ماذا جرى .. أين السكرتيرات والسكرتيرون؟
أين ذهبت كل السكرتيرات وموظفو الدعم؟ يمكنك القول إنهم وقعوا ضحية الأتمتة. ويمكنك أن تضيف أن ما تبقى من وظائفهم تم إسناده إلى مصادر خارجية.
ستكون محقا بالطبع، لكن نصف محق فقط. لأن شيئا آخر حدث لعملهم. لقد أعيد توزيعه عليكم جميعا.
فقد تحول مزيد من المؤسسات إلى نموذج برمجيات "الخدمة الذاتية"، حيث يجب على الموظفين، كل على حدة، أن يرتبوا بأنفسهم أشياء كالسفر والموارد البشرية والنفقات والمشتريات بأنفسهم. تقول الشركات التي تبيع هذه الأنظمة "إنها توفر المال وتمكن العاملين".
لكن النقاد يشتكون من أن المؤسسات تكدس مزيدا من المهام على أشخاص من الأفضل يمضوا وقتهم في العمل الذي تم تعيينهم لأدائه أصلا. المؤلف كريج لامبرت يصف هذا الأمر بأنه مثال على "العمل اللاواعي" الذي "تتم إضافته فقط إلى واجبات الأشخاص دون موافقتهم، أو حتى علمهم في بعض الأحيان".
من السهل على المؤسسات حساب الوفورات من خفض عدد موظفي الدعم، بينما يصعب قياس تكاليف الإنتاجية المفقودة عبر بقية القوى العاملة. لكن هذا لا يعني أنه يجب تجاهلها.
أخبرني أحد مستشاري الصحة العامة الذي تم توظيفه من قبل سلطة محلية في المملكة المتحدة، بأن وظيفته تتضمن الآن مجموعة كاملة من المهام، من توفير معدات تكنولوجيا المعلومات للموظفين الجدد إلى نشر إعلانات التوظيف.
قال "لا أحاول الإشارة إلى أن أيا من هذا يقلل من قيمتنا، فكله مهم وضروري، لكننا اعتدنا أن تكون لدينا الموارد الكافية لدعم الأعمال: وظائف إدارية وموارد بشرية تتولى كل هذا، وقامت به على نحو جيد". وأضاف "كل ساعة نقضيها في ذلك هي ساعة لا نقضيها في فعل ما تدربنا من أجله ونتقاضى رواتب جيدة مقابله".
عندما تكون الأنظمة نفسها مستهلكة للوقت أو غير قابلة للاختراق فإن هذا لا يساعد. قال أحد العاملين في شركة كبيرة متعددة الجنسيات "في عملنا، نجد أن الأنظمة الجديدة غير مدعومة بشكل صحيح بوظائف مساعدة. ومن الصعب التحدث إلى شخص ممن يستطيعون المساعدة في التغلب على العقبات". وأضاف "الإجراء النموذجي هو (تقديم طلب) يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى رد مكتوب لا يساعد".
يشعر بعض العاملين بإحباط شديد إلى درجة أنهم حاولوا إعادة إنشاء النظام القديم لموظفي الدعم المتفانين على نفقتهم الخاصة. أعرف شخصا عرض تقاسم مصروفاته مع موظف مبتدئ مقابل تقديم هذه الخدمة له.
تجدر الإشارة إلى أن الخدمة الذاتية تعمل بشكل جيد في بعض الأحيان. كثير من الناس يحبون حجز رحلاتهم بأنفسهم مثلا، في الوقت نفسه تميل الأنظمة المعقدة إلى التحسن بمرور الوقت.
لقد واجهت لمدة طويلة مشكلة على هاتفي الخاص بالعمل لأنني اعتقدت أن إصلاحها يستغرق وقتا طويلا. وعندما تمكنت أخيرا من فهمها، كانت العملية سهلة فعليا وكنت محرجة لأنني تركتها زمنا طويلا.
على أي حال، ليس هناك من عودة إلى السكرتيرات وموظفي الدعم. فمن بين المهن الـ30 التي توقع مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل أن تتقلص أسرع من غيرها خلال العقد المقبل، هناك عشر تتعلق بموظفي السكرتارية والشؤون الإدارية.
السؤال هو إذا ما كانت الموجة التالية من التغيير التكنولوجي يمكن أن تخفف العبء.
إنني متفائلة. كل من مايكروسوفت وجوجل تعمل على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي لمكان العمل تعد بالسماح للشخص "بالتركيز بشكل أكبر على المهمة التي يتولاها وبدرجة أقل على العمل الكثير"، كما تقول مايكروسوفت. مثلا، ستكتب إحدى الأدوات المحاضر أثناء الاجتماعات، التخلص من وظيفة إدارية لا يحبها أحد. فقد أصبح من الممكن فجأة تخيل مستقبل يمكنك فيه التقاط صور لإيصالاتك بهاتفك والطلب من الذكاء الاصطناعي "الرجاء رفع مصروفاتي للإدارة".
رغم ذلك، هناك ملاحظة تحذيرية. الأتمتة ربما لا تتخلص دائما من الأجزاء الكئيبة من وظائف الأشخاص وتترك أفضل الأجزاء دون مساس. في القرن الـ19، مثلا، كتب دانيال تي رودجرز في كتابه ذا ويرك إثيك إن إندستريال أمريكا "أخلاقيات العمل في أمريكا الصناعية"، "لم يركز اقتصاد التصنيع الابتكار على الوظائف الأكثر مللا أو التي تشبه الآلة، بل على الوظائف الأكثر تعقيدا وتكلفة. مثلا، تمت أتمتة الحركات المعقدة لمشابك الأحذية بسرعة، بينما ترك الناس لتغذية الآلات بالمواد".
من الواضح أن هناك فرقا كبيرا بين مصنع أحذية في القرن الـ19 ومكتب في القرن الـ21. ما يعد ممتعا لشخص واحد "بالنسبة إلي الكتابة" قد يكون نوعا من الطحن لشخص آخر.
لكنه تذكير بأن التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تغير العمل بطرق لا يمكن التنبؤ بها. إذا أراد العاملون تشكيل المستقبل، فعليهم التفكير مليا الآن فيما يريدونه فعلا منه.
لا أريد أن يكتب الذكاء الاصطناعي المسودات الأولى لأعمدتي، لكني أحب أن يرفع مصروفاتي للإدارة بالنيابة عني.