فيروس البنوك والأزمة المالية
يعم القلق الأجواء العامة للنظام المصرفي في أعقاب إقدام السلطات المالية الأمريكية على إغلاق بنك "سيلكون فالي" الأمريكي، الذي فقد أكثر من 60 في المائة من قيمته، وسط ضغوط متعاظمة يتعرض لها من عدة جوانب، وربما مخاوف وسلبيات مقبلة يتم اكتشافها بعد حين.
ورغم أن هذا البنك ليس كبيرا بما تهدد مشكلاته بإطلاق أزمة واسعة النطاق، إلا أن انهياره هو الأكبر منذ الأزمة المالية، التي ضربت العالم في 2008، وبدأت عمليا بانهيار بنك "ليمان براذرز" هائل الحجم المتخصص أساسا في توفير القروض العقارية.
علما بأن هذا البنك الأخير انتهى بالفعل من جراء قروض ضخمة العدد والحجم منحت بضمانات بسيطة، وبعضها قدم بالفعل دون أي ضمانات.
ويتخوف البعض من عودة هذا الفيروس الذي يصيب البنوك ويؤدي إلى الانهيار والاختفاء من الساحة.
الصورة مختلفة الآن مع "سيلكون فالي". فهذا البنك الأمريكي، بلغ هذا الوضع الخطير، في أعقاب تراجع مستوى السيولة فيه، عبر سحب متوال وسريع للودائع من قبل المودعين في الآونة الأخيرة.
وبلغت أوضاع هذا البنك حدا ليس مقبولا ضمن نطاق النظام المالي، بعد أن تعرض في الأشهر الماضية إلى تقلبات متصاعدة في العوائد.
والحق أن الشركة الأم للبنك حاولت خلال الفترة الأخيرة التحرك لزيادة رأسمالها بمقدار 2.25 مليار دولار، من أجل سد ما أمكن من الثغرات في السيولة، إلا أن السلطات التنظيمية في الولايات المتحدة وجدت أنه لا بد من التحرك من جانبها، من أجل ضمان حقوق المودعين والمستثمرين فيه.
فالمشكلات التي تعرض لها ليست جديدة، لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة، متأثرا بصورة كبيرة من مستويات الفائدة المرتفعة، التي أضافت مزيدا من الضغوط إلى علميات البنك والشركة الأم المالكة له. حتى الآن لم يعلن إفلاس بنك "سيلكون فالي"، لكن هذا الاحتمال وارد على الأقل في الفترة القصيرة المقبلة.
ويركز بنك "سيلكون فالي" بصورة أساسية على مجال التكنولوجيا، لكنه لم يصمد كثيرا أمام الضغوط التي لا تتوقف من جهة الفائدة المرتفعة، التي ستواصل الارتفاع في الولايات المتحدة هذا العام، وفق ما أعلنه المشرعون الأمريكيون في أكثر من مناسبة. لكن في النهاية، انكشاف البنك ليس كبيرا فيما لو قورن بانكشافات كثير من البنوك خلال أزمة 2008.
والمحور الأهم للمشكلة التي يمر بها، يبقى مرتبطا بالمعدلات قصيرة الأجل للفائدة، التي صارت الآن أعلى من المعدلات طويلة الأجل، بفعل السياسات المالية المتعمدة في الوقت الراهن على الساحة الأمريكية.
القلق موجود ضمن النظام المصرفي العالمي جراء تعثر "سيلكون فالي"، وربما يرتقي إلى الحالة المخيفة، لكن المشكلة تتعمق أكثر بالنظر إلى المشكلات التي يتعرض لها بنك "سيلفرجيت" الأمريكي في الوقت الراهن أيضا.
التحديات التي يواجهها "سيلفرجيت" تكمن في أنه منكشف على سوق العملات الرقمية التي تواجه مصاعب جمة منذ عدة أشهر، ولهذا السبب، فإن الشركة الأم للبنك ستعمل على تصفيته في الفترة المقبلة.
الاضطراب في النظام المصرفي على الساحة الأمريكية جراء تعثر مصرفين، وإن كانا أقل حجما من مئات المصارف الأخرى التقليدية والاستثمارية، جاء في وقت حرج للغاية، لأن السياسات المالية الراهنة الناجمة عن الموقف في وجه الموجة التضخمية عبر رفع متتال للفائدة، أربكت بالفعل المشهد العام، في حين لا توجد بدائل أخرى أمام المشرعين الأمريكيين سوى اللجوء إلى الفائدة في هذه المواجهة، التي ربما ستطول حتى منتصف العقد الحالي.
ولأن الوضع حساس، فإن أي اهتزاز لأي مصرف، بصرف النظر عن حجمه، يحول القلق إلى ذعر، وهذا ما حصل مع المصرفين الأمريكيين خلال الأيام الماضية، بعد تراجع قيمتهما بصورة مخيفة للغاية.