أخيرا .. الاحتياطي الفيدرالي على المسار الصحيح

أخيرا .. الاحتياطي الفيدرالي على المسار الصحيح

في الفترة 2021 ـ 2022، ونتيجة لإطار السياسة النقدية المعيب، تخلف الاحتياطي الفيدرالي كثيرا عن المنحنى فيما يخص تشديد السياسة النقدية. وكانت النتيجة ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات لم تبلغها منذ 40 عاما.
بدءا من آذار (مارس) 2022، حقق الاحتياطي الفيدرالي تحولا جذريا، ورفع سعر الفائدة القياسي بما مجموعه 4.5 نقطة مئوية.
هذه المحاولة من جانب الاحتياطي الفيدرالي لإدارة عملية "التخلص من التضخم" تثير عدة أسئلة مهمة. هل ينجح البنك المركزي في إعادة التضخم إلى مستواه المستهدف، البالغ 2 في المائة، في المستقبل القريب؟ وهل يتعين عليه تشديد السياسة النقدية بشكل كبير أكثر مما هي عليه بالفعل؟ وإلى متى ينبغي أن يبقي أسعار الفائدة مرتفعة؟ وكم سيكلف حفاظ الاحتياطي الفيدرالي على هدفه للتضخم؟ وكيف من المفترض أن يوازن بين مخاطر الركود وتحقيق هدفه التضخمي؟
في ورقة بحثية كتبتها بالتعاون مع ستيفن سيكيتي، ومايكل فيرولي، وبيتر هوبر، وكيرميت شوينهولتز، تم تقديمها للتو في منتدى السياسة النقدية الأمريكية، وبالنظر إلى السجل التاريخي والنمذجة الاقتصادية، نقدم بعض الإجابات عن هذه الأسئلة.
الخبر الجيد هو أن توقعات وضع التضخم على الطريق الصحيح لإعادته إلى المستوى المستهدف للاحتياطي الفيدرالي أصبحت الآن ملائمة للغاية. على الرغم من أخطائه السابقة، فإن تخلي البنك المركزي عن النهج التدرجي وتشديده الصارم للسياسة النقدية الذي بدأ قبل عام كان قادرا على إعادة تثبيت توقعات التضخم على المدى الطويل عند مستوى 2 في المائة.
الخبر السيئ هو أن وصول الاحتياطي الفيدرالي إلى التضخم المستهدف من المحتمل جدا أن يؤدي إلى ركود. لقد قمنا بدراسة الأدلة التاريخية في 16 عملية واسعة للتخلص من التضخم عبر السياسات في عدد من البلدان. وفي كل حالة كان فيها التشديد النقدي بالحجم الذي نشهده في الولايات المتحدة كانت النتيجة ارتفاعا في معدل البطالة. وفي ظل الظروف الحالية التي تنطوي بالفعل على تشديد كبير في السياسة، واحتمال وضع مزيد من القيود، فإن "التخلص من التضخم دون أخطاء" سيكون أمرا غير مسبوق.
تشير نماذجنا إلى أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال أمامه شوط لقطعه في عملية تشديد السياسة النقدية. سيتعين على سعر فائدة الأموال الفيدرالية أن يرتفع نحو نقطة مئوية واحدة عن المستويات الحالية لوضع التضخم على طريق يعيده إلى نسبة 2 في المائة، ومن المرجح أن يرتفع معدل البطالة عن مستواه الحالي أكثر من نقطة مئوية واحدة. يشير تحليلنا إلى أن سعر فائدة الأموال الفيدرالية ينبغي أن يظل أعلى من نسبة 5 في المائة حتى فترة طويلة من عام 2024.
الأهم من ذلك هو حاجة الاحتياطي الفيدرالي إلى مقاومة الإغراء لتخفيف السياسة النقدية قبل الأوان، كما فعل في بعض الأحيان سابقا عندما واجه تباطؤا في الاقتصاد.
من شأن التمحور السابق لأوانه أن يضعف مصداقية الاحتياطي الفيدرالي بشأن السيطرة على التضخم، وسيتطلب من البنك المركزي عندها رفع أسعار الفائدة إلى مستويات أشد قسوة لتحقيق الاستقرار في التضخم.
هذا هو الدرس المستفاد من عملية التخلص من التضخم في الفترة من 1979 إلى 1983 في عهد بول فولكر الرئيس الأسبق للاحتياطي الفيدرالي. ابتداء من تشرين الأول (أكتوبر) 1979، رفع الاحتياطي الفيدرالي فائدة الأموال الفيدرالية لتصل إلى 17 في المائة في آذار (مارس) 1980. واستجابة للركود الناتج عن ذلك، تراجع عن موقفه، وابتداء من نيسان (أبريل) 1980، خفض المعدل أكثر من سبع نقاط مئوية. ولذلك ضعفت مصداقيتة، مع بقاء توقعات التضخم ومعدل التضخم مرتفعين بعناد.
لاستعادة مصداقيته، بدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى مستوى ساحق قارب 20 في المائة بحلول بداية 1981، وأبقاه عند مستويات عالية حتى منتصف 1982. بدأت توقعات التضخم ومعدل التضخم في الانخفاض بشكل مطرد لتصل إلى نحو 3 في المائة عام 1983. إلا أن معدل البطالة ارتفع إلى 10.8 في المائة بحلول 1982. وكانت تكلفة هذا التراجع مرتفعة للغاية بالفعل.
استنادا إلى هذا التحليل، ونظرا إلى الماضي، فإننا ننظر إلى فشل الاحتياطي الفيدرالي في التصرف بشكل استباقي عام 2021 في مواجهة الطلب القوي على أنه خطأ كبير.
لكن إجراءات السياسة القوية التي اتخذها البنك المركزي خلال العام الماضي والملاحظات الأخيرة من قبل جاي بأول رئيسه، ومسؤولين آخرين شجعتنا بأن لديه مزيدا من العمل الذي يتعين عليه القيام به لتحقيق الاستقرار في التضخم. وأخيرا يوم الثلاثاء، أخبر باول اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ بأنه إذا أشار "مجمل البيانات" إلى أن هناك ما يبرر عملية تشديد أسرع، فسيكون الاحتياطي الفيدرالي على استعداد لزيادة وتيرة رفع أسعار الفائدة.
علاوة على ذلك، شدد باول والمسؤولون على أن احتمال حدوث ركود نتيجة تشديد السياسة النقدية لا ينبغي أن يثني الاحتياطي الفيدرالي عن القيام بكل ما هو مطلوب للسيطرة على التضخم. وعلى الرغم من البداية الصعبة، يبدو أن البنك المركزي الآن على المسار الصحيح لاستعادة استقرار الأسعار.

*أستاذ في قسم ألفريد ليرنر للمؤسسات المصرفية المالية في كلية كولومبيا للأعمال، ومحافظ سابق في الاحتياطي الفيدرالي.

الأكثر قراءة