شركات التكنولوجيا المدرجة تعاني ماليا .. حرقت مليارات الاكتتابات
استنفدت مجموعات التكنولوجيا التي تم إدراجها أخيرا في الولايات المتحدة أكثر من 12 مليار دولار من النقد في 2022، ويواجه عشرات منها الآن مسائل مستعصية حول كيفية جمع مزيد من الأموال بعد أن هوت أسعار أسهمها.
المجموعات الخاسرة، المرتفعة النمو، سيطرت على سوق الاكتتابات العامة الأولية في عامي 2020 و2021، حيث جمعت 150 مجموعة تكنولوجية ما لا يقل عن مائة مليون دولار لكل منها في تلك الفترة، وفقا لبيانات "ديلوجيك".
ومع بدء انخفاض عائدات فورة عقد الصفقات، تواجه شركات كثيرة خيارا بين زيادة رأسمال مكلفة، أو خفض تكاليف حاد، أو استحواذ مجموعات الأسهم الخاصة والمنافسين الأكبر عليها.
قال آدم فلايشر، شريك أسواق رأس المال في شركة كليري جوتليب للمحاماة "استفادت تلك الشركات من التقييمات المرتفعة جدا، لكن ما لم تكن مخالفا لاتجاه السوق فعلا، فإن سهمك ينخفض الآن. هذا يمكن أن يتركك عالقا نوعا ما. عليهم أن يعرفوا الخيار الأخف وطأة حتى تتحسن الأمور".
أدى تراجع السوق العام الماضي إلى حديث واسع النطاق في أوساط التكنولوجيا عن تركيز جديد على الربحية وتوليد النقد، لكن تحليلا أجرته "فاينانشيال تايمز" لتقارير الشركات الأخيرة يسلط الضوء على عدد الشركات التي لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه.
من بين 91 مجموعة تكنولوجية تم إدراجها أخيرا وأبلغت عن نتائج حتى الآن هذا العام، أعلنت 17 مجموعة فقط عن صافي ربح. لقد أنفقت مجتمعة 12 مليار دولار العام الماضي، كان ليكون أسوأ لولا الأداء المتميز لـ"إيربنب" التي ولدت أكثر من ملياري دولار. في المتوسط، أنفقت الشركات 37 في المائة من عائدات الاكتتاب العام.
نحو نصف الشركات الـ91 كانت خاسرة على مستوى التشغيل، ما يعني أنها لا تستطيع ببساطة تقليص الاستثمارات إذا احتاجت إلى إبقاء الأموال.
في الوقت نفسه، انخفضت أسهمها بمعدل 35 في المائة منذ الإدراج، ما يجعل مبيعات الأسهم القادمة تبدو مكلفة وتعود بربحية مخففة على المستثمرين الحاليين.
توقع فلايشر أن "يبيع بعض المستثمرين الأسهم بسعر رخيص إذا كانوا يائسين للغاية (...)لكن لم يحدث نشاط لاحق قوي" حتى الآن.
يرجع انخفاض التقييمات جزئيا إلى ارتفاع أسعار الفائدة، ما يقلل من القيمة النسبية التي يتوقعها المستثمرون للأرباح المستقبلية. لكن الانخفاضات تعكس أيضا مخاوف إزاء توقعات المدى القريب، التي يمكن أن تضاعف تحديات تحقيق الربحية.
قال تيد مورتونسون، استراتيجي التكنولوجيا في شركة بيرد للخدمات المالية "كان الدخول في البيع والشراء في 2023 أمرا جيدا، لكن المشكلة تكمن في الحصول على عمليات بيع وشراء جديدة لإعادة تزويد السيولة (...)إنها مشكلة عالمية نوعا ما (...)وستزداد صعوبة خلال النصف الأول".
تأمل بعض الشركات ببساطة أن تكون قد جمعت ما يكفي من المال حين كانت الأوقات مناسبة لاجتياز العاصفة. أنفقت شركة ريفيان لصناعة السيارات -التي لم يتم تضمينها في التحليل- 6.4 مليار دولار في 2022، لكن كلير ماكدونو المديرة المالية، قالت هذا الأسبوع "إنها واثقة بأنها تملك ما يكفي من السيولة المتبقية لتستمر حتى نهاية 2025".
