العمل الهجين .. الرؤساء التنفيذيون يفقدون صبرهم
عندما نشرت إستر كروفورد صورة لها وهي ممددة في كيس نوم وعلى عينيها غطاء في مقر شركة تويتر في سان فرانسيسكو، تحت الهاشتاج #SleepWhereYouWork "نم في مكان العمل"، بدت الصورة كأنها تلخص مدى تغير ظروف العمل وسلوكياته، منذ أن اضطرت الشركات إلى جعل موظفي المكاتب يعملون من منازلهم بسبب كوفيد - 19.
قبل ثلاثة أعوام لم يقبل أصحاب العمل الحاجة إلى العمل عن بعد فحسب، بل طرحوا سياسات لدعم رفاهية العاملين في المنزل، من توفير معدات تكنولوجيا المعلومات إلى تطبيقات التأمل ودروس اليوجا عبر الإنترنت، ومساعدة الموظفين الذين يعانون الإجهاد أو المشكلات النفسية أو من تأثروا بالفقد.
لكن إيلون ماسك الذي منح كروفورد ترقية بعد فترة وجيزة من انتشار صورتها على نطاق واسع في تشرين الثاني (نوفمبر)، قبل أن يسرحها من العمل في آخر جولة من جولات خفض أعداد الموظفين الشهر الماضي، هو مجرد واحد من سلسلة من أرباب العمل البارزين الذين يتخذون الآن موقفا أكثر صرامة مع العاملين أصحاب الياقات البيضاء. ساحة المعركة الرئيسة هي العمل الهجين المتنازع عليه.
كان أحد الإجراءات الأولى لمالك "تويتر" الجديد هو استدعاء الموظفين للعمل في المكاتب، ومطالبتهم بقبول بـ"ساعات طويلة بكثافة عالية" أو الاستقالة. مع انتشار عمليات تقليص الوظائف وانتقالها من قطاع التكنولوجيا إلى الاستشارات، والتمويل، وقطاعات أخرى، يبدو أن أرباب العمل الذين شعروا سابقا بأنهم ملزمون بتقديم المرونة، غير راغبين بشكل متزايد في السماح للموظفين باختيار أماكن وأوقات عملهم.
بوب إيجر، الرئيس التنفيذي لشركة ديزني، قال للموظفين في كانون الثاني (يناير)، "إنه من المتوقع أن يكونوا موجودين شخصيا في الشركة أربعة أيام في الأسبوع بدءا من آذار (مارس)"، مؤكدا أن ذلك سيفيد "إبداع الشركة وثقافتها وحياة موظفينا المهنية". وبعد "تكليفات مكتبية" مشابهة من أمثال" أبل" و"جوجل" و"ستاربكس" و"جولدمان ساكس"، في شباط (فبراير)، أصبحت "أمازون" هي الأحدث في طلب عودة فرق العمل التي تركتها تضع ترتيباتها الخاصة، موضحة "أولويتنا القصوى هي الإنجاز للعملاء والشركة".
إن هذا يحدث رغم عدم وجود دليل واضح على إذا ما كانت ممارسات العمل الهجين تؤثر في الإنتاجية بطريقة أو بأخرى. يقول روب برينر، أستاذ في علم النفس التنظيمي في جامعة كوين ماري أوف لندن "يبدو أن جزءا كبيرا من هذا يتعلق بالسلطة". كما يشير إلى أن المديرين الذين يصرون على أن التعاون لا يمكن أن يتم إلا بشكل شخصي، يريدون حقا إثبات "من هو المسؤول".
لكن على الرغم من التغيير في الأسلوب، يقول باحثون يتتبعون ممارسات الإدارة "إنهم يشاهدون، خارج قطاع التكنولوجيا -الذي جرب موظفوه العمل عن بعد بالكامل إلى أقصى حد- عودة تدريجية إلى المكتب، وليس تضييقا مفاجئا على العمل المرن".
