ارتفاع الرهن يبعد صائدي المنازل في بريطانيا .. 356 ألف مقترض يواجهون صعوبات الدفع
مع إعلان وزير المالية البريطاني جيرمي هانت تفاصيل الميزانية العامة، تصاعد الجدل السياسي والاقتصادي التقليدي داخل أروقة البرلمان البريطاني وفي وسائل الإعلام، حول تفاصيل الميزانية وجوانبها المختلفة.
جدل الميزانية جذب الأنظار بعيدا بعض الشيء عن الأوضاع الراهنة في سوق العقارات البريطانية، حيث انخفضت أسعار المساكن في الأشهر الأخيرة مع ارتفاع أسعار الفائدة، ما جعل الرهن العقاري أكثر تكلفة، في وقت أدى فيه التضخم إلى إضعاف القدرة الشرائية للمستهلكين، وحد من قدرتهم المالية لاقتناء عقارات جديدة.
مع هذا فإن أغلب الخبراء على قناعة بأن الحديث عن الميزانية سيتراجع ويتلاشى بعد بعض الوقت، بينما سيبقى الحديث حول سوق العقارات محل اهتمام الجميع في كل الأوقات.
في 2021 وفي جزء كبير من العام الماضي ارتفعت أسعار العقارات في بريطانيا بشكل حاد بنسبة الربع تقريبا في معظم أنحاء المملكة المتحدة، لكن المشهد الراهن والمستقبلي يتغير بشكل يدفع إلى التساؤل هل يمكن للقطاع العقاري البريطاني ان ينهار؟
ربما تكون دوافع هذا التساؤل الأرقام المتعلقة بمعدل الانخفاض المتوقع لأسعار المساكن في المملكة المتحدة هذا العام، "فبنك لويدز" أكبر البنوك البريطانية بنى حساباته المالية على أساس انخفاض أسعار العقارات بنسبة 8 في المائة هذا العام.
أما مكتب مسؤولية الميزانية الذي يقدم المشورة للحكومة بشأن صحة الاقتصاد، فقد توقع في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن أسعار المنازل ستنخفض بنسبة 9 في المائة خلال العامين المقبلين، ليعيد هذا الأسبوع تصحيح توقعاته والإعلان بأن الأسعار ستتراجع بنسبة 10 في المائة خلال الربع الأخير من هذا العام، بل الأكثر خطورة الإشارة إلى أن الصفقات العقارية ستتراجع بنسبة 20 في المائة مقارنة بعدد الصفقات خلال الربع الأول من العام الماضي.
من المؤكد أن الحكومة البريطانية لم تكن في حاجة إلى مثل تلك الأخبار السيئة في وقت يعاني الاقتصاد البريطاني من أوضاع أقل ما يمكن أن توصف به أنها صعبة، إلا أن الخبراء في القطاع العقاري يستبعدون أن يصل الوضع إلى حد انهيار القطاع، ويرجحون أن تعاني الوحدات السكانية من تراجع حاد في أسعارها، بطريقة قد تفقدها الجاذبية في أعين المستثمرين، وإذا ما تواصل الوضع هكذا لعدة أعوام فإن ذلك قد يوجد أزمة حقيقية في قطاع الإسكان في المملكة المتحدة.
تومي ماكس الخبير في القطاع العقاري البريطاني يرى أن الارتفاعات المتتالية في أسعار الفائدة تركت آثارا سلبية في الطلب على الوحدات السكانية.
ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "معدلات الرهن العقاري الراهنة تبعد صائدي المنازل، وهناك ما يقرب من 200 ألف مقترض رهن عقاري متأخرون عن سداد مدفوعاتهم ابتداء من منتصف العام الماضي، والآن قد يواجه 356 ألف مقترض رهن عقاري صعوبات في الدفع بحلول نهاية منتصف العام المقبل، وفي الشهر الماضي فإن شريحة أسعار المساكن التي تصل إلى نصف مليون جنيه استرليني تم بيع 60 في المائة منها بأقل من السعر المطلوب، وبالنسبة للعقارات التي يراوح سعرها بين 500 ألف ومليون جنيه استرليني، فإن 71.5 في المائة منها بيع بأقل من السعر المطلوب".
