رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأسهم والعقارات ومطبات الفائدة

عندما ألمح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى المشرعين الأمريكيين بأن المجلس سيحتاج على الأرجح إلى رفع أسعار الفائدة بأكثر من المتوقع على خلفية بيانات قوية صدرت خلال الآونة الأخيرة، وأنه مستعد للتحرك بخطوات أكبر، إذا أشارت المعلومات اللاحقة "بالكلية" إلى ضرورة فرض تدابير أكثر صرامة للسيطرة على التضخم.
هنا كانت ردة فعل هذه التصريحات - رغم حرصها على التهدئة - على أسواق الأسهم سريعة، وشهدت تقلبات وتذبذبات بسبب غموض حول مسار الفائدة في أمريكا، وطغى اللون الأحمر على مؤشرات الأسواق الأمريكية والأوروبية وطالت الخليجية.
ورغم أن تصريحات باول كانت حذرة جدا حتى لا تتسبب في حدوث موجة من التراجعات في الأسواق المالية، إلا أن استجابة أسواق المال جاءت مواتية، حيث تراجعت الأسهم الأوروبية مع انخفاض مؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.3 في المائة، وأغلقت المؤشرات الرئيسة لبورصة وول ستريت على انخفاض حاد، فيما تتزايد مخاطر التضخم، وهو ما فاقم الضغوط على سوق متوترة بالفعل بأزمات متراكمة. ومن المتوقع أن يكون الاتجاه متراجعا في أسواق الأسهم، فيما لو تحققت توقعات "الفيدرالي" فعليا وتم رفع أسعار الفائدة بأكبر من التوقعات. وفي سياق سوق العقارات أيضا، يترقب المستثمرون ردود الأفعال مع كل تصريحات تلمح إلى رفع التشديد النقدي، لكن في نهاية المطاف ستتأثر السوق العقارية وبمستويات متفاوتة وغير واضحة وسط أجواء مستقبلية ضبابية.
لكن السؤال المطروح والملح حاليا، ما التوقعات التي أشار إليها جيروم باول؟ فبعد عام كامل من التسارع في رفع أسعار الفائدة بطريقة لم يسبق لها نظير في التاريخ الاقتصادي الأمريكي، كان من المتوقع أن يتخذ "الفيدرالي" نهجا مختلفا في 2023، وذلك برفع أسعار الفائدة بوتيرة أبطأ، وقد ظهرت توجهات هذا النهج جلية عندما تم رفعها في شباط (فبراير) بربع نقطة مئوية، وهي أقل زيادة منذ آذار (مارس) الماضي، وتفاءل كثير من المحللين والمستثمرين بهذه الخطوة، وكان من المؤمل أن يبدأ منحنى أسعار الفائدة في الالتواء نحو ارتفاعات بطيئة قبل أن يصل إلى ذروته التي أصبحت قريبة عند 5.50 في المائة في 2023 أو أن تصل الأسعار إلى 6 في المائة، وكان الأقل احتمالا، لكن خطابه بدد تلك الاحتمالات بحديثه الذي أعاد الأمور إلى الغموض مرة أخرى وفتح باب التكهنات، وقال رئيس البنك المركزي الأمريكي في مستهل جلسة استماع أمام لجنة الشؤون المصرفية في مجلس الشيوخ، "جاءت البيانات الاقتصادية الأخيرة أقوى من المتوقع، ما يشير إلى أن المستوى الذي ستصل إليه أسعار الفائدة سيكون على الأرجح أعلى من التوقعات السابقة". أي إن الأسعار قد تتجاوز معدل 6 في المائة، بل إن العودة نحو رفع الأسعار بمعدل نصف نقطة كل ربع عام أصبحت في مرمى الاحتمالات أيضا، وهذا بالطبع ستكون له آثار قوية في الأسواق المالية، فالأموال تبحث عن العوائد والعوائد اليوم هي في تملك الدولار عموما، وهذا يعني مزيدا من الضغوط القوية على العملات الأخرى، ولن يكون 2023 متنفسا لإعادة دراسة الوضع الاقتصادي والتموضع جيدا وإعادة رسم مصروفات الميزانية، بل سيكون سعيا مرة أخرى من أجل تجنب خروج الأموال ودعم الاقتصاد بالأموال الأجنبية.
وتشير البيانات التاريخية إلى أن رفع أسعار الفائدة في 2022 كان الأكثر سرعة، حيث تم رفعها بنحو 4.5 في المائة خلال 12 شهرا فقط، وهو ما لم يحدث مطلقا في الفترة الزمنية السابقة.
ولم يزل البنك المركزي الأمريكي غير قادر على تحديد الرقم المستهدف لسعر الفائدة، بلا أدنى شك إن هذا أكبر تسارع لأسعار الفائدة مر على الولايات المتحدة والعالم معها. وكان بنك الفيدرالي يأمل في تجنب ارتفاع التضخم في المستقبل، كما أنه يعتقد أن التضخم كان "مؤقتا" أو قصير الأجل، وكان يؤيده في ذلك كثير من المحللين، والدلائل تشير إلى ذلك فعلا، فالارتفاع جاء بعد موجة الاحترازات لمواجهة انتشار فيروس كورونا التي تسببت في كبت الطلب لمدة طويلة وتحديات سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الحرب، وكان من المتوقع أن يستجيب الاقتصاد بسرعة لرفع معدلات سعر الفائدة، خاصة بعد مؤشرات على عودة البضائع إلى المخازن والرفوف، لكن تبين بعد ذلك أن التضخم أسرع وتيرة، حيث قفز إلى معدل 8 في المائة، ولم يزل عند تلك المستويات المرتفعة رغم المؤشرات الإيجابية العامة، وهذا ما أشار إليه رئيس البنك المركزي من أن البيانات بالكلية قد تشير إلى حتمية التشديد بوتيرة أسرع، ولا بد من الاستعداد لزيادة وتيرة رفع أسعار الفائدة.
ومن الواضح أن 2023 لن يكون عاما بلا مفاجآت جديدة، فلا يزال التضخم بعيدا كثيرا عن الأرقام المستهدفة وهي 2 في المائة، وستبقى الأسئلة قائمة بشأن معدل الفائدة الذي لا يقود نحو ركود كبير، فأسعار الفائدة المرتفعة لمدد طويلة تقود إلى تجفيف الاقتصاد من الأموال، وسيأتي الركود إذا طال أمد ذلك، كما لا نغفل في خضم ذلك، فوائد رفع الفائدة من كبح التضخم إلى تهدئة الأسعار.
وما يجب الالتفات إليه هو أن الأسباب الكامنة خلف بقاء معدلات التضخم مرتفعة لم تزل غامضة نوعا ما، فالأسباب التي كانت تناقش على الطاولة تراجعت في معظمها، بينما بقي التضخم مرتفعا، فما المعالجة الصحيحة للوضع الراهن؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي