«ترافيجورا» .. قضية احتيال بقيمة 500 مليون دولار

«ترافيجورا» .. قضية احتيال بقيمة 500 مليون دولار

نوبة قلبية، وملحوظة مكتوبة بخط اليد، وألف حاوية شحن مليئة بمواد غير معروفة، تبدو تفاصيل إحدى أكبر حالات الاحتيال في مجال السلع في لندن كفيلم تشويقي.
اتهمت دار التجارة ترافيجورا، ومقرها سنغافورة، تاجر المعادن، براتيك جوبتا، وشركاته ببيع شحنات نيكل مزيفة بقيمة مئات الملايين من الدولارات، في دعوى قضائية رفيعة المستوى أحدثت صدمة عبر القطاع.
تظهر وثائق المحكمة كيف وصل الوضع إلى ذروته خلال فترة عشرة أيام مليئة بالتوتر في تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث توترت العلاقة بين الجانبين، إضافة إلى كيفية مواجهة شركة ترافيجورا شكاوى العملاء المتزايدة بما في ذلك التهديدات باتخاذ إجراءات قانونية قبل أن تقرر ملاحقة جوبتا في المحاكم.
توفر ملفات القضية -التي حصلت عليها "فاينانشيال تايمز"- معلومات جديدة حول كيف تكشف الاحتيال المزعوم ضد إحدى أكبر دور تداول السلع في العالم أخيرا.
تزعم شركة ترافيجورا أن جوبتا البالغ من العمر 43 عاما كان "العقل المسيطر" وراء مجموعة من الشركات المرتبطة، بما في ذلك شركة تي إم تي ميتالز، وشركة يو آي إل ماليزيا وشركة يو آي إل سنغافورة، وجميعها مدعى عليها في القضية.
بدأت العلاقة التجارية في 2014 تقريبا مع صفقات الزنك المحلية في الهند ونمت إلى تجارة عالمية في النيكل والألمنيوم.
بحلول 2022، كانت معظم الصفقات بين شركة ترافيجورا ومجموعات جوبتا عبارة عن "صفقات إعادة شراء". حيث تشتري شركة ترافيجورا شحنة من المجموعة، وتمتلكها خلال رحلتها -ما يوفر تمويلا تجاريا مهما- ثم تبيعها مرة أخرى لإحدى الشركات المرتبطة بجوبتا، أو لطرف ثالث يتم ترتيبه من قبله أو زملائه، وتتقاضى فائدة عليها.
مع ذلك، في ربيع 2022 مع ارتفاع أسعار النيكل، سيتي بانك -الذي كان يقدم ائتمانا بقيمة 850 مليون دولار لشركة ترافيجورا لتمويل هذه الصفقات- بدأ يشعر بالقلق إزاء حجم صفقات النيكل وطول الفترة التي يستغرقها حدوث عمليات إعادة الشراء.
بحلول الصيف الماضي، أصبح سوكراتيس أوكونومو، رئيس تجار النيكل في شركة ترافيجورا، قلقا أيضا. وكتب في شهادة المحكمة "لفت انتباهي أن كيانات شركة يو آي إل قد توقفت عن الدخول في أي صفقة لإعادة الشراء وتوقفت عن سداد أي مدفوعات لشركة ترافيجورا".
بناء على طلب "سيتي بانك"، اتخذ أوكونومو الترتيبات اللازمة لإجراء تفتيش حسي للبضائع في 9 تشرين الثاني (نوفمبر).
لكن حتى قبل أن يحدث ذلك، أنهى "سيتي بانك" خط ائتمانه، على ما يبدو بسبب قلقه من "علامات الخطر" التي ظهرت في إجراءات العناية الواجبة الخاصة به، وبدأت شركة ترافيجورا في تمويل الشحنات من ميزانيتها العمومية.
مع اقتراب موعد التفتيش في روتردام، قال جوبتا "إنه كان يعاني مشكلات صحية". ثم في 7 نوفمبر، قبل يومين من التفتيش، قال في رسالة عبر تطبيق واتساب إلى نظيره في شركة ترافيجورا "إنه تعرض لأزمة قلبية".
متذرعا بصحته، لجأ إلى المساومة. كتب "أقوم فقط بإنهاء شروط لتخفيض كبير"، في إشارة إلى خفض حجم تعرض شركة ترافيجورا للنيكل مع شركاته. وأضاف "على أي حال، سأحتاج منك أن تؤجل التفتيش، وذلك لتجنب أي مشكلات بيننا".
استمرت شركة ترافيجورا على أي حال. يتذكر أوكونومو في شهادته الخطية "كانت أولويتي في ذلك الوقت هي ضمان (...) المضي قدما في التفتيش".