ويرى الدكتور روي روبن أستاذ الاقتصاد البريطاني في جامعة بروملي أنه لا يجب التهاون مع تلك المشكلة خاصة أنها في بدايتها، وتفاقمها خلال الفترة المقبلة بعد أن أعلن وزير المالية جيرمي هانت أن الاقتصاد البريطاني لن يدخل "الركود التقني" لكن النشاط الاقتصادي سيستمر في الانكماش بنسبة 0.2 في المائة هذا العام، وأنه إذا توسع العام المقبل فإن نسبة النمو لن تزيد على 1.8 في المائة، يعني أن تفاقم أسعار الوحدات السكانية يمكن أن يزيد الأزمة الاقتصادية في المملكة المتحدة تعقيدا.
ويقول لـ"الاقتصادية" إن "المملكة المتحدة فيها نحو ثلث ثروة الأسرة مرتبط بقيمة المنزل، ويمكن أن يجعل انخفاض أسعار الوحدات السكانية المواطنين يشعرون بدرجة أقل من الأمان المالي، ما يدفعهم إلى الادخار بدلا من الإنفاق، ويمكن أن يؤدي الإنفاق الأقل إلى زيادة التباطؤ الاقتصادي سوءا".
مع هذا يبدو أن سوق العقارات البريطانية محملة بالتناقضات، فانخفاض سعر الجنيه الاسترليني بنسبة 10 في المائة جعل المملكة المتحدة من غير قصد ملاذا رخيصا للمستثمرين الأجانب، وفي الوقت الذي انخفض فيه نشاط المشترين المحليين، كان هناك ارتفاع ملحوظ في الطلب الأجنبي على العقارات، وهو ما يجعل كثيرا من الخبراء على قناعة بأن الاستثمارات الأجنبية ستحول دون تعرض سوق العقارات لهزات ضخمة هذا العام، بل ربما تساعد في النصف الثاني من 2023 على قلب الدفة ورفع الأسعار بخلاف التوقعات الراهنة.
يشير سجل الكيانات الخارجية الذي دخل حيز التنفيذ في آب (أغسطس) 2022، ويعني أن المشترين الأجانب ملزمون الآن بالكشف عن هوياتهم للسماح لهم بشراء وبيع الأراضي أو الممتلكات في المملكة المتحدة، وعلى الرغم من أن عددا كبيرا من الخبراء لم يحبذوا هذا الأسلوب بدعوة أنه مليء بالعيوب والثغرات، فإن الحكومة البريطانية أصرت على المضي قدما في تنفيذه، بدعوى أنه يطرد النخب الفاسدة التي تغسل الأموال من خلال شراء ممتلكات في المملكة المتحدة، الذي فسر على أنه إشارة إلى رجال الأعمال الروس.
وعلى الرغم من أن هذا الإجراء أبعد المستثمرين الروس الذين لعبوا في الأعوام الأخيرة دورا رئيسا لدفع النمو في قطاع العقار البريطاني خاصة العقارات الفاخرة، فإن انخفاض سعر الاسترليني عدل كفة الميزان بعض الشيء، وحاليا تظهر التقارير أن أكثر من 50 حيا في لندن شهدت نشاطا في بيع عقارات يزيد سعرها على خمسة ملايين جنيه استرليني خلال العام الماضي، وسط توقعات أن تزيد مبيعات تلك الفئة من المنازل هذا العام، مع تركز المبيعات في وسط العاصمة لندن خاصة المناطق الساخنة الجذابة مثل تشيلسي وكينسينجتون ونايتسبريدج.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" ديفيد أهرن المحلل العقاري في مجموعة "ك إف آند إتش"، في أوائل هذا العام شهدنا تباطؤا في الطلب وسنشهد، لكن فقط أولئك الذين سيجبرون على البيع سيشهدون انخفاضا طفيفا في الأسعار، ومع ذلك وعلى مدار العام بكامله أتوقع أن نرى نموا منخفضا على الرغم من العناوين السلبية التي تسود في الصحافة ووسائل الإعلام بشأن سوق العقارات.