بعض آخر لا يحالفه الحظ. أعلن ما لا يقل عن 38 شركة مسبقا خفضا في الوظائف منذ إدراجها، وفقا لموقع Layoffs.fyi، لكن ربما تكون هناك حاجة إلى إجراءات أكثر، إذا استمرت معدلات حرق السيولة كما هي في 2023، فستنفد الأموال من نحو ثلث المجموعات التي حللتها "فاينانشيال تايمز" بحلول نهاية العام.
أدت الضغوط إلى زيادة في عمليات الاستحواذ التي يتوقع الخبراء أن تزداد وتيرتها.
قالت أندريا شولتز، المتخصصة في شركات التكنولوجيا والشريكة في شركة التدقيق جرانت ثورنتون "أعتقد أننا سنشهد حركة خروج من الأسواق العامة، كثير من هذه الشركات (عادة) تنضج أكثر خلف ستار كونها شركة خاصة، وربما تحتاج إلى وقت أطول لتبقى في هذا المكان".
أشار مورتونسون، من شركة بيرد، إلى سلسلة صفقات أخيرة أبرمتها شركة توما برافو بأنها خطة ستتبعها شركات الأسهم الخاصة الأخرى. وافقت "توما برافو" العام الماضي على شراء شركة الأمن السيبراني، فورج روك، بعد 12 شهرا فقط من اكتتابها العام، إلى جانب المجموعتين الراسختين أكثر بقليل، "سيل بوينت" و"بينج آيدنتيتي"، اللتين تم إدراجهما في عامي 2017 و2019 على التوالي.
قال مورتونسون "تعرف شركات الأسهم الخاصة أن كثيرا من هذه الشركات تحتاج إلى التوسع، لذا فهي تستحوذ على القطع لتملك تلك المنصات. يمكنها شراؤها بسعر منخفض (...)ويوما ما بعد بضعة أعوام سترى الكيانات المدمجة يتم طرحها للاكتتاب العام مرة أخرى".
لكن يمكن أن يأتي هذا المسار مع مضاعفات. تحقق وزارة العدل الأمريكية في صفقة "فورج روك"، وبحسب شولتز ضغوط مكافحة الاحتكار يمكن أن تؤدي إلى ابتعاد بعض شركات التكنولوجيا الكبرى التي تميل عادة إلى اقتناص الشركات بسعر مخفض.
في صناعات أخرى، شجعت أوضاع السوق الصعبة على الاقتراض باستخدام السندات القابلة للتحويل، وهي ديون يمكن تحويلها إلى أسهم إذا وصل سعر السهم إلى مستوى معين. غير أن الأداء الفظيع للموجة السابقة من السندات القابلة للتحويل، الصادرة عن الشركات عالية النمو، جعل المستثمرين حذرين من مجموعات التكنولوجيا.
أصدرت شركات مثل "بيلوتون" و"بيوند ميت" و"إيربنب" سندات في أوائل 2021 بلا فوائد مدفوعة وتحتاج الآن إلى ارتفاع هائل في أسعار الأسهم لبلوغ النقطة التي تتحول فيها إلى أسهم.
وفقا لمايكل يونجويرث، استراتيجي متخصص في السندات القابلة للتحويل في بانك أوف أمريكا، تهيمن على السوق حاليا شركات ضخمة في قطاعات "الاقتصاد القديم"، وأضاف "الشركة ذات الاسم التكنولوجي المناسب بمصطلحات أقل مرحا من تلك التي رأيناها في 2021 ستكون قادرة على إتمام صفقة (...)لكن يجب أن تكون علاوات التحويل أقل بكثير، وأن تكون قسائم السندات أعلى بكثير".
تتجه بعض الشركات إلى قروض مباشرة أكثر، لكنها مكلفة. قال جريج بيكر، الرئيس التنفيذي لـ"سيليكون فالي بانك"، للمحللين في وقت سابق من هذا العام "إن البنك شهد زيادة حادة في معدلات اقتراض شركات التكنولوجيا التي كانت في السابق تبيع أسهمها".
لكن في حالة بعض الشركات، من غير المحتمل أن يكون أي من هذه الخيارات مناسبا. أشارت شولتز إلى أن التعجل في الإدراج عندما تكون التقييمات مرتفعة يثير توقعات من العامة كان من الممكن أن تحدث عادة في الأوساط الخاصة فقط.
وقالت "ما يراه عامة الناس الآن هو أمر تم إدراكه سابقا في أوساط رأس المال المغامر".