الميكروبات في الزراعة.. ثروة غير مرئية

الميكروبات في الزراعة.. ثروة غير مرئية
الميكروبات في الزراعة.. ثروة غير مرئية

هناك عدد قليل من المشكلات التي تعد أضخم من أزمة المناخ. لكن أحد الحلول المحتملة صغيرة لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، الميكروبات.
تراهن تيجان نوك، صاحبة مزرعة ماشية سابقة تبلغ من العمر 32 عاما نشأت في مزرعة في عمق المناطق النائية الأسترالية، على التكنولوجيا الميكروبية في التربة والمحاصيل التي يمكن أن تخفف من الآثار الناجمة عن عقود من الزراعة الصناعية على النظم البيئية للكوكب.
قامت نوك، التي شاركت في تأسيس شركة لوام بيو الزراعية الناشئة في 2019، بتطوير فطريات ميكروبية لا تؤدي عند إضافتها إلى التربة إلى تحسين صحتها فحسب، بل تعزز من قدرتها بشكل كبير على تخزين الكربون.
إذا نجحت، فستكون الفوائد مزدوجة، إذ إنها ستساعد المزارعين الذين يواجهون ضرارا كبيرا بسبب أزمة المناخ على مواجهة أنماط الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها بشكل متزايد من الجفاف، والفيضانات ودرجات الحرارة المتطرفة. كما أنها تخفف من الأثر البيئي لنظام غذائي يسهم بما يصل إلى ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم. ألقي اللوم على الزراعة في الأضرار البيئية، مثل تآكل التربة، و"المناطق الميتة" في المحيطات وفقدان التنوع البيولوجي.
مثل معظم المزارعين في أستراليا الذين تحولوا لاستخدام مزيد من الأساليب التي تقودها الطبيعة في الثمانينيات والتسعينيات، عملت نوك وعائلتها على زيادة إنتاج المحاصيل باستخدام أساليب الحفظ الجيدة أو أساليب الزراعة المتجددة بما في ذلك عدم الحراثة، وتناوب المحاصيل وزراعة المحاصيل في غير مواسمها لتقوية التربة.
كان إيجاد طريقة لتعزيز مستويات الكربون المخزنة في تربة مزرعة عائلتها التي تبلغ مساحتها ثلاثة آلاف هكتار في نيو ساوث ويلز، جنوب شرق أستراليا، الخطوة المنطقية التالية. تقول نوك، كبيرة مسؤولي الإنتاج الآن في شركة لوم، "عندما جاء هذا العمل، كان شيئا كالإدمان، من الصعب جدا التراجع عنه. أردت أن (...) أتأكد من أن (المعلومات والتكنولوجيا) كانت متاحة لجميع المزارعين".
المعالجة الفطرية لشركة لوم تساعد التربة على تخزين أكثر من ضعف كمية الكربون مقارنة بالزراعة التجديدية التقليدية، في حين تحتفظ التربة الأكثر صحة بمزيد من المياه والمغذيات الأخرى، وبالتالي زيادة الإنتاج. تساعد الشركة الناشئة المزارعين على بيع أرصدة الكربون الخاصة بهم للشركات التي تتطلع إلى تعويض انبعاثاتها. تقول، "إنها عملية مربحة للطرفين".
جمعت الشركة حتى الآن ما يزيد قليلا على 100 مليون دولار مع مستثمرين من بينهم مؤسسة كلين إنيرجي فاينانس التابعة للحكومة الأسترالية وشركة هورايزون فنتشرز للملياردير لي كا شينج من هونج كونج. وبعد إطلاق منتجها في أستراليا، تجري الآن تجارب في الولايات المتحدة.
تم استخدام الأسمدة والمبيدات "البيولوجية" الصديقة للبيئة منذ بدء زراعة المحاصيل. لكن الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية هي التي غذت الزراعة الحديثة، ما أدى إلى إنتاج مكثف واسع النطاق للغذاء، ما ساعد على الحد من الجوع العالمي ودعم أعداد السكان المتزايدة. مع ذلك، فقد أصبحت الآثار السلبية لهذه المنتجات في البيئة، وصحة الإنسان والتنوع البيولوجي أكثر حدة خلال العقود القليلة الماضية.
توفر الكائنات الدقيقة المفيدة في المزارع بديلا. لكن، كما هي الحال مع الروابط بين الفطريات الميكروبية المعوية وصحة الإنسان، لم يكن هناك إلا أخيرا فهم أعمق لإمكانات الميكروبات في التربة بفضل التكنولوجيا الأرخص، بدءا من معالجة البيانات حتى الذكاء الاصطناعي.
