دور المؤسسات الوقفية في تحقيق الاستدامة

الصناديق الوقفية تعد إحدى صور التطور في أشكال التبرع الذي يحقق الاستدامة حيث إن غاية المتبرع هو استمرار حصول الثواب له من خلال تحقيق منفعة مستمرة من الأموال التي تبرع بها، وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث". وذكر منها الصدقة الجارية حيث تتميز بأن أثرها مستمر لا ينقطع إلا أن يشاء الله، وقد يتسلسل أثرها بناء على عظم منفعتها، فالإنفاق في مجال العلم والمعرفة أثره كبير حيث يتناقل الناس المعرفة وتستمر هذه العملية من جيل إلى آخر وهكذا نجد أن الأوقاف قد يكون أثرها إلى مدد طويلة، وهذا يحقق نفعا لا يتوقف -بإذن الله- للمتبرع.
من المبادرات التي لها أثر إيجابي في مجموعة من المؤسسات وهو نتاج للتحولات الاقتصادية الكبيرة في المملكة بهدف تحقيق رؤية المملكة 2030 التي تتضمن زيادة حصة الأوقاف من الناتج المحلي إلى 6 في المائة بحلول عام 2030، وهذا بلا شك تحد كبير لمجموعة من العوامل منها أنه مع بداية العمل بالرؤية كانت إسهامات الأوقاف في الناتج المحلي أقل من 1 في المائة، وتتطلع إلى أن تصل للمتوسط العالمي الذي يبلغ 6 في المائة، وهذا بلا شك يحتاج إلى مجهود كبير وطريقة مبتكرة ونوعية وليست تقليدية، والتحدي الآخر أن حجم النمو للاقتصاد المحلي ينمو باستمرار ما يعني أن التحدي مضاعف للوصول إلى النسب المستهدفة وهذا بلا شك أمر فيه صعوبات وتحديات كبيرة ولذلك ينبغي في العمل عدم التركيز على جانب واحد للوصول إلى النسب المستهدفة بل العمل في كل الجوانب سواء فيما يتعلق بالتشريعات أو الكفاءات الإدارية والبرامج التعليمية المختصة والتنوع في مصادر التمويل وطرق الإدارة.
عند النظر إلى الهيكل العام للنشاط الوقفي نجد أن هناك ثلاث ركائز من المهم العمل عليها لتعظيم حجم إسهامات الأوقاف في الناتج المحلي أو الاقتصاد الوطني عموما، وهي موارد الأوقاف وإدارة هذه الموارد ومصارف الأوقاف وكل واحد منها لا يقل أهمية عن الآخر للوصول إلى النسب المستهدفة للاقتصاد الوطني.
ففيما يتعلق بالموارد فهناك الطرق التقليدية وهي مهمة للوصول إلى المتبرعين للإسهام في مجموعة من الأوقاف بحسب رغبة كل واحد منهم وبحسب ما هو متاح من أوقاف، والطرق غير التقليدية هو تعظيم الموارد من خلال مجموعة من الخيارات منها الاستثمار والأنشطة التجارية والاستثمار في مجالات نوعية مثل تدوير المنتجات والمواد الخام وهذه من الأعمال النوعية والناس سخية جدا فيها وقد تقدم ممتلكاتها مجانا على أساس أنها لا تحتاج إليها وتريد أن تعظم منافعها من خلال التبرع بها لجهات يمكن أن تقدمها أو تعيد إنتاجها بما يعظم قيمتها وبالتالي تكون إسهامات الأفراد فيها أعظم من بعض التبرعات النقدية كما أن السوق في المملكة أصبحت كبيرة جدا وهذه المنتجات أصبح لها سوق رائجة مع تنوع أشكال الاحتياج في السوق وما زال هذا النوع من النشاط لم يتم العمل عليه بشكل كاف لدى المؤسسات الاجتماعية والخيرية، والمؤسسات الوقفية يمكن أن تستثمر في ذلك على المديين المتوسط والطويل وقد تحقق دخلا مذهلا خصوصا في هذه المرحلة التي لا يكاد يوجد منافس في السوق، ومن الخيارات العمل على دعم التشريعات التي تسهل مسألة إنشاء الأوقاف للأفراد على غرار الجهود الخاصة بإنشاء النشاط التجاري بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بتسريع ذلك ووجود الأدوات الرقابية المناسبة لضمان سلامة عمل هذه الأوقاف وأنها تحقق أهدافا معتمدة شرعا وفقا للأنظمة المرعية في البلاد، ويكون لها تنظيم بتعيين ناظر لها سواء صاحب الوقف نفسه أو من يعينه، وأن يكون هناك تقسيم لهذه الأوقاف حيث تصنف بحسب حجم الوقف، إضافة إلى وجود الدعم والمساندة لتسهيل عملية إنشاء هذا الوقف وإدارته والوصول إلى المستفيدين من هذا الوقف بناء على المعايير التي حددها الواقف. والمتابع لعمل الهيئة العامة للأوقاف يجد أن هناك تطورا كبيرا وملحوظا من خلال التقرير السنوي الذي صدرت آخر نسخة منه لعام 2021، ويمكن الإطلاق على الخدمات التي تقدمها من خلال منصتها الإلكترونية www.awqaf.gov.sa وهذا جزء من مبادراتها النوعية لتسهيل وصول المستفيدين.
الخلاصة: إن الأوقاف إحدى أهم ركائز الاستدامة وقد جاء جزء من برامج رؤية المملكة 2030 للوصول بها إلى المتوسطات العالمية 6 في المائة مقارنة بالحال التي كانت عليها حين إعلان رؤية المملكة 2030 حيث كانت أقل من 1 في المائة، ولا شك أن ذلك يتطلب عملا نوعيا غير تقليدي للوصول إلى هذه النسب في ظل استمرار النمو للاقتصاد المحلي -بحمد الله- ما يعني أن التحدي للوصول إلى هذه النسبة مضاعف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي