المستثمرون في حيرة .. اهتزاز الثقة بمبادئ الرأسمالية

المستثمرون في حيرة .. اهتزاز الثقة بمبادئ الرأسمالية

قبل 12 عاما، ذهبت إلى مكتب بنك كريدي سويس في لندن، من أجل دورة تعليمية حول ما يسمى كوكوز- cocos - أو السندات الطارئة القابلة للتحويل، التي تم طرحها بعد الأزمة المالية عام 2008، في محاولة لتمكين البنوك من استيعاب الخسائر عند حدوث أزمة.
قدم مصرفيو "كريدي سويس" عرضا أنيقا حسب الأصول على برنامج باور بوينت، يشمل الأسهم ومخططات أوضحت أن السندات الطارئة القابلة للتحويل تقع في المرتبة قبل الأخيرة في هيكل رأس المال. بالتالي، إذا تعرض بنك ما للإفلاس فسيمحق سهمه أولا، تليه السندات الطارئة القابلة للتحويل، وذلك من أجل حماية كبار الدائنين. في مقابل هذه المخاطر دفعت تلك السندات عائدا مرتفعا "نوعا ما" للمستثمرين، وهو ما يعكس القوانين الطبيعية للرأسمالية المالية.
لكن الأمر لم يعد كذلك. فبعد أن استقرت الأجواء "أو، بالأحرى، ما زالت غير واضحة" بسبب أحداث بنك كريدي سويس المأساوية، بدأت تتكشف كثير من التفاصيل المذهلة حول استحواذ "يو بي إس" على البنك خلال نهاية الأسبوع. لكن أكثر تلك التفاصيل لفتا للانتباه في تقديري هو قرار البنك الوطني السويسري السماح لأصحاب الأسهم في بنك كريدي سويس بالاحتفاظ بثلاثة مليارات دولار من القيمة، مع التخلص من 17 مليار دولار من سندات "أيه تي1" AT1 أو سندات "المستوى الأول"، التي تعد أحد متحورات سندات الكوكوز.
على غير المعتاد، أثار ذلك انتقادات من المنظمين الأوروبيين. وقد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية من حملة السندات، ومن بينهم صناديق تقاعد وشركات تأمين ومستثمرون أثرياء. باتريك كوفمان، مدير صندوق في "أكويلا أسيت مانيجمنت"، قال لـ"فاينانشيال تايمز"، "من وجهة نظري، هذا مخالف للقانون".
وفي حين إنه من غير الواضح كيف يمكن أن ترد أي محكمة "يبدو أن البنك المركزي السويسري يعتقد أن الخطوة مسموح بها"، فإن القضية الحقيقية تتعلق بمسألة جوهرية أكثر من التفاصيل القانونية: الثقة بالمنطق الرأسمالي. فمن أحد المبادئ الأساسية لنظرية السوق الحرة، كما يعرف أي طالب اقتصاد، هو أنها تستند إلى قوانين واضحة بشأن حيازة الممتلكات. إحدى النتائج الطبيعية لذلك هي أن الشركات أو صناديق الاستثمار تعمل وفق هياكل "انسيابية" يمكن التنبؤ بها، تحدد كيفية دفع أصول الكيان في حال انهياره. من هنا جاءت تلك العروض التقديمية الأنيقة من مصرفيي بنك كريدي سويس.
لكن الإعلان يوم الأحد غير هيكل هذا الانسياب. ومن غير المستغرب أن يكون ذلك قد تسبب في انخفاض سعر سندات "أيه تي 1" الصادرة عن البنوك الأخرى. لكنه قد يسهم أيضا في إثارة شعور خفي بالشك لدى المستثمرين حول الدرجة التي ستستمر بها القوانين المحايدة في دعم أسواق المال على نطاق أوسع.
من الصعب تجنب الشك في أن السلطات السويسرية قررت تقديم مدفوعات "متواضعة" لحملة الأسهم، لكن ليس لمستثمري السندات. وربما لعبت مصالح موظفي بنك كريدي سويس دورها أيضا. بعبارة أخرى، يبدو أن نزعة الحمائية والمصلحة الذاتية وتدخل الدولة قد تجاوزت مبادئ السوق الحرة.
وبينما قد يجادل المتشائمون بأن هذا ما يحدث دائما في أي أزمة مصرفية، فإن ما يجعل قصة بنك كريدي سويس مدمرة بشكل مضاعف هو أنها تأتي وسط حالة من عدم اليقين بشأن الهياكل القانونية المحيطة بالتمويل الأمريكي أيضا.
وبصورة أكثر تحديدا، فإن القضية الرئيسة التي تضر المعنويات ـالمرتبطة بالبنوك الإقليمية في أمريكا وكارثة بنك وادي السيليكونـ هي ألا أحد يعرف حاليا على وجه اليقين المدى الذي تمتد إليه الحماية من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية. قبل الشهر الماضي، أشار تفويض مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية "إف دي آي سي" إلى أنه تم منح الحماية لأول 250 ألف دولار فقط من الودائع عندما لا تعد المؤسسات ذات أهمية نظامية "أي ليست كبيرة بشكل هائل".
لكن بعد فشل كل من بنك وادي السيليكون وبنك سيجنيتشر، تم تمديد الحماية لتشمل جميع المودعين. ويمكن استدعاء هذه الحماية مرة أخرى في حال تعرض بنك آخر للتأرجح. ما أظهرته قصة بنك وادي السيليكون بالتأكيد هو أنه من السخافة بمكان تعريف "النظامي" فقط بحجم أصول المؤسسة، قد يصبح الذعر معديا بشكل منهجي حتى عندما تفشل الكيانات الصغيرة.
مع ذلك، قاومت حكومة بايدن حتى الآن تمديد التأمين من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية على نحو شامل، على الرغم من الضغط السياسي. بالتالي، من غير المعروف كيف يمكن التعامل مع المؤسسات الأخرى في وقت لاحق مستقبلا. هذا يوجد انطباعا بأن السياسات المتقلبة -وليست المبادئ الرأسمالية التي يمكن التنبؤ بها- هي المهيمنة حاليا.
إذن، المحصلة النهائية هي أن المستثمرين في حيرة من أمرهم. فهم لا يعرفون إذا ما كانت قوانين سوق المال ستكون نظام دعم بديل موثوق يمكن التنبؤ به للتمويل في المستقبل، لكنهم أيضا لا يعرفون إذا ما كان لدى الحكومات الأمريكية والأوروبية الرغبة "أو الوسائل" لدعم البنوك كلها، وبالتالي ستتصرف كنظام دعم بديل. لا عجب أن الخوف يزداد، فالخطر الأخلاقي منتشر، لكن بطريقة لا يمكن التنبؤ بها.
دعونا نأمل أن تتمكن الحكومات من تصحيح ذلك. إذا لم تفعل فقد يؤدي الحل المشوش الخاص بـ"كريدي سويس" إلى تراكم مزيد من المشكلات على المدى الطويل، حتى لو أوجد إحساسا بالطمأنينة على المدى القصير. عندما يتم تحطيم "الائتمان" - أو "الثقة" بالمعنى اللاتيني للكلمة، يكون من الصعب استعادتها، وليس فقط مع بنك كريدي سويس.

الأكثر قراءة