يقول فريدريك بيودو، رئيس البيولوجيين العالميين في مجموعة كورتيفا الزراعية الأمريكية، إن المنتجات الميكروبية على أعتاب "عصر ذهبي". ويضيف أن هناك "وعيا أكبر بالكائنات المفيدة عموما" التي ترتبط "بصحة التربة والنباتات الدقيقة في التربة. نفهم بشكل أفضل الدور الهائل الذي تلعبه الميكروبات في صحة المحصول".
بدافع الحاجة إلى تحقيق الأهداف المناخية، فإن الدول بما في ذلك تلك الموجودة داخل الاتحاد الأوروبي، التي كانت بطيئة في تبني ممارسات التجديد، تسرع الآن عملية تحول إلى زراعة أكثر استدامة. ومن المتوقع أن تؤدي السياسات الزراعية الجديدة واللوائح الأكثر صرامة على المدخلات الاصطناعية إلى زيادة الطلب على الوسائل الطبيعية لزيادة الإنتاج وكذلك حماية المحاصيل من الآفات والأمراض. في هذا السياق، كما يقول المؤيدون، تمثل التكنولوجيا الميكروبية فرصة هائلة.
من المحتمل أن يتم حظر المنتجات الحالية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في أوروبا، كما يقول بيودو من مجموعة كورتيفا، مضيفا، "إن هذا يدفع الابتكار".
لكن كثيرا من المزارعين ما زالوا غير مقتنعين بقضية الميكروبات، إذ تختلف آثارها بشكل كبير اعتمادا على المناخ وأنواع التربة، وقد يكون تنفيذها مكلفا، ويمكن أن يستغرق تحويل جودة التربة بشكل صحيح أعواما عديدة. قد لا تكون ثورة نوك التي تحلم بها فورية.
الفوائد الاقتصادية والبيئية
يجادل المدافعون بأن هناك سببين وجيهين لتبني التكنولوجيا الميكروبية.
الأول هو أن تحويل الوقود الأحفوري إلى سماد نيتروجين تقليدي، أحد العناصر الرئيسة الثلاثة اللازمة لنمو النبات، لا ينتج فقط غازات الدفيئة والميثان وثاني أكسيد الكربون، بل يؤدي أيضا إلى فقدان التنوع البيولوجي عبر تعدين المكونين الآخرين، الفوسفات والبوتاس.
ووفقا للبحث، يستنزف نحو ثلثي الأسمدة النيتروجينية ونصف الأسمدة الفوسفاتية المستخدمة على المحاصيل، وفي كثير من الحالات يتم جرفها إلى المجاري المائية والمحيطات، ما يؤدي إلى خنق الحياة المائية وظهور مناطق ميتة، حيث يكون الأكسجين منخفضا للغاية بحيث لا تتمكن الكائنات الحية من البقاء.
لكن الحافز الرئيس للأسمدة الميكروبية بالنسبة إلى المزارعين هو حافز اقتصادي. حيث ارتفعت تكاليف الأسمدة عندما أدت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى رفع أسعار الغاز الطبيعي، وهو مادة أولية رئيسة للأسمدة النيتروجينية، إلى مستوى قياسي. وعلى الرغم من انخفاض الأسعار، فإن تأثير الفارق الزمني يعني أن المزارعين لا يزالون يدفعون المزيد مقابل المغذيات التقليدية.
النسخة الميكروبية ليست ميسورة التكلفة فحسب، بل تدوم أيضا فترة أطول. عندما تلتصق الميكروبات المنتجة للنيتروجين بجذور النباتات، يكون هناك حد أدنى من الجريان السطحي، ما يعني أن المزارعين بحاجة إلى استخدام سماد غير تقليدي. بمجرد استخدامه، تستمر الميكروبات بالعمل مع النبات، وعلى عكس المغذيات التقليدية، فلا تحتاج إلى وضعها مرة أخرى مع تقدم موسم المحاصيل.
في بيركلي، كاليفورنيا، هناك شركة ناشئة تسمى بيفوت بيو تنتج سمادا ميكروبيا، تتمتع بطلب قوي. فبعد تجربة أجرتها في 2018، تضاعفت مساحة الأراضي المستخدمة للذرة في الولايات المتحدة، حيث تم استخدام المنتج ثلاثة أضعاف في العام الماضي عن 2021 إلى أكثر من ثلاثة ملايين فدان، أي نحو 4 في المائة من إجمالي المساحة المخصصة لزراعة الذرة.
بدأت ليزا بيترسون، مزارعة في شمال ولاية أيوا، في استخدام منتج شركة بيفوت في 2019 وقد أعجبت به جدا لدرجة أنها أصبحت واحدة من مندوبي مبيعاتها، "أعلم أنه عندما أدفع مقابل رطل النيتروجين هذا، أنني أستخدم رطل النيتروجين في محصولي. إنني لا أفقده في تركيبة التربة. وأنه لا يتسرب. ولا يزول". تضيف أن المنتج، بالأسعار الحالية، أرخص أيضا 40 في المائة من الأسمدة التقليدية.
تضيف بيترسون، حيث هذا هو الجيل الثالث للعمل في مزرعتها، أن الإشراف على الأرض لا يقل أهمية عن امتلاك أحد الأصول المجدية اقتصاديا. تقول، "آمل أن يكون الجيل الرابع كذلك في وقت ما. لكن علينا الاعتناء بأرضنا حتى نتمكن من القيام بذلك".
يشعر كارستن تيم، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بيفوت بالتفاؤل بشأن آفاق الشركة. يقول، "لقد حققنا نموا قويا للغاية منذ أن أطلقنا أول منتج لنا قبل خمسة أعوام".
ومن أجل مواكبة الطلب، ضاعفت الشركة الناشئة طاقة الإنتاج من خلال توسيع مرفق في سانت لويس، ميسوري هذا العام وأضافت مركز توزيع في أوماها، نبراسكا. مع زيادة القدرة التصنيعية، تأمل شركة بيفوت في تغطية 10 في المائة من إجمالي فدادين الذرة في الولايات المتحدة بمغذياتها الميكروبية هذا العام، وبدأت في دراسة التوسع في الأسواق الدولية بما في ذلك البرازيل، وكينيا وكندا.
كما يقوم المزارعون بإجراء تجارب باستخدام مبيدات الفطريات الميكروبية. في أركنساس، كان ويل تيبتون، الذي يزرع نحو ألفي فدان، يستخدم منتجا من صنع شركة إنديجو أجريكلتشر الناشئة في بوسطن. وتشكل الميكروبات جدارا بين جذور النبات وأي من العوامل الممرضة. يقول تيبتون، "إنها طريقة مختلفة لعلاج البذور. يتعلق الأمر بإضافة ميكروبات مفيدة لتحل محل الميكروبات الضارة".
تشتمل مجموعة منتجات شركة إنديجو من الميكروبات على المغذيات، وتلك التي تهدف إلى حماية المحاصيل من الجفاف والحرارة، التي يمكن أن تكون مفيدة في وقت أصبحت فيه الظواهر الجوية المتطرفة أكثر شيوعا.
يقول رون هوفسيبيان، الرئيس التنفيذي لشركة إنديجو، إن المنتجات الميكروبية "تسهم حقا في رحلة (المزارعين) مع التربة بأكملها. يعلم جميعهم أنه يتعين عليهم الاعتناء بالتربة بشكل أفضل، وهذا يعني أنه يتعين عليهم أن يكونوا أكثر انتقائية فيما يتعلق بالمدخلات التي سيستخدمونها".
كما أن تيبتون أحد المشاركين في برنامج كربون التربة التابع لشركة إنديجو، الذي دفع في كانون الأول (ديسمبر) الماضي 30 دولارا مقابل ائتمان كربون يبلغ إجماليه 3.7 مليون دولار لنحو 450 مزارعا أمريكيا لتنفيذ ممارسات الزراعة المتجددة التي تساعد التربة على التقاط مزيد من الكربون. كانت هذه زيادة حادة مقارنة بـ2021، عندما عرضت 15 دولارا لكل ائتمان إلى 267 مزارعا بقيمة أقل بقليل من مليون دولار. مثل شركة لوم، تقرض شركة إنديجو المشترين من الشركات.
يقول تيبتون، الذي حصل على أكثر من عشرة آلاف دولار من شركة إنديجو في آخر عملية دفع، "لقد أوقفنا جميع المحاريث ولم ننظر إلى الوراء حقا. يدفع لك مقابل بذل جهد أقل إنها أموال حقيقية مقابل القيام بالشيء الصحيح".
تتم إدارة برنامج كربون التربة والمنتجات الميكروبية لشركة إنديجو بشكل منفصل، لكن هوفسيبيان يقول إن كليهما يقع تحت مظلة الزراعة المتجددة. يعد استخدام الميكروبات لتعزيز قدرة التربة على تخزين الكربون بمنزلة تطور طبيعي من الزراعة المتجددة، التي تهدف إلى استعادة النظم البيئية الطبيعية التي استنزفتها أساليب الزراعة التقليدية - وفي النهاية إنتاج الغذاء بطريقة أكثر استدامة.
