رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أوجاع التخلف عن السداد

مقلقة حالات التخلف عن سداد الديون السيادية التي أفصحت عنها وكالة "فيتش الدولية" للتصنيف الائتماني، التي شملت روسيا البيضاء ولبنان وغانا وسريلانكا وزامبيا، ليصل العدد إلى 14 حالة تعثر عن السداد منذ 2020.
مشكلة التخلف عن السداد أنها تزيد من متاعب الدولة المتعثرة، على الرغم من أنها مبدئيا تزيح هم سداد خدمة الدين أو أصله، وذلك لأن التخلف عن السداد يسيء بسمعة الدولة في الأوساط البنكية العالمية ويجعل من الصعب على الدولة الاقتراض من الخارج، وإن استطاعت الاقتراض فسيكون بتكلفة فائدة مرتفعة. بل ستواجه الدولة صعوبات في الاقتراض حتى على المستوى الداخلي، بالذات الاقتراض على المدى الطويل بالعملة المحلية، فتضطر إلى الاقتراض محليا على المدى القصير، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر معروفة.
قليل من الدول تستطيع الاقتراض بعملتها المحلية على المستوى الدولي، وذلك لصعوبة إقناع المستثمرين الدوليين بقبول سندات مصدرة بعملة محلية معرضة لاهتزازات عديدة، وهذا هو الحال لدى معظم الدول، عدا عدد قليل من الدول الكبرى ذات الاقتصادات المتنوعة وسعر الصرف القوي المتماسك، ما يسمى العملة الصعبة.
في حال الاقتراض بالعملة المحلية فهناك مجال واسع للدولة لتخفيف أعباء الدين دون الاضطرار إلى إعلان التخلف عن السداد، وذلك بحكم أن الدولة سيادية وعملتها مستقلة فهي تستطيع طباعة مزيد من النقود أو تعديل سعر الصرف إن كان مربوطا بعملة أخرى، أو تعويم العملة التي بالضرورة يتدهور سعر صرفها فتستطيع الدولة سداد الدين بتكلفة أقل.
إلا أن الاقتراض بعملة أخرى، سواء محليا أو دوليا، ينطوي على تحديات كبيرة للدولة، وهذا ما حدث في عدد من الحالات، منها اليونان في 2012، التي وصلت ديونها قبل إعلان تخلفها عن السداد إلى أكثر من 320 مليار يورو في ذلك الوقت. تجدر الإشارة إلى أن المبلغ المطلق للدين ليس بالمحدد الرئيس لوقوع الأزمة، ولا حتى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أهمية هذين المؤشرين. بل إن الوضع الاقتصادي الداخلي للدولة وقوة القطاع المالي ومستقبل الدولة هو الذي يحدد وضع كل دولة.
لذا نجد أن الدولة صاحبة أكبر دين في العالم هي الولايات المتحدة، بديون تتجاوز 33 تريليون دولار، وصاحبة أعلى نسبة دين عام إلى الناتج المحلي هي اليابان، بديون تصل نسبتها إلى 260 في المائة من الناتج المحلي. وعلى الرغم من سوء تلك المؤشرات، إلا أنه لا يوجد تخوف من تعثر هاتين الدولتين عن السداد. بالمقابل ارتفعت عوائد السندات اليونانية من مستويات 5 في المائة ما قبل الأزمة إلى أكثر من 130 في المائة حين أعلنت أزمة الديون الحكومية في ذلك الوقت.
أسباب التخلف عن السداد عادة تكون نتيجة التباطؤ في نمو الناتج المحلي والتزايد السريع في مستويات الدين الداخلي والخارجي، وفي حالة اليونان تبين لاحقا حالات تزوير للبيانات الحكومية بالشكل الذي أخفى حقيقة الوضع الاقتصادي ونسبة الديون. تظهر بوادر التخلف عن السداد حين يتواصل عجز الميزانية الحكومية من عام إلى آخر في الوقت الذي تتزايد فيه حالات التهرب الضريبي والفساد المالي، فتضطر الحكومة إلى الاعتماد على الاقتراض الخارجي لسداد ذلك العجز.
دور وكالات التصنيف يتمثل في رصد حالات التخلف المحتملة لإحاطة المستثمرين بذلك، الذين عادة هم بنوك دولية ومؤسسات إقراض كبرى، ومن ثم تبدأ المفاوضات التي في الأغلب تنتهي بتنازلات كبيرة من المقرضين، تتجاوز 50 في المائة من أصل الدين وأكثر من ذلك.
إقراض الدول يختلف عن إقراض الشركات والأفراد في أن قوانين الإفلاس مختلفة تماما، فليس بالإمكان تسييل أصول الحكومة للوفاء بالدين، ولا سجن أحد ما إلى حين القيام بالسداد. لذا فإن أكبر المتضررين نتيجة تخلف الدولة عن السداد هم الدولة نفسها ومواطنيها، حيث تجد الدولة أنها مضطرة إلى القبول بشروط المقرضين الجدد، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكذلك شروط المقرضين الحاليين الذين سيشترطون إجراء عمليات تقشف وترتيبات مالية داخلية ورفع نسب الضرائب ليقبلوا "بقصة الشعر" التي ستخفف من عبء الدين.
التعافي بعد التعثر عن السداد يأخذ وقتا طويلا في كثير من الحالات، فاليونان التي كان ناتجها المحلي أكثر من 350 مليار دولار قبل اندلاع أزمة 2008 المالية التي قصمت ظهر البعير، ومنذ ذلك الوقت واليونان تمر بحالة ركود اقتصادي وانخفاض مستمر في الناتج المحلي إلى ما دون 200 مليار دولار في 2015، مع تعاف بسيط في العامين الأخيرين إلى مستويات 220 مليار دولار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي