بيانات المريض .. الكنز الدفين الذي يجب تشاركه

بيانات المريض .. الكنز الدفين الذي يجب تشاركه

لم تذهب والدتي في أعوامها الأخيرة أبدا إلى أي مكان دون حقيبة يدها. كان فيها ملف معد في المنزل سجلت فيه جميع أمراضها والحبوب الكثيرة التي كانت تأخذها. لم يكن خوفها أن يكتشف الناس أنها مصابة بالاكتئاب الناجم عن مرض السكري وأنها تعاني مشكلات في القلب. بل كان خوفها أن لا أحد كان سيعرف ما تعانيه، إذا تم إدخالها إلى المستشفى في منتصف الليل، لأن خدمة الصحة الوطنية NHS ميؤوس منها جدا من حيث جمع المعلومات.
نهاية الأسبوع الماضي، ثار دعاة الخصوصية لأن خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا طلبت من جميع المستشفيات التابعة لها تحميل معلومات المرضى على ما سيصبح قاعدة بيانات مركزية. وصفت شركات البرمجيات ذلك بأنه "استيلاء على المعلومات"، الأمر الذي "يثير شكوكا كبيرة" حول أمن بيانات المرضى الحساسة، وفقا لعضو البرلمان المحافظ ديفيد ديفيس. تخطط مجموعة من النشطاء والأطباء لمقاضاة الحكومة للكشف عن مزيد من التفاصيل. لكن الهستيريا في غير محلها، فهذه محاولة طال انتظارها لمنحنا جميعا نسخة من ملف والدتي.
عندما يكون موظفو خدمة الصحة الوطنية على وشك الانهيار، فإنهم يستحقون أنظمة تكنولوجيا معلومات لائقة تريحهم من رسائل البريد الإلكتروني وجداول البيانات وخزائن الملفات المستنفدة لطاقاتهم ووقتهم. في العام الماضي، قلل مستشفيا تشيلسي وويستمنستر في لندن أوقات انتظار المرضى الذين ينبغي تنويمهم بنسبة مذهلة بلغت 28 في المائة، عبر جمع ورديات الموظفين والجداول الزمنية لغرف العمليات واختبارات ما قبل الجراحة في مكان واحد، يمكن لكل من الطاقم الطبي والإداري الوصول إليه. قبل ذلك، كان يتم حجز العمليات دون أن يدرك أي شخص أن الجراح كان على وشك أن يكون في عطلة، وظلت غرف العمليات خالية لأن المرضى لم يخضعوا لتقييم ما قبل الجراحة. لم يعرف أحد حتى عدد الأشخاص الموجودين على قائمة الانتظار.
لقد أصبح مشروع تشيلسي وويستمنستر ممكنا بفضل ثورة هادئة في الجائحة. في آذار (مارس) 2020، وبصفتي مستشارة مؤقتة في وزارة الصحة، شاركت في اجتماعات يومية وأنا أشك في أن المسؤولين لم يتمكنوا حتى من الاتفاق على عدد الأشخاص الذين يحتضرون. بينما كانت تتجادل كثير من المؤسسات مع بعضها وتوجه نداءات ثائرة للمستشفيات، قررت الحكومة أنه يجب جمع المعلومات في مكان واحد. في غضون بضعة أشهر، انتقلت المملكة المتحدة من كونها مجرد صحراء بيانات إلى رائدة على مستوى العالم في معرفة من هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بكوفيد، والمستشفيات التي تحتاج إلى أجهزة التنفس الصناعي، ولاحقا، من تم إعطاؤه لقاح معين. جمعت البرامج الذكية مجموعة من المعلومات من أجزاء مختلفة من النظام، ما سمح للقادة باتخاذ قرارات أسرع بكثير.
