ضغوط هبوطية للنفط على وقع أزمة المصارف الأمريكية .. تقلبات متلاحقة للأسعار

ضغوط هبوطية للنفط على وقع أزمة المصارف الأمريكية .. تقلبات متلاحقة للأسعار
انخفاض أسعار الطاقة خلال الفترة الماضية أنقذ الاقتصاد العالمي من أزمة كبيرة.

تعاني أسعار النفط الخام ضغوطا هبوطية حادة منذ الإعلان عن انهيار بنك "سيليكون فالي" الأمريكي ولكن هذه الضغوط تلقى بعض المقاومة من انتعاش الطلب الصيني ما يدعم استمرار حالة تقلبات الأسعار المتلاحقة.
وتعود التقلبات في جانب منها إلى هروب التجار من المخاطر ومحاولة الإدارة الأمريكية السيطرة على تداعيات انهيار أكبر بنك أمريكي منذ عام 2008 على الاقتصاد العالمي.
وقال لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون إن الانهيار المفاجئ لبنك وادي السيليكون أثار المخاوف من انتشار العدوى ونال كثيرا من مكاسب النفط، حيث انطلقت مخاوف من أزمة مالية وشيكة وتحديدا بعدما صادرت الإدارة الأمريكية أصول بنك سيليكون فالي.
وأشار المحللون إلى أن التجار يراقبون من كثب الخطوة التالية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي من أجل رفع سعر الفائدة بعد أن قام الاحتياطي الفيدرالي بتأجيل القرار إلى الأسبوع المقبل بسبب الاضطرابات المالية الحادة الراهنة.
وقال سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، إن انهيار البنك السادس عشر في سجل أكبر البنوك في أمريكا أدى إلى موجة كبيرة من النفور من المخاطرة في أسواق الطاقة وهو ما ضغط بشدة على أسعار النفط الخام بينما قدمت بيانات التضخم الأمريكي بعض الدعم للأسعار في هذه الأجواء السلبية في الأسواق.
ولفت إلى أن الأزمة الراهنة مؤقتة وما زال الكثيرون يثقون بسرعة تعافي السوق والتفاؤل بالطلب خاصة على المدى الطويل حيث من المتوقع أن يصل الاستهلاك إلى مستوى قياسي يبلغ 102 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام الجاري بينما في المقابل وفيما يخص العرض تستمر مجموعة "أوبك +" في تقييد الإنتاج كما يبقى نمو النفط الصخري الأمريكي محدودا وضعيفا. من جانبه، ذكر روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن الشتاء الأكثر اعتدالا من المتوقع والطلب الأضعف من التقديرات السابقة جعل أسعار الطاقة خاصة النفط الخام تنخفض نسبيا في الشهور الماضية، مبينا أن أسعار الطاقة المنخفضة أنقذت الاقتصاد العالمي من أزمة كبيرة كما أن التأثير الحقيقي لارتفاع أسعار الفائدة لم يظهر بعد حيث تترقب السوق رفعا جديدا لأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل بينما تتطلع في الوقت نفسه لاحتواء سريع لتداعيات انهيار البنك الأمريكي.
وأوضح أن انخفاض أسعار النفط الخام هذا العام أسهم في الحد من التباطؤ الاقتصادي العالمي خاصة في أوروبا حيث خمدت المخاوف من الركود والتضخم المتسارع كما انخفض عبء أسعار الطاقة على الإنتاج الصناعي وعلى ثقة المستهلك، مبينا أنه مع اقتراب موسم القيادة الجديد في الولايات المتحدة قد يكون الإنفاق على البنزين أقل بكثير ما يترك وفورات للإنفاق على السلع والخدمات الأخرى.
من ناحيته، قال ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن التعافي الكامل للطلب الصيني ما زال محل شكوك، لافتا إلى أن طلب الصين على النفط في طريقه إلى التحسن ولكن التحول في محركات النمو بعيدا عن قطاعي التصنيع والبنية التحتية قد يحد من نمو الطلب على النفط الخام، مبينا أنه بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإنه من المرجح ارتفاع استهلاك الصين من الوقود السائل بمقدار 700 ألف برميل يوميا في العام الجاري مقارنة بالعام الماضي.
