جيني روميتي .. القيادة والإرث ومهمة جديدة
كيف تضع تعريفا لإرثك عندما تكون قيمة الأرقام ضدك؟ جيني روميتي، الرئيسة التنفيذية ورئيسة مجلس إدارة شركة آي بي إم السابقة، تواجه هذه المعضلة كل يوم.
تقول روميتي وبعض من عمل معها عن قرب "إنها لعبت دورا محوريا في تحويل الشركة الأمريكية التي تأسست قبل قرن، حيث أعادت ابتكار نصف محفظة شركاتها، وبنت قسم الحوسبة السحابية، ورسخت لريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية".
لكن المنتقدين يعترضون على ذلك، بأنها كانت بطيئة جدا في اتخاذ إجراءات حاسمة لنقل شركة التكنولوجيا من العالم القديم إلى الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وتحليلات البيانات. كان عملاء "آي بي إم" من الشركات ينتقلون من المنتجات الداخلية التي تديرها الشركة إلى الخدمات الخارجية في الحوسبة السحابية، حيث كان منافسوها "أمازون ويب سيرفيسز" و"مايكروسوفت" و"ألفابيت" الشركة الأم لـ"جوجل" في المقدمة.
إضافة إلى ذلك، عانت شركة آي بي إم من أجل تحويل الإنجازات في نظام واتسون -وهو نظام الشركة الذي يعتمد عليه برنامج مسابقات جيبرودي- إلى مشاريع مربحة.
في مرحلة ما، أصيبت الشركة بانخفاض طويل في إيراداتها امتد إلى 22 ربعا متتاليا. انخفض سعر أسهم "آي بي إم"، غير المعدلة لتوزيعات الأرباح 25 في المائة على مدى ثمانية أعوام، بينما كانت روميتي ترأس الشركة، في حين ارتفعت سوق الأسهم الأمريكية الأوسع بأكثر من 150 في المائة.
كما قالت في مقابلة عبر الفيديو "هل أتمنى لو كانت أعلى من ذلك؟ بالطبع أتمنى ذلك". تقول "إنه عندما تضطر الشركات إلى التكيف مع التحولات في التكنولوجيا، فعادة ما يكون هناك تغيير واحد، بينما كانت لدينا أربعة أو خمسة تغييرات. كان من الممكن أن نختفي عن الوجود لو لم نفعل شيئا. لقد كانت مهمة كبيرة واستغرقت وقتا".
ما مدى ارتباط قصة روميتي بقصة شركة آي بي إم؟ بالنسبة إلى شخص أمضى 40 عاما من حياته في "آي بي إم"، يرتبط كلاهما بالآخر ارتباطا جوهريا. لكنها في كتابها الجديد بعنوان "القوة الجيدة"، تحاول عدم تحليل كل قرار متعلق بالعمل. لكن بدلا من ذلك، قدمت جزءا من الكتاب كمذكرات، وجزءا آخر كدروس في القيادة، وآخر حول الأفكار الكبيرة للشركة، من واحدة من أبرز المديرات التنفيذيات في العالم.
لفترة طويلة، لم تكشف روميتي سوى القليل عن حياتها الشخصية ونأت بنفسها عن الذين كانوا يلفتون الانتباه نحو التحديات عندما تكون المرأة قائدة في بيئة عمل صعبة. يلقي الكتاب الآن بعض الضوء على الخلفية التي أتت منها، وحياتها العملية، وكيفية الاستفادة من "قوتها" من أجل الخير، والحاجة إلى احتضان الشركات قوة عاملة قائمة على المهارات.
كانت روميتي الابنة الكبرى بين أربعة أطفال ونشأت في طبقة متوسطة في شيكاغو. لكن حياتها الأسرية "انهارت" عندما رحل والدها، ما أجبر والدتها على العمل في وظائف متعددة، بينما كانت تذهب أيضا إلى المدرسة الليلية. قامت روميتي بالاعتناء بإخوتها. كتبت "حتى قبل أن يرحل والدي، كنت أعتقد أن الاعتماد على الذات، والاكتفاء الذاتي، والاستقلال هي سمات تحتاج إليها النساء، حتى لا نضطر أبدا إلى الاعتماد على شخص آخر".
إن قصتها الشخصية قصة آسرة. وهي مبنية على العمل الشاق والصمود والمثابرة. ربما ساعدها ذلك على الصمود في وجه المنتقدين الذين ركزوا على رواتب المديرين التنفيذيين المرتفعة "حيث كسبت روميتي أكثر من 130 مليون دولار خلال عهدها" بينما كانت شركة آي بي إم تقوم حينها بعمليات تسريح ضخمة للعاملين، والاستعانة بمصادر خارجية، وكانت تعاني انخفاض المبيعات.
بعد تخرجها من جامعة نورث ويسترن وحصولها على شهادة في علوم الحاسوب، انضمت إلى العمل في شركة جنرال موتورز لصناعة السيارات، التي ساعدت على دفع تكاليفها الدراسية وحصلت منها على الولاء. وكانت قد التقت زوجها مارك روميتي في ديترويت حيث ساعدها على "التعامل مع النكسات والتحديات".
