتابعة أخبار جهات الإصدار المتعسرة والمثقلة بالديون مع إحاطة المستثمرين مسبقا بالمخاطر المحتملة قبل وقوعها، وسي بوندز التي يستعين العاملون بأسواق الدخل الثابت بمنصتها من أجل تتبع حركة مؤشرات أسواق الائتمان العالمية.

الصكوك والسندات الدائمة
وترى وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز جلوبال" أن عام 2020 شهدت تسجيل ظاهرة إصدارات أدوات الدين الممتثلة للقواعد الإرشادية لـ بازل 3 "الخاصة بالشريحة الأولى أو الثانية" وجاء ذلك بتكلفة متدنية.
وحول تكلفة متوسط التمويل، قالت لـ"الاقتصادية" الوكالة حينها، على لسان محمد دمق رئيس قطاع المؤسسات المالية الشرق الأوسط وإفريقيا، إن تكلفة التمويل قد انخفضت مقارنة بما كانت عليه في 2019 وذلك بسبب الفائدة المتدنية والسيولة الوفيرة بالسوق.
وازداد طلب مستثمري الأسواق الناشئة على نوع نادر من الصكوك والسندات "الدائمة" أو ما يعرف بـ Perpetual التي تصدرها المصارف من أجل الامتثال للقواعد التنظيمية لرأس المال.
ويرجع سبب الطلب على تلك الأدوات، التي تمتثل لقواعد بازل 3، لكون الجهة المصدرة لها تتميز بتصنيفها الاستثماري المرتفع الممزوج بالعائد الربحي السنوي المرتفع نسبيا (لكنه في الإطار المتوسط المقبول) الذي يوزع على المستثمرين مرتين في العام.
ولو كان الإصدار بالهيكلة الكلاسيكية للصك، لكان العائد أقل من 3 في المائة لجهة الإصدار نفسها ذات الدرجة الائتمانية الاستثمارية.
ويتوافق الطلب على الصكوك التي تمتزج بين الديمومة والعائد الرفيع في جعل هذا النوع من الأصول النادرة يحقق الأداء الأفضل طوال عام 2020 خلال التداولات الثانوية.
وقبل الصكوك الدائمة، ابتدأت البنوك بالأسواق الناشئة في إصدار الصكوك المكملة لرأسمالها قبل 12 عاما، إلا أن هيكلة الصكوك أخذت في التطور وذلك تزامنا مع إرشادات بازل 3 وتوجيهات الجهات التنظيمية.
وتتميز الصكوك "الدائمة" أنها ليست مرتبطة بتاريخ استحقاق معين، بل يمكن للبنك عدم سداد قيمة هذا النوع من أدوات الدخل الثابت، ودفع فائدة عليه مدى الحياة، ويحق له إعادة شراء السند مرة أخرى وفقا لشروط.
إصدارات بازل 3
وتكمن الغاية من إصدارات الصكوك المقبلة من الأسواق الناشئة الى أن معظمها موجه نحو دعم القاعدة الرأسمالية للبنوك وذلك وفق متطلبات بازل 3.
وهذه الإصدارات تختلف عن الصكوك العادية التي هي في النهاية دين، حيث تعد "الصكوك الممتثلة لبازل"، بحسب نوعية الهيكلة، تمويلا رأسماليا أقرب للأسهم وليس دينا.
ويسهم هذا النوع من الإصدارات في إيجاد طريقة أخرى لتعزيز توظيف رأسمال البنك، وذلك إلى جانب الطريقة الكلاسيكية جمع رؤوس أموال من إصدار أسهم إضافية.
وتعزز إصدارات الصكوك تلك عمل "مكونات" الأدوات الاستثمارية التابعة لرأس المال الأساس والتكميلي، وهذه "المكونات" تشتمل على الأدوات الهجينة والثانوية.
ورأس المال الأساس يتكون من أسهم الملكية وكذلك الشريحة الأولى، آي إن رأس المال الأساسي ينضوي تحت أسهم عادية وصكوك.
ويرافق رأس المال المساند الشريحة الثانية الأدوات الاستثمارية من صكوك وأدوات هجينة إلخ. ولا تعد أدوات الدين الممتثلة لبازل 3 بمنزلة "المطلوبات" بل تعد من مكونات رأس المال.
ويملك البنك الحرية في وقف توزيعات الأرباح الدورية على حملة الصكوك عند شروط معينة، وتلك الأرباح غير الموزعة لن تتراكم ولا يحق للمستثمرين المطالبة بها.

وحدة التقارير الاقتصادية

الأكثر قراءة