محنة بحارة السفن التجارية العالقين في البحر
ربما يكون بحارة السفن التجارية القوة العاملة التي يعتمد عليها الناس كثيرا، لكن لا يفكرون فيهم إلا قليلا. فالأغلبية العظمى من البضائع المتداولة حول العالم يتم نقلها على متن السفن. كما أن الرأسمالية لن تنجح دون نحو مليوني شخص يعملون عليها. لكن يبدو أن الأمر يتطلب كثيرا حتى تتم ملاحظتهم.
عندما ضربت جائحة كوفيد -19، بقي أكثر من 300 ألف بحار تجاري عالقين في سفنهم بعد انتهاء عقودهم بوقت لا بأس به، لأن تدابير مكافحة الفيروسات وقيود السفر حالت دون التناوب بين الطواقم.
في ذلك الوقت تمثل جزء من المشكلة في طول المدة التي استغرقها عديد من الدول لتصنيفهم على أنهم "عمال أساسيون"، رغم حقيقة أن عملهم كان جوهريا بشكل لا لبس فيه.
علقوا أيضا بسبب الحرب في أوكرانيا. وفقا لغرفة الشحن الدولية، بقي 331 بحارا على متن 62 سفينة محاصرة في الموانئ الأوكرانية منذ بداية الحرب قبل عام. وجهت غرفة الشحن الدولية الشهر الماضي، إضافة لـ30 منظمة أخرى، كتابا إلى أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في محاولة للتعريف بمحنتهم والدفع من أجل التوصل لحل تفاوضي يمكن أن يساعدهم على المغادرة بأمان.
لكن الأمر لا يتطلب دائما حدوث أزمة عالمية حتى ينتهي بالبحارة في مهب الريح. أصحاب السفن في بعض الأحيان يتخلون عنهم، ربما بعد إخفاقهم في تقدير تكلفة تسيير الرحلة، أو عندما يدركون أن السفينة بحاجة إلى استثمار، وأن مجرد التهرب منها سيكون أقل تكلفة لهم. بموجب القانون الدولي، يعد أن البحار تم التخلي عنه في حال أخفق مالك السفينة في تغطية تكلفة إعادته إلى الوطن، أو تركه دون دعم، أو عندما يقطع العلاقات معه بطرق أخرى، منها عدم دفع راتبه لمدة شهرين على الأقل.
يقول ستين لوند، الرئيس التنفيذي لشركة رايت شيب، المختصة في فحص السفن التي تتعقب البيانات المتعلقة بعمليات التخلي: "ها هم هناك فجأة دون أن يدفع أحد أجورهم أو يعتني بهم. في أسوأ الحالات يبقون على متن سفينة لا يتوافر فيها مصدر طاقة، ولا يمكنهم تشغيل المولدات -إذا كان الجو باردا لا يمكنهم تدفئة أنفسهم، وإذا كان الجو حارا لا يمكنهم تبريد أنفسهم، وقد لا يكون لديهم ماء ولا طعام".
ليس من الممكن دائما للبحارة مغادرة سفينة تم التخلي عنها. فقد لا يكون لديهم تأشيرة لدخول بلد ما، أو قد تقول السلطات المحلية إنهم مضطرون للبقاء على متن السفينة للحفاظ على سلامتها.
حتى لو كان بإمكانهم المغادرة، فإن كثيرا منهم لا يرغب في الانصراف خاوي الوفاض لأن لهم مستحقات مالية تعتمد عائلاتهم عليها. في إحدى الحالات التي حدثت أخيرا، حوصر بحار سوري يدعى محمد عايشة على متن سفينة شحن مهجورة في مصر لمدة أربعة أعوام بعد أن أعلنت محكمة محلية أنه هو الوصي القانوني على السفينة. وكان عليه أن يسبح إلى الشاطئ كل بضعة أيام من أجل شحن هاتفه.
تعد حالات التخلي عن السفن نادرة نسبيا، لكنها فيما يبدو آخذة في الازدياد. فبين عامي 2006 و2016، تم الإبلاغ عن عشر إلى 25 حالة تخل رسمية كل عام، وفقا لقاعدة لبيانات منظمة العمل الدولية، يستثنى من ذلك عام الركود، 2009. غير أن هذه الأرقام ارتفعت بصورة حادة في الآونة الأخيرة.
خلال العام الماضي تم الإبلاغ عن 118 حالة شملت 1841 بحارا، بحسب اتحاد عمال النقل الدولي، الذي يقدم بلاغات عن معظم هذه الحالات إلى منظمة العمل الدولية. البحارة من الفلبين والهند وباكستان هم الأكثر تضررا، في حين حدثت حالات تخل في مياه تابعة لـ46 دولة.
لكن تم إحراز بعض التقدم على صعيد مساعدة البحارة بشكل أكثر فاعلية عندما يتم التخلي عنهم. فرض قانون دولي جديد في عام 2017 على السفن أن تحمل تأمينا ضد التخلي، يتم دفعه لتغطية تكلفة أجور البحارة وإعادتهم إلى أوطانهم. غير أن الخدعة في ذلك هي أن القانون يطبق فقط على السفن التي تحمل أعلام الدول التي صادقت على اتفاقية العمل البحري حتى في هذه الحال لم يكن الامتثال للقانون كاملا.
مع ذلك، يقول اتحاد عمال النقل الدولي إن القانون أحدث فرقا: تم حل نحو 60 في المائة من الحالات المرتبطة بالتأمين العام الماضي، مقارنة بنحو 40 في المائة من الحالات دون تأمين. في الواقع، من المحتمل أن يكون الارتفاع في حالات التخلي المبلغ عنها يعود جزئيا إلى معرفة مزيد من البحارة أن الأمر يستحق الإبلاغ عنها. وتحاول شركة رايت شيب استخدام البيانات لتعقب مالكي السفن الذين يتخلون عن البحارة، حتى تعلم الشركات المرموقة في أعلى سلسلة التوريد أي السفن يجب تجنبها.
لكن خارج الصناعة، من يدري تماما أن هذا الأمر مستمر؟ يقول ستيفن كوتون، الأمين العام لاتحاد عمال النقل الدولي: "الشحن البحري لا يشبه أي صناعة أخرى من حيث الأمور المسموح بها. إذا كنت مقيدا في العمل بالسلاسل إلى المكتب لأيام أو أسابيع، فسيكون هناك غضب من ذلك. إذن، لماذا نتركه يستمر في السفن؟".