في 1981، بدأت روميتي العمل كمهندسة أنظمة في شركة آي بي إم. وشقت طريقها نحو الأعلى، لتتولى رئاسة المبيعات العالمية والتسويق والاستراتيجية، وكانت تعرف بأنها مندوبة مبيعات جيدة وراوية قصص ومحاورة. هذه هي مهارات تسميها "علما" في كتابها، التي كان عليها أن تتعلمها. وشرعت في تصوير نفسها كشخص "مسيطر"، بدءا من طريقة حديثها إلى طريقة ارتدائها الملابس.
في 2012، أصبحت الرئيسة التنفيذية ورئيسة لمجلس إدارة شركة آي بي إم.
قد يقول الأشخاص الأكثر ميولا تجاه روميتي إن سلفها سام بالميسانو كان يتعامل معها بحزم، حيث أجبرت على تنظيم تحول إلى الأفضل كان من الصعب نجاحه، لكن خريطة الطريق المالية التي وضعها تسببت في إعاقتها. ففي 2010، قال بالميسانو "إن شركة آي بي إم ستحقق أرباحا لا تقل عن 20 دولارا للسهم الواحد بعد خمسة أعوام، بينما ستولد الشركة مائة مليار دولار من التدفقات النقدية". لكن روميتي تخلت عن خطته في 2014، واصفة إياها بأنها "مثبطة"، حتى مع بقاء شركة آي بي إم ملتزمة بزيادة ودفع أرباح المساهمين.
كتبت روميتي في الكتاب، معترفة بأزمة الهوية التي تلت ذلك "كان التحدي الذي نواجهه هو إيجاد ذلك التوازن بين أن نكون في خدمة عملائنا الحاليين وبين بقائنا كشركة على قيد الحياة. ما شركة آي بي إم الآن؟ وماذا ينبغي أن نصبح؟".
خلال الأعوام الثمانية التي قضتها روميتي في القمة، قامت "آي بي إم" بتجريد الأصول التي كانت تعود على الشركة بإيرادات سنوية قدرها تسعة مليارات دولار، التي شملت تصنيع أشباه الموصلات وبعض الخدمات ذات الربح المنخفض وأعمال البرمجيات. كتبت تقول "فعلت كل هذا وأنا أعلم أن ذلك يعني عدم النمو للشركة في وقت كان فيه عالم الاستثمار يطالب به". كما استحوذت "آي بي إم" على 68 شركة، بما فيها شركة ريد هات الرائدة في مجال البرمجيات مفتوحة المصدر، حيث أنفقت ما مجموعه 133 مليار دولار على الصفقات والبحث والتطوير والنفقات الرأسمالية. وتقول في الكتاب "إن هذه الاستحواذات كانت خيارات صحيحة على المدى الطويل". إلا أن الإيرادات لم تتعاف أبدا بالطريقة التي كانت تأملها.
بينما كانت روميتي تعتقد أنها بدأت استراتيجية ستثبت أنها مفيدة لمستقبل "آي بي إم"، حتى في ظل أرفيند كريشنا الرئيس الجديد، كان على شركة آي بي إم أن تستعيد مكانتها السابقة. حيث علقت على ذلك في مقابلتها "كانت وظيفتي هي نقل شركة آي بي إم وإعادتها إلى وضع تحقيق النمو (...) كان علي القيام بما كان يجب فعله".
لكن في حين إن فترة وجودها على رأس شركة آي بي إم قد تثير الانتقادات، فإن موقفها الأقل إثارة للجدل هو بناء قوة عاملة تعتمد على المهارات. حيث تقوم بحملات لحث أصحاب العمل على توظيف العاملين وفقا لمعايير أشمل من مجرد حيازتهم الشهادات الجامعية وشهادات التعليم العالي، وهو نهج من شأنه أن يساعد أيضا على تعزيز التنوع بين الموظفين.
تجادل بأن على الرؤساء أن يشجعوا الموظفين على بناء المهارات التي تجعلهم وأصحاب العمل مناسبين للسوق. حيث يجب أن يقول أصحاب العمل "لا يمكنني أن أعدك بالتوظيف، لكن يمكنني أن أعدك بإمكانية التوظيف".
هذه الدعوة للمهارات أصبحت مهمة في حياة روميتي خارج شركة آي بي إم. في نهاية الأمر، استخدمت روميتي الكتاب لتروي قصتها بكلماتها الخاصة: ما الذي كان يحفزها؟ كيف كانت تهدف إلى استخدام "القوة" التي كانت لديها كقوة من أجل الخير، وما خططها لمواصلة القيام بذلك.
وكما تقول لـ"فاينانشيال تايمز"، "إذا لم تقم بتحديد هويتك بنفسك، فسيقوم شخص آخر بذلك".