عندما فتحت الحاويات في روتردام، وجدوا أنه لا يوجد نيكل في أي منها. وبدلا من ذلك، وجد المفتشون الفولاذ الكربوني، الذي عادة ما تقل قيمته عن 21 من قيمة النيكل.
في حين قال جوبتا "إنه لا يزال في المستشفى"، اكتشف المديرون في شركة ترافيجورا عبر المقالات الإخبارية أنه يواجه أيضا مشكلات قانونية خطيرة في الهند. إذ كان مكتب التحقيقات المركزي الهندي يحقق مع جوبتا وشركته، أوشديف إنترناشونال، بتهمة التسبب في خسارة قدرها 174 مليون دولار في بنك الدولة الهندي من خلال تجارة سلع غير مشروعة، ذلك وفقا للائحة الاتهام التي نشرت في تموز (يوليو)، قال جوبتا في كانون الأول (ديسمبر) "إن التهم الموجهة إليه تمت تسويتها"، وفقا لوثائق المحكمة.
عند خروجه من المستشفى في تشرين الثاني (نوفمبر)، حاول جوبتا إبرام صفقة مع شركة ترافيجورا. وأقر بأن الشحنات لم تكن كالمتوقع وألمح إلى أنه سيعيد شراءها بمجرد أن تتوافر لديه الأموال اللازمة للقيام بذلك.
كجزء من هذه المناقشات، قدم جوبتا لشركة ترافيجورا جدول بيانات من 93 شحنة مرتبطة بالخلاف، وزعم أنه أقر بعدم احتواء أي منها على نيكل عالي النقاء كما هو محدد في العقود.
في مراحل مختلفة، قدم وشريكه في العمل، آرفيند براساد، لشركة ترافيجورا قوائم بالأصول التي اقترحوا أنها يمكن أن تكون بمنزلة ضمانات أثناء وضع خطة سداد تدريجية. وشمل ذلك مزرعة رياح ومصنع فولاذ في الهند، وشركة طاقة سنغافورية تسمى ألترا فولت، ومجموعة هندسة، هانججي جلوبال.
لم يرد براساد فورا على طلب للتعليق.
كما قدم جوبتا خطابات اعتماد من "سيلفر بانك"، وهو بنك صغير في موريشيوس تعرض أخيرا للتدقيق بسبب علاقاته بتاجر المعادن.
خلال هذه الفترة حاول جوبتا أيضا جمع الأموال عن طريق إصدار سندات من مجموعة تي إم تي ميتالز جلوبال. في رسالة عبر تطبيق واتساب إلى أوكونومو، ادعى أن لديه مكتبا عائليا سويسريا على استعداد لاستثمار مائة مليون يورو، وصندوق ثروة سياديا آخر من "بلد محترم جدا" جاهزا لاستثمار مائة مليون دولار.
في هذه الأثناء، كانت شركة ترافيجورا تواجه مشكلة جديدة، حيث بدأ العملاء الذين باعت لهم بعض شحنات النيكل المزعومة يكتشفون أن الشحنات تحتوي على المواد الخاطئة. قالت شركة ترافيجورا في وثائق المحكمة "إن جوبتا وشبكته رتبوا الصفقات لعملاء من أطراف ثالثة".
في حين ادعى جوبتا في البداية أن شركة تي إم تي جمعت 50 مليون يورو من خلال بيع السندات، قال لاحقا "إن مشكلات مصطلح (اعرف عميلك) تعوق عملية تخليص الأموال". في عشية يوم الميلاد، استضاف جوبتا مكالمة فيديو بين مستثمر السندات-الذي لم يتم الكشف عن هويته في الشهادة تحت القسم- وبين أوكونومو لشرح "أسباب التأخير".
في اجتماع بالقرب من مطار هيثرو في لندن في أوائل كانون الثاني (يناير)، قدم جوبتا لأوكونومو مذكرة مكتوبة بخط اليد تحدد خطة السداد. واقترح دفع 200 مليون دولار بنهاية آذار (مارس)، على أن يأتي الباقي على مدى العامين التاليين. لكن شركة ترافيجورا لم تعتقد أنه يمكنها الاعتماد على الاقتراح.
في 17 نوفمبر، نبه العميل الصيني، شركة شيامن سي آند دي ألومينوم كو، شركة ترافيجورا بوجود تناقضات في الرموز الجمركية وشهادات التحليل الخاصة بالشحنة التي يبلغ وزنها 286 طنا التي تلقتها.
بعد أسبوعين هددت شركة شيامن باتخاذ إجراء قانوني. وبحلول أوائل كانون الأول (ديسمبر)، وافقت شركة ترافيجورا على إعادة شراء الشحنات الإشكالية التي باعتها للشركات التابعة لشركة شيامن.
