استقبال رمضان
اختلف الناس في كيفية استقبال رمضان، وتراوحت طقوسهم بين الهدي النبوي والبدعة والموروث، وكل فئة تدافع عن توجهها وعندها أن الغاية تبرر الوسيلة، والواقع أننا دين وسطي نأخذ من الموروث ما يتوافق مع تعاليم ديننا ونترك البدع خصوصا في الدين.
رمضان له خصوصيته وروحانيته التي تبقى حتى بعد رحيله. فمن تزيين البيوت والمحال التجارية والمطاعم والشوارع إلى خيم رمضان التي كانت لولائم الفطور والسحور وانقلبت إلى جلسات طرب في بعض الدول.
وهناك من يستقبل رمضان بالأهازيج والابتهالات الدينية وغيرها، وأكثر الطقوس شهرة موائد رمضان التي تنصب بالقرب من المساجد ويجتهد الأهالي والجمعيات الخيرية والأوقاف في إقامتها، حيث تستقبل أهالي الحي وعابري السبيل والمنقطعين والعمال وحول هذه الموائد يدور جدل كبير بين مؤيد يرى تطويرها واستغلالها في الدعوة وتأليف القلوب، ومعارض يرى فيها إسرافا وأنها لا تذهب إلى مستحقيها!
فمتى بدأت ومن سنها؟
لقد استمدت فكرة موائد الرحمن أو تفطير الصائمين من عهد النبوة، فقد سن النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة سنة تنظيم الدعوات إلى الفطور والسحور، فقد روى البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال، "تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-، "من فطر صائما فله مثل أجره".
واتبع الصحابة والسلف هذا النهج واستمروا في إقامة دعوات الإفطار والسحور لبعضهم.
فعندما تولى عثمان بن عفان الخلافة بادر "فوضع طعام رمضان، فقال، إنه للمتعبد الذي يتخلف في المسجد، وابن السبيل، والمعترين من الناس في رمضان".
ويروى أن عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب أول من فطر جيرانه في رمضان، وأول من وضع الموائد على الطريق ودعا إلى طعامه في الإسلام. ولم يمض عصر الخلفاء الراشدين حتى بدأت الدولة تأخذ على عاتقها إعانة الناس على أداء صومهم، كما خصصت دور أعيان المجتمع وقصور الأمراء والوزراء حيزا من أنشطتها الخيرية للإنفاق على إفطار الصائمين خلال رمضان.
وقد سار الأمويون على درب الخلفاء الراشدين في إطعام الصائمين، فهذا المؤرخ الأزرقي يفيدنا بأن مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان اشترى دارا في مكة المكرمة وسماها "دار المراجل" أي قدور الطعام، يطبخ فيها طعام الحاج وطعام رمضان الذي يفرق على المحتاجين.
وفي الدولة العباسية، تطور الاحتفاء الرسمي بظاهرة الإطعام في رمضان إلى مستوى الاحتفال المؤسسي، فأقيمت لها أماكن منفصلة خاصة بها سميت "دور الضيافة"، فكانت تستضيف الصائمين ليطعموا فيها محفوفين بأجواء الاحترام والإكرام. وهكذا استمرت الموائد جيلا بعد جيل بين طالب للآجر وطالب للشهرة حتى وصلت إلينا.