بورصة لندن .. لا القديم يريد البقاء ولا الجديد يريد المجيء

بورصة لندن .. لا القديم يريد البقاء ولا الجديد يريد المجيء

في أفضل حالاتها في الأشهر الأخيرة، بقيت سوق الأسهم في المملكة المتحدة محافظة على طبيعتها البطيئة، الثابتة، والمملة. هذه صفات لا ينبغي أن تؤخذ كأمر مسلم به.
العصر الذي هيمنت فيه أسهم الولايات المتحدة، بقيادة التكنولوجيا، آخذ في التلاشى. لقد نجحت بالطبع في استعادة قوتها في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، وبالتأكيد في الشهر الافتتاحي من هذا العام، حين ظن المستثمرون أنهم رصدوا علامات على أن تضخم الأسواق المتقدمة كان في تراجع وأن البنوك المركزية ستمهلهم.
لكن عصر الهيمنة وصل إلى حدوده مجددا. في نمط متكرر شهدناه مرارا وتكرارا على مر العام الماضي، تشير أحدث البيانات الصادرة إلى أن التضخم ثابت وأن البنوك المركزية ستواصل جهودها لخفضه مع أسعار الفائدة.
قال رئيس البنك المركزي الألماني المتشدد، يواكيم ناجل، الأسبوع الماضي إن مديري الصناديق أدركوا الأمر أخيرا. "ربما كان هناك تفاؤل مفرط"، كما أخبر "بلومبيرج". "أعتقد الآن أن الأسواق (...) فهمت الأمر". لقد رأينا هذا السيناريو من قبل، لكنه قد يكون محقا هذه المرة.
كما يشير، أسعار السوق تعكس بوضوح تغيرا في المزاج. انخفض مؤشر إس آند بي 500 الأمريكي أكثر من 4 في المائة منذ بداية شباط (فبراير)، وتراجع مؤشر ناسداك المركب 5 في المائة من أعلى نقطة وصل إليها في أوائل شباط (فبراير). وبلغت العوائد على سندات الحكومة الألمانية لمدة عشرة أعوام أعلى نقطة لها منذ 2011.
هذا ليس نوع البيئة، التي تزدهر فيها الأسهم المرتبطة بشركات غير مربحة. إنها بيئة أكثر دعما لأسواق الأسهم الأكثر ثباتا في أوروبا، ومن بينها بورصة لندن ـ التي يمكن القول إنها الأكثر تثاقلا على الإطلاق– ارتفع مؤشر "فاينانشيال تايمز 100" أكثر من 6 في المائة حتى الآن هذا العام. سجل المؤشر أعلى مستوى قياسي في أواخر شباط (فبراير) ولا يزال قريبا من تلك النقطة الآن.
لقد عاد الملل. يا إلهي، المملكة المتحدة لديها كثير من ذلك لتبيعه، وبسعر منخفض أيضا.
إلقاء نظرة سريعة عبر أكبر الشركات في "فاينانشيال تايمز 100" ليست رحلة مثيرة تماما. تبدأ القائمة بشكل جيد بما فيه الكفاية –تحتل شركة أسترازينيكا للمستحضرات الصيدلانية رأس القائمة بتقييمها البالغ 168 مليار جنيه استرليني، ومن الصعب المجادلة ضد القوة الجديدة لشركات الأدوية في حقبة ما بعد الجائحة.
لكن ما لم تكن من كبار المعجبين بشركات النفط والغاز أو التعدين –الذي لا يعد عامل جذب كبيرا لمخصصي الأصول العالمية المهتمين بالاستدامة اليوم– أو البنوك، فإن الباقي يجف بسرعة كبيرة. يعد هذا أمرا رائعا للمستثمرين الصبورين، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى تحقيق نمو سريع.
في حين أن نحو ربع قيمة مؤشر إس آند بي 500 يتألف من شركات تكنولوجيا مثل أبل وأمازون، يشكل قطاع التكنولوجيا 0.7 في المائة فقط في "فاينانشيال تايمز 100". ولا تزال شركة بريتيش أميركان توباكو تصنف ضمن أفضل عشر شركات في مؤشر المملكة المتحدة.
لأعوام، عد هذا المزيج مشكلة، ما أدى إلى بذل جهود حسنة النية لجلب مزيد من شركات "الاقتصاد الجديد" إلى المملكة المتحدة، أو جعل الشركات من هذه الفئة تدرج أسهمها في لندن بمجرد تأسيسها.
قبل عامين بالضبط، نشرت حكومة المملكة المتحدة مراجعة اللورد جوناثان هيل الخاصة بعمليات الإدراج، وهي مليئة بالقلق بسبب "الصورة الكئيبة" لعمليات الإدراج في سوق الأسهم و"المنافسة الشديدة" مع المراكز المالية الأخرى.
"أهم الشركات المدرجة في لندن هي إما شركات مالية وإما شركات أكثر تمثيلا لـ"الاقتصاد القديم"، وليس شركات المستقبل"، كما قال هيل، طارحا مجموعة من التوصيات بما في ذلك إدخال هياكل الأسهم ذات الفئة المزدوجة، مع "إعادة توصيف" للسوق وكفاءة أكبر في عمليات طرح الأسهم.
على الرغم من ذلك، ظهر الأسبوع الماضي شرخ جديد ومهم في جهود لندن لتجديد نفسها لتناسب الأسواق الحديثة، عندما قالت شركة سي آر إتش إنها تخطط للتخلي عن إدراجها في المملكة المتحدة لمصلحة نيويورك. وصف زميلي، إيان سميث، هذه الخطوة من قبل أكبر شركات مواد البناء في العالم بأنها "مثال ملموس" على مشكلات لندن.
هذا في حد ذاته سيئ بما فيه الكفاية، لكنه جاء بعد أن تركت شركة فيرجسون لتوريد مواد السباكة والتدفئة مؤشر "فاينانشيال تايمز 100" أيضا. الأسوأ من ذلك، أنه حتى شركة النفط الكبرى، شل –أكبر عملية إدراج في المملكة المتحدة– فكرت في المغادرة، كما ذكرت "فاينانشيال تايمز" في بداية الأسبوع الماضي.
ما يعنيه كل هذا هو أن المملكة المتحدة لا تكافح لجذب عمليات إدراج لامعة ومثيرة وناجحة فحسب، بل تكافح بشكل متزايد للتشبث بالشركات الأكثر رصانة التي يعرفها المستثمرون الحذرون ويحبونها في البيئات الاقتصادية الصعبة أيضا. يجب أن يكون هذا نداء للانتباه.
يجادل ريتشارد ماروود، رئيس قسم الأسهم البريطانية في رويال لندن أسيت مانجمنت، بأن محاكاة الأسواق الأكثر تشويقا من خلال إضعاف معايير الحوكمة المطلوبة ليس هو الحل. إنه متحمس بالفعل بشأن كثير من الشركات البريطانية. لكن يجب تشجيع المستثمرين المحليين، بما في ذلك صناديق المعاشات التقاعدية، على ضخ مزيد من الأموال في المملكة المتحدة وإعادة إحياء الدورة الحميدة للسيولة الأكثر حيوية، والتقييمات الأعلى، ومزيد من عمليات الإدراج.
يقول "أنا لست يائسا تماما. المعنويات تتحسن قليلا. لكن دعونا لا نتسابق نحو القاع في المعايير للحصول على الشركات هنا، فلنعمل على تحسين تجمع السيولة وجعله أكثر عمقا". ذكر اللورد هيل هذا الأمر مرة أخرى في 2021، قد يتردد صدى ذلك الآن أكثر.

الأكثر قراءة