سرعان ما أثار عميل آخر، شركة أرجنتيم ومقرها الولايات المتحدة، مخاوف مشابهة. بحلول أوائل كانون الثاني (يناير)، فتح عميل ثالث، شركة مايند آي دي ومقرها سنغافورة، حاويات مفترضة من النيكل ولم تعثر على أي نيكل بداخلها. وقد اتخذ عميل رابع، شركة أكسيوم ومقرها هونج كونج، الترتيبات اللازمة لعملية تفتيش في روتردام في 9 كانون الثاني (يناير)، ما أدى إلى الكشف عن الأمر نفسه.
مع تصاعد الاحتجاج من العملاء، عقد فريق إدارة شركة ترافيجورا اجتماعا في 10 كانون الثاني (يناير). حيث قدم أعضاء من فرق التجارة، والعمليات، والتأمين والفرق القانونية جميعها خيارات مختلفة. قررت الإدارة أن وقت المساومة قد انتهى، وقد حان الوقت لرفع دعوى احتيال، والسعي إلى إصدار أمر تجميد عالمي لأصول المدعى عليه.
بحلول الوقت الذي تم فيه رفع الدعوى القانونية في محاكم لندن بعد أربعة أسابيع، تراكم مزيد من الأدلة. عثرت شركة شيامن على مزيد من الشحنات المشبوهة وكتبت إلى شركة ترافيجورا في أوائل شباط (فبراير) قائلة "إن البضائع خاطئة تماما، وإنها عملية احتيال، وليست مجرد مشكلة جودة".
لم تستجب شركات شيامن، وأرجنتيم، ومايند آي دي وأكسيوم لطلبات متعددة للتعليق.
قال متحدث باسم جوبتا "إن فريقه يعد ردا قويا على مزاعم شركة ترافيجورا ويعتزم نشره قريبا".
في هذه الأثناء، كان جوبتا يماطل لبعض الوقت، حيث دفع خمسة ملايين دولار لشركة ترافيجورا في أواخر كانون الثاني (يناير) بينما واصل محاولته لجمع مزيد من الأموال.
في حين إن دعوى شركة ترافيجورا القضائية لم تأخذ مجراها بعد، إلا أنها تلقت ضربة مالية كبيرة. إذ أعلنت شركة تجارة السلع شطب مبلغ 577 مليون دولار وتتفاوض مع العملاء الذين تسلموا شحنات النيكل المزعومة لإيجاد حل.
لا يزال مدى علم أي شخص في شركة ترافيجورا بما يقوم به جوبتا غير واضح. كان المتداول الرئيس على حساب جوبتا هو هارشديب بهاتيا ومقره مومباي، الذي ربما قدم أيضا الطرفين لبعضهما بعضا، وفقا لشهادة أوكونومو.
كان بهاتيا "مقربا بوضوح" من جوبتا، وفقا لإفادة شاهد أدلى بها رضا أصفهاني، محامي شركة ترافيجورا، التي استندت إلى رسائلهم على تطبيق واتساب، رغم أنه قال "إنه "لا يوجد دليل مباشر على تورط بهاتيا في عملية الاحتيال".
أضاف أصفهاني في إفادة الشاهد "لم نتمكن من سد فجوات معينة في الرسائل المتبادلة على تطبيق واتساب بين جوبتا وبهاتيا". ولم يستجب بهاتيا لطلبات التعليق.
كما أن هناك تساؤلات حول إجراءات الامتثال لشركة ترافيجورا بعد أن كشفت وثائق المحكمة عن كثير من الأخطاء، بما في ذلك عدم طلب شهادات التحليل وتجاهل الرموز الجمركية غير الصحيحة.
قالت شركة ترافيجورا "إنها لم تر أي دليل يشير إلى أن أي شخص في شركة ترافيجورا كان متورطا أو متواطئا في هذا النشاط غير القانوني، وأن عملية الاحتيال تقتصر على خط عمل محدد".
حتى قيمة المواد الموجودة في الحاويات لا تزال غامضة، وفقا لوثائق المحكمة.
تم فحص أكثر من 156 حاوية بحلول 6 فبراير، من بين 1,100 حاوية معنية. وقد احتوى بعضها على الفولاذ الكربوني، وبعض الأنواع الأخرى من منتجات الحديد والصلب، لكن لم يكن أي منها يحتوي حتى الآن على سبائك النيكل أو النيكل.
قال أوكونومو في شهادته المكتوبة "الحقيقة هي أن شركة ترافيجورا لا تعرف ما الذي يوجد في الحاويات".
في حين إن أي تسوية قانونية قد تستغرق شهورا أو حتى أعواما، إلا أن بعض الشحنات لا تزال في البحر، ومن المقرر وصول آخرها بحلول أيار (مايو) من هذا العام.
مع انطلاق معركة المحكمة، من المحتمل أن يتم الكشف عن مزيد من الأدلة.

الأكثر قراءة