رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأدب المطبخي

الإنسان هو الكائن الوحيد على وجه الأرض الذي يطبخ طعامه أي يمتلك القدرة على تحويل طعامه إلى شكل أفضل مذاقا وأعظم قيمة باستخدام النار، وتكاد هذه الصفة توازي تميز البشر باللغة، فقد كانت طرق الأكل بسيطة، يأكل البشر بعض لحوم الصيد والحبوب والخضراوات والفواكه البرية كما هي، إلى أن تعلم الإنسان كيف يستخدم النار في الطبخ قبل نحو مليون عام باستخدام النيران المفتوحة ثم استخدام الأحجار الساخنة أو الرماد ويأتي الغلي متأخرا لحاجة هذه التقنية إلى السوائل والأواني!
ولأن الطعام الذي نأكله هو الذي يشكل قوام وجودنا، اكتسب الطبخ أهمية كبرى في حياة البشر، وعد جزءا من ثقافة الشعوب، ومن هنا بدأت الكتابة عن الطبخ وطرقه وأنواعه، تنتشر وسمي هذا النوع من الكتابة "الأدب المطبخي"، وكتب فيه كبار الكتاب والفلاسفة والعلماء والأطباء ومنهم سقراط وأفلاطون، وتميزت النظرة لهذا الأدب بـ"الاحتكار"، حيث اقتصرت الكتابة فيه على النخبة فقط التي تميز نفسها بما تأكله مثل كتاب "أبيكيوس" اللاتيني و"الاحتقار"!
وقد كتب في هذا الأدب كثير من الأدباء العرب مثل ابن النديم في كتابه "الفهرست"، والرازي وابن البيطار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية"، فقد عد الغذاء أول طرق التداوي فطعامك الذي تأكله هو ما يشكل جسمك ويؤثر في كل ذرة فيه، إما بصحة وإما بمرض!
ثم اختفى الأدب المطبخي بوصول المماليك إلى السلطة في الدول العربية، ويعود السبب في ذلك إلى قضائهم على جيش الإنكشارية أي الجنود الجدد وهم قوات مشاة وفرسان من النخبة في الجيش العثماني ويمثلون جيش الدولة الرسمي، فقد كانوا يهتمون بالطبخ بشكل مبالغ فيه. يصفهم الدكتور علي الوردي بقوله، "إنهم يعطون أهمية كبيرة للطبخ وتقديم الطعام، مثلا يقدسون قدور الطبخ ولا يفارقونها حتى في أوقات الحرب ويدافعون عنها دفاعا مستميتا، إذ هم يعدون ضياعها أثناء الحرب أكبر إهانة تلحق بهم وهم إذا أرادوا إبداء عدم الرضا من أوامر رؤسائهم قلبوا القدور أمام بيوتهم. ومن مظاهر اهتمامهم بالطبخ أن قائدهم الأعلى يسمونه جوربجي باشي أي طباخ الحساء".
وبعد أن قضى المماليك عليهم أصبح الطباخ الأكبر هو رئيس الخدم وأصبح ينظر إلى الطبخ والطباخين وأدباء الطبيخ بازدراء، واقتصرت الكتابة في هذا الفن على خبراء الأطعمة لا الأدباء والمثقفين، وبالتالي لا ينظر إليها على أنها من الأدب المطبخي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي