ضاعت أحلام لندن الأمريكية .. من المسؤول؟
عندما اقترحت المملكة المتحدة جعل أعضاء مجلس الإدارة مسؤولين عن التصديق على سياسات وإجراءات الضوابط الداخلية الخاصة بالتقارير المالية، تولدت ردة فعل غاضبة. كان هذا المقترح عدائيا بالنسبة إلى الشركات، ودوت أصوات كبار حي المال بأن من شأن الاقتراح ردع الأشخاص الجيدين عن الانضمام إلى مجالس الإدارات وإغراق المديرين في البيروقراطية.
تمت صياغة الاقتراح على غرار قوانين ساربانز-أوكسلي الأمريكية التي نجحت في بلد الحرية. لكن الحكومة البريطانية تراجعت عن الفكرة.
الولايات المتحدة هي موطن ما يسمى الرأسمالية الربعية، وهي مرهقة للغاية وقصيرة المدى لدرجة أنها ألغيت كمتطلب في المملكة المتحدة في عام 2014 لمصلحة التخفيف من تواتر التقارير. تشرف لجنة الأوراق المالية والبورصة، التي يسهل التأثير فيها، على دورة الإفصاح المستمرة والمرهقة في الولايات الأمريكية، مدعومة بحشد من المحامين المهتاجين، المستعدين لرفع دعوى قضائية جماعية في كل فرصة تسنح لهم.
مع ذلك، فإن شركات مثل آرم التي تعمل في تصميم الرقائق، ومجموعة سي آر إتش للأسمنت، وفلاتر للمراهنات، تواقة لدخول هذه البيئة العدائية، تجذبها إليها سوق أكبر وأكثر سيولة، تميل حاليا إلى منح تقييمات أعلى مما تمنحها سوق المملكة المتحدة. الرد الخاطئ على ذلك يتمثل في التركيز على الشكاوى الفردية وراء كل هجرة تقوم بها الشركات، بدلا من النظر إلى الصورة الأكبر.
ثمة سؤال مفتوح هنا، هو إذا ما كانت أمور الدخلاء على الولايات المتحدة تسير على نحو جيد كما هي الحال مع الشركات المحلية؟ فعلى عكس مؤشر فاينانشيال تايمز، هناك قدر كبير من التحفظ فيما يتعلق بالشركات التي تستوفي معايير "الشركات الرائدة" في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، هذا يتطلب أيضا اعتبارها شركة أمريكية، وليست مدرجة في الولايات المتحدة فقط. تشير بورصة لندن إلى أن الطروحات العامة الدولية في أسواق الولايات المتحدة التي جمعت أكثر من مائة مليون دولار منذ عام 2018 "باستثناء شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة" انخفضت 37 في المائة، مقابل عمليات الإدراج المحلية التي ارتفعت 4 في المائة.
لكن هذه الشركات ما زالت تذهب إلى هناك. قرار "سوفت بنك" ضد الإدراج المزدوج لشركة آرم لمصلحة التعويم في الولايات المتحدة فقط، كان قرارا مزعجا على وجه الخصوص. كان من المفيد لشركة سوفت بنك أن تدرج أسهمها في لندن أيضا، إذا كانت مؤهلة للمؤشر. بحسب ما ورد، لم ترغب في الموافقة على قوانين شريحة السوق "المتميزة" في لندن، وهو شرط للإدراج في مؤشر فاينانشيال تايمز 100. لم تعجبها تحديدا قوانين معاملات الأطراف ذات الصلة.
ووفقا لبعض المستشارين في الحي المالي، من غير المعروف لماذا تتسبب هذه القوانين في إزعاج "سوفت بنك". فجوهر قوانين المملكة المتحدة هو أنه ينبغي للمساهمين المستقلين التصويت على المعاملات التي تزيد على حجم معين مع طرف ذي صلة. "البديل الأمريكي هو الإفصاح والسماح للجميع بمقاضاتك إن لم يعجبهم ذلك". لكن الأنشطة في سياق العمل العادي مستثناة من هذه القوانين. وما لم يكن ماسايوشي صن رئيس شركة سوفت بنك يفكر في بعض الصفقات الخاصة، فهل تتساءل لماذا كان هذا حجر عثرة؟
في كلتا الحالتين، يبدو أن في توجيه أصابع الاتهام إلى الجهة التنظيمية فظاظة. تتولى سلطة السلوك المالي مراجعة متطلبات تميز الشركات، في إطار عملية تدرس جمع الشركات العادية والمتميزة في شريحة واحدة. صحيح أن ورقتها الأصلية كانت مشوشة للغاية، تحركت بشكل أبطأ مما قد يود البعض. لكن النتائج الأولية للجهة التنظيمية في العام الماضي كانت أن معظم المستجيبين رأوا قيمة في ضمانات الأطراف ذات الصلة، وأشار قليل منهم إليها باعتبارها عائقا أمام الإدراج. وقد يبدو من الصعب تبرير إعفاء "سوفت بنك" من قاعدة في السوق تحظى بدعم واسع النطاق.
لقد فعلت لندن هذا من قبل، حين عدلت القوانين في محاولة للفوز بإدراج بعض الشركات في لندن بدلا من نيويورك. لم يحدث ذلك ولم يتم استخدام الفئة السيادية الجديدة التي تم إنشاؤها ضمن قوانين إدراج الشركات المميزة. على أي حال، لم يكن لهذا الحل أن يؤمن بالضرورة شمولا في المؤشر، لأن القرار بشأن الأخير يقع على عاتق مؤسسة فاينانشيال تايمز راسل.
إن سلبيات الإدراج في الولايات المتحدة يتم تحملها باعتبارها تكلفة لممارسة الأعمال هناك، وهو ما كانت عليه الحال في لندن. ويعتبر تحديث مجموعة الإدراج وقوانين الحوكمة في المملكة المتحدة جزءا من معالجة ذلك. لكن الأمر نفسه ينطبق أيضا على إصلاح المعاشات التقاعدية طويل الأجل، وإعادة بناء قاعدة من المستثمرين المحليين الآخذين في التضاؤل، وسد الفارق في التقييم الذي نتج جزئيا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والخلل السياسي. أما ما لا ينبغي أن يحدث فهو الانصياع للأقوال الخاصة بكل جهة إصدار كبيرة خوفا من ذهابها إلى مكان آخر.