مقابل كل زيادة 1 في المائة في كربون التربة، يمكن لفدان من الأرض أن يحتفظ بـ25 ألف جالون إضافي من المياه، ما يساعد على الإنتاجية وصحة النبات، كما يشير هوفسيبيان، مضيفا، "ربط هذه الأجزاء، هذا هو ما ركزنا عليه حقا".
كانت الزراعة المتجددة بطيئة في الانتشار في أوروبا وآسيا، لكن في أجزاء أخرى من العالم، فإن معدلات تبنيها مرتفعة. ففي أستراليا ونيوزيلندا، تبنى أغلبية المزارعين ممارسات زراعية مستدامة، تغطي ثلاثة أرباع الأراضي المزروعة.
جرانت سيمز، مزارع من الجيل السادس يدير مزرعة عائلية تبلغ مساحتها 8،500 فدان في وسط فيكتوريا، أستراليا، يعمل على برنامج تجريبي لمنتج شركة لوم الميكروبي منذ 2021. تبنى والده وعمه نهج عدم حراثة الأراضي الزراعية في أوائل الثمانينيات، ومنذ 2008، بدأ سيمز في الحد من استخدام المزرعة للأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية، وذلك باستخدام الأسمدة السائلة المصنوعة بيولوجيا لتقوية النباتات بدلا من ذلك.
وصف الجهود المبذولة لالتقاط التربة مزيدا من الكربون بأنها "لا تحتاج إلى تفكير"، قائلا إن العوائد من بيع أرصدة الكربون كانت مهمة، لكن الفوائد الإنتاجية والبيئية ستكون "هائلة".
يقول، "خاصة في أستراليا، لدينا نوع من الأراضي شديدة التطرف حيث نمر للحظة بحالة جفاف وفي اللحظة التالية نكون في فيضان لأننا فقدنا كثيرا من الكربون من التربة ما قلل من قدرة التربة على درء تلك الحالات المتطرفة".
ثورة معارضة
على الرغم من ازدياد الزخم الكامن وراء استخدام الميكروبات في المزرعة، فإن الابتعاد عن طرق الزراعة التقليدية يظل خيارا محفوفا بالمخاطر بالنسبة إلى كثير من المزارعين. إذا فشل موسم الحصاد، فإن عاما من المحاصيل المهدورة يعني عاما دون إيرادات أو موارد لاسترداد التكاليف.
لا تزال الشكوك حول المنتجات الميكروبية قوية بين المزارعين العاديين خاصة أن فاعليتها، على عكس الأسمدة الاصطناعية، تميل إلى الاختلاف اعتمادا على عوامل مثل نوع التربة، والمناخ والظروف الجوية.
يقول أليستر كوبر من شركة سيبوس لرأس المال المغامر الزراعي، "كان هناك كثير من الوعود التي قطعت بشأن المواد البيولوجية وحقيقة أنه يمكنها أن تحل محل المواد الكيميائية الاصطناعية النشطة والفاعلة بشكل لا يصدق. الحقيقة هي أنك عندما تقوم بالزراعة، فإنك تمر بمناخات مختلفة، وتعمل مع أنواع مختلفة من التربة، ومع درجات حموضة مختلفة. ستكون لديك درجات حرارة مختلفة، وظروف مناخية مختلفة، وستزرع محاصيل مختلفة".
بالنسبة إلى الحكومات، فإن تشجيع الانتقال إلى أي نوع من الزراعة المتجددة يأتي مع مخاطر الأمن الغذائي إذا حدث خطأ ما. حيث أدى التحول الجذري الأخير في أساليب الزراعة في سريلانكا والأزمة الاقتصادية التي تلت ذلك، مثلا، إلى تسليط الضوء على مخاطر التغيرات المفاجئة.
تدفع المفوضية الأوروبية قدما بتنظيم أكبر للقطاع الزراعي من أجل تقليل تأثيره البيئي كما تريد تعزيز استخدام المنتجات الميكروبية في قانون "صحة التربة" الذي سيتم اقتراحه في حزيران (يونيو).
تقول كلارا أجيليرا، المشرعة الاشتراكية في لجنة الزراعة للبرلمان الأوروبي، إن القانون "سيسمح للاتحاد الأوروبي بتحكم أفضل في تكاليف الأسمدة - لمصلحة المزارعين".
لكن التوترات مع المزارعين آخذة في الازدياد، بسبب التنظيم الصارم للقطاع من قبل الكتلة، كما رفضت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي محاولة سابقة لتنظيم معالجة التربة في 2007، ويرجع ذلك جزئيا إلى تكلفة تنفيذها.
