حان وقت معاملة المقرضين كبالغين

حان وقت معاملة المقرضين كبالغين

مزيد من التنظيم وامتثال أكثر صرامة ونسب أعلى لرأس المال. إن استجابتنا لأحدث فوضى مصرفية يمكن التنبؤ بها جدا، كما كانت في المرة الماضية. لكن لنكن صادقين - الحلول المعتادة لا تنفع.
ما العمل؟ على الرغم من أن هذا يبدو معاكسا، فبدلا من معاملة ممولينا كالمراهقين الضالين، ماذا عن السماح لهم بأن يكونوا ناضجين؟ قواعد أقل، وتدخل أقل، وإعطاؤهم الحرية لإدارة حياتهم الخاصة.
إن هذا ليس متطرفا جدا. فقد عاد النهج الناضج بالفائدة على الصناعات الأخرى، رغم الشك في البداية. حتى البنوك في الماضي كانت أكثر منطقية عندما كانت تترك لتتدبر أمرها وحدها.
لقد أوضح لي ذات مرة زميل سابق في القطاع المصرفي بعض أوجه التشابه بين الصناعة المصرفية والتعدين. كان هذا بعد بضعة أعوام من الأزمة المالية، عندما زادت بعض فرق الامتثال والمخاطر في البنوك بالفعل أكثر من ستة أضعاف، وكان الفريق يمثل عشر إجمالي الموظفين. كانت اللوائح التنظيمية الجديدة كثيرة.
قال المحلل الذي كان يعمل في المناجم سابقا إن صناعته القديمة ارتكبت الأخطاء نفسها بعد أزمة الصحة والسلامة الوجودية التي مرت بها. فقد وظفوا آلاف المديرين الخبراء، وقاموا بتركيب معدات السلامة في كل مكان، وصادقوا كل شيء أربع مرات. وأصبحت السلامة على حد قوله "مقدسة". وتم إنفاق مليارات الدولارات لكن النتائج كانت دون المعايير. وكان الجميع في حيرة من أمرهم. ما المشكلة؟
كان لدى شركة دوبونت الأمريكية للكيماويات، تم اختيارها بسبب سجل السلامة الذي تحسد عليه، قليل من وسائل السلامة وكذا الأمر بالنسبة إلى الإجراءات والإرشادات بشكل مثير للدهشة. الشركة بدلا من ذلك ركزت على السلوك. كانت السلامة جزءا لا يتجزأ من ثقافتها ويتم غرسها في عقلية كل موظف. لم تكن هناك أعذار. علاوة على ذلك، كانت الإدارة تفعل ما تقول وفهمت أن معايير التشغيل يجب أن تأتي من الرتب الأدنى في سلم الوظائف، قال زميلي السابق إن هذا منطقيا بالنسبة إلينا. فعمال الحفر أفضل من يعرف أين توجد المخاطر.
إن صناعة التمويل تحتاج إلى لحظة إدراك وتجل كتلك التي كانت في "دوبونت". بدلا من ذلك، تغرق البنوك في اللوائح التنظيمية التي لا تجعلها أكثر أمانا. كان قانون جلاس-ستيجال في حقبة الكساد مكونا من 37 صفحة. وكان تشريع دود-فرانك بعد الأزمة الأخيرة مكون من 2300 صفحة - مع نشره عشر مرات أكثر من الوكالات "للمساعدة" على تطبيقه.
تخيل لو تم قضاء المليون ساعة من التدريب التنظيمي السنوي الذي أبلغ عنه بعض المقرضين في تحليل المخاطر. لكان المصرفيون يندفعون لاستكمال نماذج الامتثال التي لا نهاية لها عبر الإنترنت، خشية أن يتم تخفيض مكافآتهم.
حتى خمسة عقود مضت، كان قضاء الوقت كله في القلق بشأن العملاء ورأس المال هو بالضبط ما اعتاد المصرفيون على فعله - مع تدخل لا يذكر فيمن يقرضون أو عدد الأصول التي يتعين عليهم الاحتفاظ بها مقابل قروضهم، أو دون تدخل أصلا.
يمكن القول إن التمويل كان أفضل حالا بسبب ذلك، كما يؤكد فورست كابي وجيفري وود في ورقة بحثية لمعهد الشؤون الاقتصادية تتناول تجربة المملكة المتحدة. لقد نظرا في سلوك البنوك في البلاد بعد إزالة معظم اللوائح التنظيمية خلال القرن الـ19.
لقد ترك المقرضون البريطانيون لتحديد نسب رأس المال الخاصة بهم خلال فترات الحرب العالمية الأولى والكساد والحرب العالمية الثانية. وفعلوا هذا وهم واثقون بأنفسهم. وتم تعديل جانبي ميزانيتهم العمومية كلاهما صعودا وهبوطا لتلائم الظروف وكانت فترة استقرار استثنائي (على الأقل من منظور مصرفي).
في بعض الأحيان كان يتم منع المقرضين من أن يكونوا أكثر تحفظا فيما يتعلق بنسب رؤوس أموالهم، مثلا في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت الحكومة في وضع إعادة البناء ولم تكن تريد أن ينتهي الأمر بكثير من الأموال في القطاع الخاص. في العقد التالي، زادتها البنوك من تلقاء نفسها.
إذن، هذا ليس قطاعا متهورا بطبيعته. دون متطلبات رأس المال وضمانات الدولة، مضت البنوك البريطانية لأكثر من قرن دون أزمة حتى سبعينيات القرن الماضي. ثم تغير كل شيء، لم يوثق بها على الإطلاق لرعاية أموالها مرة أخرى.
إن اتفاقيات بازل المتعاقبة، من 1988 (30 صفحة) إلى 2010 (بازل 3، ما يقارب ألف صفحة)، نظمت بتفصيل أكثر من أي وقت مضى كيفية تحديد أصول البنوك والتزاماتها وتقييمها.
شعر المصرفيون الذين تم عزلهم كالأطفال، على نحو مفهوم، أنه لم يعد لديهم شيء ليفعلوه سوى اللعب. فقد كانت أرقام لعبة "رأس المال التنظيمي" بلا فائدة لكنها ممتعة. وكذلك لعبة الغميضة خارج الميزانية العمومية. المشتقات الاصطناعية دفعت كثيرا من المكافآت لهم.
ثم أتت الأزمة المالية. لذلك تم فرض مزيد من القواعد واضطر المصرفيون إلى كتابتها ألف مرة. الأمر الذي لم يترك لبنك كريدي سويس كثيرا من الوقت للتفكير في جودة عملائه أو مخاطر أسعار الفائدة لسيليكون فالي بنك.
أنا لا أقول إن المصرفيين ملائكة. لكن حان وقت معاملتهم كالبالغين حتى يتصرفوا كالبالغين.

الأكثر قراءة