أكبر اقتصاد .. انفراجة أم ركود؟
يمر الاقتصاد الأمريكي، بمرحلة دقيقة، ومنعطف صعب كغيره من الاقتصادات المتقدمة، وأن كل الجهود منصبة على ضمان نموه بصرف النظر عن مستواه خلال العام الجاري، وذلك لتفادي دخوله دائرة ركود لا أحد يستطيع أن يتنبأ بطول مدتها، ومستوى حجم أزمتها. وفي العام الماضي، حرص المشرعون الاقتصاديون على التأكيد بأن الاقتصاد الأمريكي يشهد تباطؤا وليس انكماشا، كما أنه قادر على تحقيق النمو في الفترة المقبلة، على خلفية تراجع متواضع لمعدلات التضخم، رغم الرفع الدوري الذي يقوم به المجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" للفائدة، مثل سائر البنوك المركزية على الساحة الغربية عموما. الهم الأول حاليا هو السيطرة بصورة أو بأخرى على التضخم، مع الأخذ في الحسبان الآثار السلبية المترتبة على الفائدة المرتفعة وانعكاسها على مسار النمو.
ولأن الأمر كذلك، جاء إعلان وزارة التجارة الأمريكية خفض النمو الإجمالي للناتج المحلي للمرة الثانية للربع الأخير من العام الماضي إلى 2.6 في المائة، متوقعا. ويبدو واضحا أن التخفيض يمكن أن يستمر هذا العام، ما يعزز الاعتقاد بأن الاقتصاد الأمريكي يقف بالفعل على حافة التباطؤ العميق، إن لم يكن الانكماش. صحيح أن هذا الخفض لم يؤثر في نمو العام بأكمله، لكن يعطي إشارات غير مريحة لصانعي السياسات الاقتصادية في البلاد، الذين يسعون إلى جعل العام الجاري، عام انفراج من الآثار التي تركتها جائحة كورونا، وبالطبع من الموجة التضخمية الهائلة، وكذلك تخفيف التداعيات الاقتصادية للحرب الدائرة في أوكرانيا. العوامل كثيرة تلك التي تجعل مستقبل الاقتصاد الأول عالميا غامضا بعض الشيء، أو لنقل غير واضح تماما.
وعلى الرغم من التحسن الملحوظ على صعيد التشغيل في الساحة المحلية، إلا أن البيانات الأخيرة أظهرت ارتفاع عدد طلبات الحصول على إعانات البطالة. وهذا يؤكد أن المصاعب لا تزال موجودة في سوق العمل، وأن هذه السوق لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق قبل فترة لن تكون قصيرة، خصوصا مع الشكوك حول مستويات النمو المتوقعة للعام الجاري. فالبنك الدولي توقع أن يحقق الاقتصاد الأمريكي بنهاية العام الجاري نموا لن يتجاوز 1.4 في المائة. ومع أن التعديلات الأخيرة المنخفضة للنمو أبقت على مستواه في العام الماضي عند 2.1 في المائة، إلا أن الأمر يختلف من جهة النمو للعام الحالي، مع وجود حالة من عدم اليقين، فضلا عن سياسات التشديد النقدي التي يبدو أنها ستتواصل في الفترة المقبلة.
كان هناك نمو في العام الماضي لا شك في هذا، إلا أنه متباطئ كثيرا، فيما لو قورن بمعدل النمو الذي تحقق في 2021 وبلغ في الولايات المتحدة 5.9 في المائة. لكن حتى هذا النمو المرتفع، كان طبيعيا بعد توقف حركة عجلة الإنتاج بصورة شبه تامة، بفعل تداعيات جائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد العالمي ككل. المشهد العام للاقتصاد الأمريكي، بات مرهونا بحراكه في العام الحالي، والمنهج المتبع في السيطرة على التضخم عبر مزيد من التشديد النقدي، إلى جانب ماهية الآثار في المدى المتوسط الناجمة عن المصاعب التي مرت بها بعض البنوك الأمريكية في الآونة الأخيرة، رغم السيطرة التامة -الآن على الأقل- عليها. وفي هذا الوقت، تبقى سوق العمل المؤشر الأهم، خصوصا مع بعض التبدلات التي حصلت في الآونة الأخيرة، من خلال تسريح أعداد ليست قليلة من الموظفين العاملين في شركات التكنولوجيا الضخمة. لكن في النهاية، إذا لم يكن هناك نمو معقول، سيبقى الاقتصاد الأمريكي عند حافة دائرة الركود، أو في أفضل الأحوال، في مجال التباطؤ.