أهداف التضخم تحشر البنوك المركزية في الزاوية
على الرغم من أن هذا قد يبدو أمرا غير معقول، إلا أن انهيار بنك وادي السيليكون يلقي ضوءا جديرا بالاهتمام على السؤال المحير، حول إذا ما كان ينبغي رفع أهداف التضخم للبنوك المركزية، للحد من خطر أن تؤدي السياسة النقدية المتشددة للغاية إلى التعجيل بالركود؟
ذلك لأن بنك وادي السيليكون، على الرغم من عدم كفاءة حكمه على إدارة المخاطر والاستثمار، كان في النهاية ضحية لنظام السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
في الفترة التي أعقبت الأزمة المالية بين عامي 2007 و2009، كانت القوى الانكماشية تمثل التحدي الأكبر لصانعي السياسات في البنوك المركزية. مشكلتهم لم تكن في كيفية خفض التضخم إلى المستوى المستهدف، بل في كيفية رفعه إلى المستوى المستهدف. لا يمكنهم فعل ذلك إلا باللجوء إلى أسعار فائدة اسمية شديدة الانخفاض، وحتى سلبية.
نتيجة لهذا الترخيص النقدي المتطرف، كما أشار إدوارد تشانسلور المؤرخ المالي، كان هناك عدد كبير من الاختلالات في السوق بما في ذلك إنشاء "فقاعة تشمل كل شيء" حيث ارتفعت أسعار جميع الأصول تقريبا إلى قمم فلكية. ومع انخفاض الدخل العائد من الأصول بشدة، كان المستثمرون مدفوعين إلى البحث عن العائد بغض النظر عن المخاطر.
كانت تلك في جوهرها هي قصة بنك وادي السيليكون، البنك الذي يقدم خدمات مالية لعدد لا يحصى من شركات التكنولوجيا. ففي ذروة ازدهار التكنولوجيا، شهد تدفقات قوية من الإيداعات. ولأنها تجاوزت فرص الإقراض المحتملة إلى حد بعيد، كان عليه أن يجد منافذ استثمار لتلك الأموال. ومع أوراق مالية قصيرة الأجل تكاد لا تقدم عائدا، بحث عن العائد وحجز أموالا بلغت 120 مليار دولار من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري ذات التصنيف العالي وطويلة الأجل.
الأدوات طويلة الأجل معرضة بشكل خاص لارتفاع أسعار الفائدة. لذلك عندما قام الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية في وقت متأخر استجابة للتضخم المرتفع غير المتوقع، اقترب الانخفاض في القيمة السوقية لمحفظة بنك وادي السيليكون من القضاء على رأسماله. لم يكن لهذا الأمر أهمية لو احتفظ المودعون بثقتهم بالبنك، لأنه لم تكن لتحدث خسائر لو تم الاحتفاظ بالأوراق المالية حتى تاريخ الاستحقاق. لكن مجتمع التكنولوجيا أصيب بالذعر وحدث تدافع لسحب الودائع، وكان على بنك وادي السيليكون بيع الأصول التي انخفضت قيمتها، وبالتالي أسهم في الإفلاس الذي تعرض له.
قد نكون الآن في بداية سلسلة من حلقات عدم الاستقرار المالي التي ستضيف إلى الخطر المتمثل في محاولة استعادة التضخم مرة أخرى إلى مستوى 2 في المائة، وسيتسبب الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى في إلحاق أضرار جسيمة بالإنتاج والتوظيف.
إذن، ليس من المستغرب أن تكون هناك مجموعة متنامية تطالب برفع التضخم المستهدف من 2 إلى 3 في المائة. كما أنه لا يعد غير معقول إذا كنا نشهد تحولا صعوديا في مستوى سعر التوازن العالمي، كما جادل آندي هالدين، كبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا. لا يوجد أي مبرر نظري لمساواة 2 في المائة باستقرار الأسعار.
مع ذلك، يبدو تغيير قواعد اللعبة وكأنه استسلام للتضخم. مصداقية البنوك المركزية المستنفدة بالفعل ستعاني أضرارا جسيمة وسترتفع توقعات التضخم. لذلك سيلجأون، ربما اتباعا لاقتراح هالدين، إما لتمديد الأفق الزمني لبلوغ مستوى 2 في المائة، وإما تعليقه مؤقتا مع الوعد بإعادة استهدافه في أقرب وقت ممكن.
لكن هذا يترك سؤالين أكثر شمولا. فما تعلمناه من استهداف التضخم هو أنه في أوقات الانكماش يتسبب في زرع بذور عدم الاستقرار المالي. وعندما يعود التضخم، يتسبب في اندلاع أزمات مالية حيث يتم رفع أسعار الفائدة للعودة إلى هدف التضخم. في الواقع، يبدو أن ذلك يعمل فقط عندما تكون الأسعار مستقرة.
أهي إذن مسألة تغيير النظام؟ لسوء الحظ قد ينطوي أي نظام آخر على مزيد من الاجتهاد وبالتالي ضعف المساءلة. قد يكون تعديل النظام الحالي هو الخيار الأقل سوءا.
ثم هناك مسألة كيف يؤثر هدف 2 في المائة في قدرة الحكومات على تقليص مستويات الدين العام الحالية، المرتفعة للغاية.
الحل التقليدي هو مزيج من النمو الذي تنتج عنه إيرادات ضريبية مزدهرة للمساعدة على سداد الديون، والتضخم الذي يقلص القيمة الحقيقية للديون. لكن النمو ضعيف، كما أن هدف التضخم البالغ 2 في المائة يحد من نطاق التخلف عن السداد غير الرسمي من خلال التضخم.
في حالة الذعر العام بعد انهيار بنك وادي السيليكون، سارعت البنوك إلى اقتراض 330 مليار دولار من التمويل الاحتياطي من الاحتياطي الفيدرالي. وتتزايد التكهنات بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يؤجل مزيدا من زيادات أسعار الفائدة. إذن، نحن عالقون في مأزق طويل الأمد لا تعتمد فيه السياسة على فترات الازدهار، لكنها تتراجع بقوة في حالات الانهيار، بينما يستمر الدين في الارتفاع بلا هوادة. لا يمكن أن تكون لهذه القصة نهاية سعيدة.