تقول سيليا نيسينس، كبيرة مسؤولي السياسات للزراعة وأنظمة الغذاء في مكتب البيئة الأوروبي، إن مصدر القلق الرئيس بين بعض صانعي السياسة هو ما إذا كانت مثل هذه البرامج سيتم دعمها "بشكل كاف بحيث يتبناها المزارعون. في الأغلب ما نرى أن الإجراءات غير الطموحة تدفع أكثر من تلك الطموحة".
فيما يقول اتحاد كوبا كوجيكا، الذي يمثل مزارعي الاتحاد الأوروبي، إنه يدعم تماما حماية الطبيعة وإدارتها. أضاف قائلا، "مع ذلك، فإن المقترحات الحالية الواردة من المفوضية لا توفر دعما ماليا متناسقا وملموسا لدعم الانتقال والحفاظ على هذا الانتقال".
بينما تخشى نيسينس من أن بعض المزارعين قد ينظرون بطريقة خاطئة إلى الميكروبات على أنها حل قصير المدى. "إذا قمت بتطبيقها مع الحفاظ ببساطة على العمل كالمعتاد للباقي والاستمرار في الحراثة بكثافة والاستمرار في الإدارة المكثفة للأراضي، فلن تحل المشكلة حقا".
قد يستغرق تحويل جودة التربة أعواما، إذ إنه يعتمد على عوامل تشمل الجودة الحالية والأساليب والمنتجات المستخدمة. مثلا، يؤدي تقليل الحراثة إلى زيادة الأعشاب وزيادة استخدام مبيدات الأعشاب، وهو ما قد يحمل المخاطر البيئية والصحية نفسها مثل مبيدات الآفات، كما يقول مزارعو المحاصيل العضوية والمتشككون في الزراعة المتجددة.
أما بالنسبة إلى المزارعين في الدول النامية فالتحدي أكبر. ففي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مثلا، يؤدي ضعف الوصول إلى الأسواق والقدرة على تحمل التكاليف في كثير من الأحيان إلى الحيلولة دون استخدام مبيدات الأعشاب، بينما تؤدي إزالة الأعشاب الضارة يدويا إلى زيادة الطلب على العمالة البشرية، وفقا لكاترين ديشيمايكر، الأستاذة في جامعة فاجينجن في هولندا.
تقول إن الافتقار إلى قوة التوزيع بين المزارعين أصحاب المزارع الصغيرة يحد من فرص المحاصيل المزروعة بالتناوب أو المحاصيل التي تحمي التربة، في حين يصعب تطبيق التغطية التي ينصح بها في الزراعة المتجددة حيث تستخدم بقايا المحاصيل كعلف للحيوانات.
يقر بيودو من مجموعة كورتيفا، بأن واحدة من أكبر العقبات على مدى الـ30 عاما الماضية تمثلت في التأثير المتغير للمنتجات الميكروبية والبيولوجية. حيث قال، "لدفع عملية التبني في النهاية، نحتاج إلى أن نكون قادرين على تقديم شرح للمزارع ومساعدته على اتخاذ القرار الصحيح لاختيار المنتج المناسب في الوقت المناسب".
وهو لا يرى الانتقال إلى الزراعة المتجددة على أنه إما الكل وإما لا شيء، بل شيء يمكن استخدامه بالتبادل.
يضيف بيودو، "ستحتاج إلى جميع أنواع الأدوات الاصطناعية لمعالجة الضغوط العالية والأمراض والحشرات التي تخرج عن السيطرة. ونحن نرى أن هذه الممارسات تعد مكملة لبعضها بعضا. في عام مثالي، قد يتمكن المزارع من تقليص استخدام المنتجات الاصطناعية بشكل كبير. ثم في العام التالي ستمطر كل يومين وستخرج الأمراض عن السيطرة تماما وسيترتب عليهم الاعتماد بشكل أكبر على مبيدات الفطريات".
في أستراليا، ترى نوك أن الاستخدام المتزايد للمنتجات الميكروبية في المزرعة يمثل تقدما نحو فهم أعمق لبيولوجيا التربة والنبات، ما يدعم تحولا أكبر نحو الزراعة المستدامة.
تشبه نوك حركة الميكروبات بالثورة الخضراء التي أعقبت الحرب وبدأت في الستينيات، حيث أدت التطورات التكنولوجية في تطوير البذور والأسمدة الكيماوية إلى تطورات كبيرة في الزراعة. تضيف، "يبدو الأمر كأنه موجة إلى حد ما. أحب أن أسميها الثورة غير المرئية (...) إننا نتجه بالفعل نحو فهم النظام بأكمله".

الأكثر قراءة