«الذكاء الخيالي» يعمينا عن أخطار العالم الحقيقي
غالبا ما تنسب القوى التنبؤية إلى كتاب الخيال العلمي. قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل في بعض الموضوعات تستحق الجدارة، مثلا، الغواصات والإنترنت والهواتف المحمولة والسيارات ذاتية القيادة. أما في مواضيع أخرى، فغالبا ما يكونون مخطئين "أو ربما تكون تنبؤاتهم مبكرة جدا". ليس لدينا تنقل فوري أو سيارات طائرة منتشرة في كل مكان، علاوة على انخراطنا في معارك وجودية مع روبوتات هاربة أو كائنات فضائية من خارج الأرض. قد يسمي البعض هذا استقراء سابقا لأوانه.
لكن في مواجهة مستقبل التكنولوجيا الذي يتقدم بسرعة، يلجأ صانعو السياسات والاستراتيجيون بشكل متزايد إلى كتاب الخيال العلمي لمساعدتهم على تخيل ما يتسارع نحونا. أحدث مثال على ذلك هو وزارة الدفاع البريطانية، التي كلفت كلا من بي دبليو سينجر وأوجاست كول بكتابة ثماني قصص قصيرة حول الحرب المستقبلية. كما أجرت الجيوش الأمريكية والكندية والأسترالية والفرنسية تدريبات أدبية مشابهة، الأمر الذي أوجد طلبا على "الذكاء الخيالي".
في مقدمة مجموعة قصص وزارة الدفاع، التي نشرت في الأسبوعين الماضيين، دافعت أنجيلا ماكلين، كبيرة المستشارين العلميين للوزارة، عن قيمة كتاب الخيال العلمي. "يحتاج الدفاع إلى تسخير إبداع ورؤية هذا القطاع لتحفيز مزيد من البصيرة والابتكار"، كما كتبت. تعد قراءة هذه القصص بالتأكيد أكثر متعة من المراجعة الرسمية المتكاملة للمملكة المتحدة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية، المكتوبة بلغة رسمية جدا وغير المثيرة.
تغطي" قصص من الغد" مساحة الخيال العلمي المألوفة. كثير منها يحكي عن التطورات في حوسبة "الحافة"، التي تمكن القوافل ذاتية التحكم المزودة بأجهزة الاستشعار من مسح الأراضي المعادية واستكشافها وإعادة إمداد القواعد الأمامية. كما يقرأ الجنود ذوو الأداء العالي المعززون بالتكنولوجيا التعليمات من خلال عدساتهم اللاصقة، ويستجيبون للإشارات اللمسية في بدلاتهم الجسدية، وينشطون مصدات الألم عند وقوعهم في مشكلة. بينما تحلق طائرات كاميكازي "انتحارية" إرهابية بدون طيار في سماء لندن، ما يسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.
لكن في رأيي أن القصص الأكثر إثارة للاهتمام تركز على الحوسبة الكمومية والاضطرابات الجيوسياسية الناجمة عن تغير المناخ. لكن هناك سردا مخيفا لما قد يحصل في حال تعرضت وحدة عسكرية بريطانية لهجوم من عدو متفوق تكنولوجيا، عند استخدام قوة الحوسبة الكمومية. هذا تقدم سيعمل على تعطيل جميع الاتصالات الإلكترونية للقوات البريطانية ويمنح العدو "ميزة لم ير مثيل لها في التاريخ". من المؤكد أن هذه العواقب تستحق التفكير فيها.
بينما يتطرق آخرون في مجموعة القصص إلى قضية التدافع من أجل السيطرة على موارد الطاقة. تتدخل قوة من المرتزقة، بتمويل من شركة نفطية، في حرب أهلية نيجيرية للحفاظ على إنتاج الوقود التقليدي. كما يدعم الصينيون انقلابا في إندونيسيا لتأمين إمدادات المعادن الأرضية النادرة. من المحتمل أن تكون هذه هي "الحروب الخضراء" في المستقبل.
من المؤكد أن هذه القصص إبداعية ومثيرة، لكنها منفتحة على تحديين. الأول، الذي وضحته الراحلة أورسولا لو جين بأفضل أسلوب، هو أن الخيال العلمي يعد وصفيا أكثر من كونه تنبؤيا. كتاب الخيال العلمي يؤلفون "أكاذيب" أدبية تعكس ببساطة الأحلام والمخاوف والتجارب في زمنهم. "كل ما يمكنهم إخبارك به هو ما رأوه وسمعوه في زمنهم في هذا العالم، حيث يقضون ثلثه في النوم والحلم، والثلث الآخر في الكذب"، كما كتبت في مقدمة كتابها "اليد اليسرى للظلام".
التحدي الثاني هو أنه من خلال التركيز على سيناريوهات المستقبل البعيد، فإننا نلهي أنفسنا عن التهديدات الأكثر إلحاحا في وقتنا الحاضر التي غالبا ما يتم تجاهلها. من المؤكد أن من هذه المخاطر خطر اندلاع مواجهة نووية بين روسيا والولايات المتحدة نتيجة لاستعادة القوات الأوكرانية شبه جزيرة القرم. الخطر الآخر هو الدمار الذي نشهده في يومنا، الناجم عن تغير المناخ في المناطق المعرضة للخطر من العالم.
في مقابلة أجريت هاتفيا، رفض سينجر جزئيا، وهو أحد المؤلفين، التهمة الأولى لكنه اعترف عموما بالتهمة الثانية. أخبرني أن كلا الكاتبين أمضى كثيرا من الوقت في الغوص في التاريخ العسكري البريطاني والتحدث مع الضباط في الخدمة. إن "خيالهم المفيد" كما يروجون له، هو في الحقيقة نوع فرعي من الخيال العلمي، حيث يتم إخفاء التحليل المستند إلى المعلومات في شكل سرد مصمم لتوجيه ضربة عاطفية. وقال "القصص هي أقدم التكنولوجيات على الإطلاق".
لكن سينجر يتفق على أن كثيرا من الإخفاقات العسكرية، مثل الهجوم الياباني على بيرل هاربر في 1941 والهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 2001، كانت متوقعة لكن تم تجاهلها إلى حد كبير بسبب قلة الاهتمام. بعيدا عن كونها أحداثا نادرة "ذات آثار كبيرة" لا يمكن تصورها، فإنها كانت أحداثا كبيرة وواضحة وقبيحة تم تجاهلها. لا يجب أن نتخيل المستقبل دائما بالكتابة الخيالية الإبداعية. في بعض الأحيان تكون التهديدات ماثلة أمامنا.