وأوضح أن سياسة "صفر كوفيد" الصينية نالت كثيرا من نمو البلاد الاقتصادي ولكن مع التخلي عن هذه السياسة رسميا في 8 كانون الثاني (يناير) الماضي يتم حاليا بذل كثير من الجهد من أجل العودة إلى مستويات النمو الاقتصادي المعتادة في الصين وقد يعطي هذا الدعم لأسعار النفط ومع ذلك فإن عودة النمو الاقتصادي الصيني المرتفع لا تعني طفرة أخرى في أسعار النفط، مضيفا أن الصورة الاقتصادية الأكثر إشراقا في الصين وفي أماكن أخرى في العام المقبل ستعزى أيضا إلى استمرار نمو الطلب على النفط. بدورها، ذكرت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، أن النمو الاقتصادي في عديد من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بما في ذلك الهند أدى إلى دعم اتجاه ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى حد ما ولفترة من الوقت. وأوضحت أن انتشار مخاوف العدوى من انهيار البنوك كان له تأثيرات سلبية واسعة على أسعار النفط الخام، مشيرة إلى إطلاق واشنطن إجراءات طارئة لتجنب انتشار العدوى ومنع تحولها إلى أزمة مالية أوسع نطاقا حيث تعهدت الإدارة الأمريكية بأن تتحمل البنوك الخسائر وليس دافعي الضرائب لافتة إلى أنه بعد انهيار البنك الأمريكي توقع بنك جولدمان ساكس أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بإيقاف رفع أسعار الفائدة مؤقتا خلال اجتماعه الأسبوع المقبل.
وفيما يخص الأسعار، انخفضت أسعار النفط أكثر من دولار أمس مواصلة خسائرها للجلسة الثانية إذ أدى انهيار بنك سيليكون فالي إلى هزة في أسواق الأسهم وأثار مخاوف من وقوع أزمة مالية جديدة. وبحسب "رويترز"، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 87 سنتا، أو 1.1 في المائة، إلى 79.90 دولار للبرميل خلال التعاملات أمس. وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 85 سنتا، أو 1.1 في المائة، إلى 73.93 دولار للبرميل. وهبط برنت يوم الإثنين إلى أدنى مستوياته منذ مطلع كانون الثاني (يناير) بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط إلى أدنى مستوياته منذ كانون الأول (ديسمبر).
وأثار الإغلاق المفاجئ لمجموعة إس.في.بي المالية مخاوف بشأن المخاطر التي تواجهها بنوك أخرى بسبب موجات الزيادة الحادة في أسعار الفائدة التي أقرها مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) على مدار العام الماضي. كما أثار تكهنات بشأن ما إذا كان البنك المركزي سيبطئ وتيرة التشديد النقدي.
وأطلقت السلطات الأمريكية تدابير طارئة يوم الأحد لتعزيز الثقة في النظام المصرفي بعدما أدت مخاوف انتقال عدوى انهيار بنك سيليكون فالي إلى موجة بيع في الأصول الأمريكية نهاية الأسبوع الماضي وأغلقت الجهات التنظيمية بنك سيجنتشر ومقره نيويورك يوم الأحد.
وقال ليون لي المحلل لدى (سي.إم.سي ماركتس) إنه إلى جانب تداعيات أزمة بنك سيليكون فالي فإن أسعار النفط تتعرض لضغوط أيضا بسبب بوادر على تعافي الاقتصاد الصيني بوتيرة أضعف من المتوقع بالرغم من رفع قيودها الصارمة المرتبطة بالجائحة.
وأضاف "كانت السوق تتوقع تعافيا قويا للاقتصاد الصيني لكن أحدث أرقام التضخم في شباط (فبراير) بلغ 1 في المائة فحسب على أساس سنوي وهو ما يعكس الحالة الانكماشية الحالية للاقتصاد الصيني وضعف الطلب".
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 81.88 دولار للبرميل يوم الإثنين مقابل 80.72 دولار للبرميل في اليوم السابق. وذكر التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب عدة تراجعات له على التوالي وأن السلة خسرت نحو ثلاثة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 84.59 دولار للبرميل.

الأكثر قراءة