بالنسبة إلي، هذه قصة ترفع المعنويات لكيفية إنقاذ البيانات للأرواح. بالنسبة إلى آخرين، هذه خطوة شريرة، مؤامرة لإساءة استخدام مخزن خدمة الصحة الوطنية الفريد المكون من 55 مليون سجل صحي. نظرا إلى افتقارها للقدرة الفنية الداخلية، رخصت خدمة الصحة الوطنية البرامج من الشركات الخاصة بما فيها مايكروسوفت وبالانتير تكنولوجيز. تثير "بالانتير" شكوكا خاصة لأن لديها عقود دفاع مع وكالة المخابرات المركزية، وشارك في تأسيسها المتبرع الجمهوري بيتر ثيل. كما أنها تستمتع بغموضها، الذي يؤجج فقط الاتهامات بالسرية. لكن موظفيها في لندن يبدون وكأنهم تكنولوجيون جادون وليسوا أيديولوجيين.
ليس هناك شك في أنه من الممكن أن تكون للبيانات الصحية قيمة كبيرة، وهناك أمثلة شنيعة لشركات تستفيد من مشاركتها مع أطراف ثالثة، كما فعلت شركة 23 آند مي مع البيانات الجينية. يجب أن تحافظ أي تكنولوجيا جديدة على بيانات المريض بشكل آمن، وأن تستخدمها بشكل أخلاقي.
في الوقت الحالي، تمتلك خدمة الصحة الوطنية البرمجية، و"تسجل" بياناتنا عليها. تجني شركات البرمجيات أموالها من بيع منتجاتها لخدمة الصحة الوطنية، وليس من بيع البيانات إلى أي شخص آخر. قال لي أحد كبار التنفيذيين المستائين، "لا أحد يعتقد أن مايكروسوفت يمكنها قراءة المستند الذي يكتبه شخص على مايكروسوفت وورد. لماذا تعتقد أن برمجية قاعدة البيانات مختلفة؟".
ستقدم "بالانتير" عرضا للحصول على عقد قيمته 480 مليون جنيه استرليني لبناء نظام تشغيل لخدمة الصحة الوطنية، الذي من المقرر ترسيته هذا الخريف. تتنافس مجموعة من الشركات من ضمنها فورور هيلث تكنولوجيز وإكلبس وبلاك بير ضد بالانتير، مدعية أنها ستكون أفضل في حماية بيانات المرضى، كما ذكرت "فاينانشال تايمز".
بغض النظر عمن يقدم الخدمة، فإن الشفافية أمر مهم. اتخاذ الحكومة وخدمة الصحة الوطنية لموقف دفاعي لا يساعد قضيتهما. تحدثت إلى أطباء ومديرين تنفيذيين متحمسين للغاية للمنصات التي تم إنشاؤها. الأمركة الغريبة للغة المحادثات التكنولوجية في المملكة المتحدة - مثلا، تسمية الأطباء بـ"الأطباء السريريين" والكيميائيين بـ"الصيادلة" - لا تساعد أيضا.
إن الثقة العامة ضرورية، لأن كثيرا على المحك. واحتمالية تجميع سجلاتنا الصحية مع البيانات الجينية التي تحتل فيها بريطانيا مكانة رائدة على مستوى العالم تقدم مستقبلا مثيرا للغاية لهذا البلد في علوم الحياة. سيساعدنا ذلك على تطوير عقاقير جديدة ثورية وإجراء تجارب سريرية واسعة النطاق. مع ذلك، في الوقت الحالي نأتي في أواخر التصنيف العالمي للأبحاث السريرية في مراحلها المتقدمة. ألغت شركة الأدوية السويسرية نوفارتس للتو خططا لإجراء تجربة سريرية كبيرة في المملكة المتحدة، ولتي كانت ستشمل 40 ألف مريض يختبرون عقارا للكوليسترول. إننا بحاجة إلى التحرك بشكل أسرع إذا أردنا جني فوائد السجلات المجمعة.
هذا يعني أنه يجب على القادة أن يكونوا مستعدين للصراخ بأعلى صوتهم بأن مشاركة البيانات تنقذ الأرواح وتوفر وقتا للموظفين. يحب خبراء علوم الحياة و"ناشونال داتا جارديان" وصف مجموعة السجلات الصحية لخدمة الصحة الوطنية من المهد إلى اللحد بأنها "كنز دفين". يجب أن نحترس من القرصنة. لكن إبقاءها مغلقة لأعوام لم يساعد المرضى - على الأقل، والدتي.

الأكثر قراءة