دول تتكسب من فساد شركاتها

دول تتكسب من فساد شركاتها

في عام 2020 توصلت شركة أيرباص إلى تسوية ملاحقة قضائية على خلفية سلسلة من المخالفات تتعلق برشا في نحو 20 دولة، وذلك من خلال دفع غرامات هائلة بلغت 3.6 مليار يورو لوكالات مكافحة الكسب غير المشروع في كل من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
ولا تزال العقوبة المفروضة عليها ضمن اتفاق الملاحقة القضائية المؤجلة تمثل أكبر تسوية رشا أجنبية مسجلة على مستوى العالم. ومع انتهاء فترة المراقبة التي امتدت ثلاثة أعوام، لا تزال الصفقة تشكل رمزا لكيفية استخدام الدول المتقدمة المساومات مع الشركات من أجل إثراء خزائنها، بينما لا تسعى إلا نادرا لتحقيق العدالة للدول الضحايا.
لكن إندونيسيا قررت الآن أن تتبنى موقفا صارما. فرغم إسهاماتها في تحقيق أجرته المملكة المتحدة بتقديمها دليلا على تقديم عمولات لشركة جارودا للطيران، المملوكة للدولة، إلا أنه تم استبعاد جاكارتا من تسوية شركة إيرباص. ولهذا رفض المسؤولون مشاركة معلومات تم جمعها في تحقيق منفصل بشأن شركة بومباردييه ما لم يتم تضمينهم في أي مساومة قضائية.
لقد كانت مسألة وقت فقط قبل أن تظهر هذه الاعتراضات. وهناك كثير من الدول التي تبدي عدم رضاها عن كيفية تطبيق اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن الرشا الأجنبية. فمنذ اعتماد الاتفاقية عام 1997 كانت جهود مكافحة الفساد تصب تركيزها على الجناة بدلا من الضحايا في الدول التي تحدث فيها الجرائم.
فمن ناحية التطبيق، تتخذ حفنة من الدول المتقدمة في شمال الكرة الأرضية إجراءات ضد الرشا بحق الشركات متعددة الجنسيات لأنها تملك الموارد والنفوذ لذلك. هذا يعني أن الأمر قد ينتهي بهذه الدول إلى التربح من الضرر الذي تسببه شركاتها، إلى حد كبير في الاقتصادات النامية، من خلال الغرامات المفروضة في صفقات المساومة التي يتم التفاوض عليها سرا.
وجدت دراسة أجراها مكتب الأمم المتحدة الإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة في عام 2021، أن أقل من 1 في المائة من الغرامات المالية المفروضة بعد تسويات عدم المحاكمة تمت إعادتها إلى الدول المتضررة.
مارك بيث، الذي قاد فريق العمل المعني بالرشا التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مدار 24 عاما، يلاحظ أن الدول التي تطبق الاتفاقية بنشاط أكبر ترى في القوانين، بشكل أساس، أدوات لمنع المنافسة غير العادلة.
قال: "إذا كنت تلاحق الشركات الفاسدة، فأنت تفعل ذلك ليس لأنها تضر بالتنمية، لكن لأنك لا تريد أن يكتسب منافسوك ميزة".
وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعد كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا من بين الدول الأكثر حرصا على تطبيق اتفاقية مكافحة الرشا العالمية، وقد استخدمت "حلولا دون محاكمات" في نحو 79 - 96 في المائة من قضاياهم.
وتقدم الدول المنفذة للاتفاقية أسبابا عديدة لاحتفاظها بالأموال على شاكلة: قد يكون الفساد مستشريا في الدول الضحية، لذلك هناك مخاطر من إساءة استخدام هذه الأموال، وقد يصعب التعرف على الضحايا الفعليين، كما يصعب تحديد حجم الضرر.
لكن أيا من هذه الأعذار لا يبرر ذلك حقا. فهناك آليات لمراقبة الأموال التي تذهب إلى الدول ذات المخاطر العالية. فقط اسأل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي كيف يتم ذلك. وإذا كان من غير اليسير التعرف على الضحايا الأفراد، فماذا عن الاعتراف بالضرر الذي يلحقه هذا الفساد بالمواطنين في الدولة الضحية؟ أخيرا، ما مدى ملاءمة أن تكون وكالات مكافحة الكسب غير المشروع قادرة على حساب التسوية، لكنها غير قادرة على تحديد مقدار الرشا المدفوعة أو الأضرار التي حدثت؟
من الجيد أن الدول المتقدمة الكبيرة التي لديها وكالات لمكافحة الفساد، بموارد جيدة، تتبع جرائم الشركات حول العالم. ومن العدل أن يتم تعويضها. لكن كلما زاد لجوء وكالات مكافحة الكسب غير المشروع إلى حلول دون محاكمة، فينبغي لها في هذه الحال أن تأخذ في الحسبان آراء أولئك الذين لحق بهم الضرر.
مع ذلك، هناك بعض البوادر المشجعة على حدوث تغيير. تقول جيليان ديل، من منظمة الشفافية الدولية، إن فرنسا سجلت "خطوة مهمة" عندما أقرت أخيرا مشروع قانون لضمان عدم إيداع الأموال المصادرة من المسؤولين الأجانب الفاسدين في البنوك، بل تجب إعادتها إلى السكان الضحايا عبر برامج التعاون والتنمية. كذلك كانت المملكة المتحدة رائدة في ترسيخ مبدأ وجوب النظر في التعويضات أو إعادة الأصول إلى الضحايا الأجانب في كل قضية.
لكن الممارسة العالمية حول كيفية إشراك الضحايا وتعويضهم في صفقات المساومة مع الشركات لا تزال مفككة وغير متماسكة. هناك حاجة إلى اتفاق دولي ليس فقط لتحفيز مزيد من الدول على ملاحقة الفساد في داخل حدودها، لكن أيضا كي تقدم التسويات نتيجة أكثر عدلا، ويدرك المخالفون في تلك الشركات حجم الضرر الذي يلحقه الفساد. دون هذا الالتزام، لا ينبغي أن تتوقع الدول الأكثر حرصا على تنفيذ الاتفاقية أن تساعد الدول الضحية على ملاحقة المخالفين، إذا كانت نتيجة جهودها ببساطة جعل الدولة الغنية أكثر ثراء.

الأكثر قراءة