يقول نيك بلوم، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الذي كان يبحث في العمل من المنزل قبل انتشار الجائحة بفترة طويلة "لقد كان هناك تحول صغير(...) العمل بشكل كامل عن بعد انتهى". لكنه يشير إلى أنه حتى الشركات الأكثر إصرارا على العمل بحضور شخصي تغلق أيضا بعض المكاتب لخفض التكاليف وتعهد المهام الروتينية للموظفين الذين لا يوجدون أبدا في مقارها. نحو 15 في المائة من القوة العاملة الأمريكية تعمل بالكامل من المنزل لكنها "غير مرئية" بسبب ذلك، كما يقول بلوم.
في الوقت نفسه، تفرض الشركات سياسات على العمل الهجين بشكل أكثر صرامة، لكن بالنسبة إلى القوى العاملة الجامعية، لا يؤدي ذلك إلى عدم توافق بين تفضيلات أصحاب العمل والموظفين، كما يقول. في الولايات المتحدة، استقرت نسبة أيام العمل من المنزل عند 30 في المائة تقريبا. وهناك نمط عالمي يعمل فيه الجامعيون من المنزل يوما أو اثنين في الأسبوع، و"يوم الجمعة مقدس".
هناك سبب بسيط يجعل ساعات العمل متسقة للغاية: الموظفون يحبونها، خاصة من هم في الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم الذين يوفقون بين واجبات العمل والأسرة.
رغم ذلك، لا يزال الرؤساء متشككين، كما تقول كيتي جاكوبس، إحدى كبار أصحاب المصلحة في معهد تشارترد للأفراد والتنمية في المملكة المتحدة، مع أن مديري الموارد البشرية يفضلون العمل الهجين غالبا. تقول "إن المديرين قلقون من أن أداء العمل من المنزل سيضر بثقافة الشركة والتعاون ويجعل من الصعب دمج الموظفين الجدد".
لكن في سوق العمل الضيقة، عندما لا ترغب الشركات في المخاطرة بفقدان الموظفين لمصلحة المنافسين، لكنها تواجه أيضا ضغوط التكاليف، فقد يكون من الأسهل تقديم المرونة بدلا من زيادة الأجور الكبيرة.
يقول بلوم "حتى في فترات الركود، فإنك تهتم بالتوظيف والاحتفاظ بالموظفين"، ويتوقع أن الموظفين يقدرون تقسيم وقتهم بين المنزل والمكتب بما يعادل تقريبا زيادة في الراتب بنسبة 8 في المائة.
أشارت لورين توماس، خبيرة اقتصادية في موقع جلاس دور للتوظيف، أيضا إلى أنه "في اقتصاد المعرفة، الموظفون هم أكبر أصولك"، لذلك من "التبسيط المفرط" النظر إلى المناقشات حول العمل الهجين على أنها "شد وجذب بين الموظفين الذين يريدون المرونة والرفاهية وأصحاب العمل الذين لا يريدون ذلك ".
حتى الآن، تسبب جو اقتصادي صعب في إلحاق ضرر ضئيل نسبيا بأسواق الوظائف المزدهرة حيث يمكن للعمال التعبير عن آرائهم باتخاذ موقف. لكن يشعر بعض بالقلق من أن الحريات الجديدة للموظفين قد تتلاشى إذا انتشرت التسريحات من العمل وقوض الركود قدرتهم على المساومة.
"الكلمة الأولى للموظفين: كان أصحاب العمل يستجيبون لطلب الموظفين"، كما تقول جيما ديل، مستشارة ومحاضرة في كلية ليفربول للأعمال، تعتقد أن كثيرا من الشركات البريطانية تسامحت مع العمل الهجين، لكن لم تقم بإجراء التغييرات اللازمة لزيادة الإنتاجية.
كما تضيف ديل أنه "في الحالات التي جربت فيها الشركات نماذج جديدة دون جعلها تعاقدية، فإن هذا يترك الموظفين معرضين للخطر للغاية. لقد كنت قلقة لبعض الوقت من أننا سنرى رد فعل عنيفا إذا بدأت السلطة في التحول".