ويضيف "لدينا الآن عدد متزايد من الأشخاص الذين يرغبون في الانتقال إلى المملكة المتحدة، الأول هو المستثمر الخارجي الذي يعد العقارات في المملكة المتحدة ملاذا لأمواله لأن البلد الذي يعيش فيه ليس آمنا اقتصاديا وسياسيا، الثاني الذين يرغبون في أن يمتلكوا أكثر من منزل، المجموعة الثالثة وتضم الأشخاص الذين يغادرون أوطانهم ويستقرون في المملكة المتحدة ويحتاجون إلى منزل مثل المهاجرين الأوكرانيين. أعتقد أن كل هذه العوامل على مدار العام ستدعم سوق العقارات في المملكة المتحدة وتجعله يحقق معدل نمو متواضعا لكنه ثابت".
ويضيف "لن يكون هناك تراجع في الاستثمار الأجنبي المتدفق على لندن، ومع بقاء الجنيه الاسترليني رخيصا نسبيا سيظل المستثمر الأجنبي ينظر إلى العقارات في لندن والمدن البريطانية الكبرى على أنها استثمار مرغوب فيه، خاصة أن سوق العقارات في المملكة المتحدة أكثر استقرارا من أي سوق عقارات عالمي آخر".
تعزز الأرقام الخاصة بإجمالي قيمة ما يمتلكه المستثمرون الأجانب من عقارات في المملكة المتحدة، من الدور الضخم الذي يلعبه رأس المال الخارجي في ازدهار سوق العقارات في بريطانيا، إذ تقدر قيمة ما يمتلكه المستثمرون الأجانب في إنجلترا وويلز فقط من العقارات بـ90.7 مليار جنيه استرليني، ونحو نصف هذا المبلغ في لندن، وبذلك يمتلك المستثمرون الأجانب 247016 عقارا في جميع أنحاء إنجلترا وويلز، إضافة إلى عدد من أغلى العقارات قيمة خاصة في العاصمة البريطانية، حيث يمتلك الأجانب 85451 عقارا في لندن بمفردها.
ومن المقرر أن تنمو هذه الأرقام بشكل أكبر خلال الأعوام المقبلة خاصة مع مواصلة وجود مدن مثل لندن وليفربول وسالفورد ومانشستر في قائمة أفضل استثمار أجنبي.
بدوره، يقول لـ"الاقتصادية" إيثن هيدسون الخبير العقاري في موقع تحالف ملاك العقارات، "مدينة ليفربول هي المرشح الأوفر حظا للاستثمار الأجنبي بعد لندن حيث يمتلك مشترون أجانب منازل بقيمة 1.4 مليار جنيه استرليني، أما في سالفورد ومانشستر فتبلغ ملكية الأجانب 1.1 مليار في كل مدينة، بينما سنجد أن 15 منطقة من أفضل 20 منطقة في لندن يمتلك فيها الأجانب عقارات، فستمنستر على سبيل المثال هي واحدة من أغلى أحياء لندن يمتلك الأجانب فيها عقارات بقيمة 11.8 مليار جنيه استرليني أما منطقة كنسينجتون وتشيلسي وهي مناطق أخرى عالية القيمة فإن قيمة ممتلكات الأجانب العقارية تبلغ 10.7 مليار جنيه استرليني".
ويضيف "عدد الملاك الأجانب للعقارات في المملكة المتحدة تضاعف ثلاث مرات منذ 2010، وكان المشترون من جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط في مقدمة المستثمرين الأجانب الذي يشترون عقارات في المملكة المتحدة".