ملامح الاسترليني الرقمي تتشكل ببطء

ملامح الاسترليني الرقمي تتشكل ببطء

يبرر التكنوقراطيون والسياسيون بشكل عفوي الاستيلاء على السلطة بوجود تهديدات خارجية. وجد هذا الاتجاه الاستبدادي تفسيرا غير محتمل لدى جون كونليف. أخيرا أطلق هذا الشخص الموقر الذي يعمل نائبا لمحافظ بنك إنجلترا برنامجا لتطوير جنيه استرليني رقمي. ويتوقع البنك المركزي تداخلا مع البنوك التجارية في بعض الأنشطة الرئيسة، فيما يكتسب وصولا جديدا وشاملا للبيانات المالية الشخصية.
سيكون الوضع على النحو التالي: سينشئ بنك إنجلترا دفتر حسابات مركزيا لتسجيل الملكية المتقلبة لكل شخص من الجنيهات الرقمية. هذه الحسابات المغفلة لن تتكلف أي فائدة ولها حد إيداع فردي يراوح بين عشرة آلاف و20 ألف جنيه استرليني لكل منها. يمكن لهذه السعة استيعاب مدفوعات الرواتب الشهرية لكثير من سكان المملكة المتحدة.
ستقوم البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى بإدارة "المحافظ" الإلكترونية للعملاء، ومن المفترض للشركات كذلك، مع احتفاظها بالهويات الحقيقية ما لم يطلب القائمون على تنفيذ القانون خلاف ذلك.
ويميل كل من بنك إنجلترا ووزارة المالية إلى تبني تكنولوجيا يرفضها المنتقدون باعتبارها "حلا يبحث عن مشكلة". التهديد الخارجي الرئيس الذي ذكره كونليف غير مقنع، وهو استبدال عملات رقمية خاصة بأموال البنك المركزي والنقود الإلكترونية داخل البنوك التجارية.
من الواضح أن ذلك سيكون سيئا للاستقرار المالي وإنفاذ القانون. لكن الخطر في تراجع لا في تقدم. فقد فشلت العملات المشفرة في استبدال النقود الورقية في المعاملات اليومية، وفي الوقت نفسه انهارت بمقدار الثلثين من حيث القيمة لتصل إلى 1.1 تريليون دولار. كما تعثرت في عام 2019 محاولة شركة ميتا إنشاء نظام مدفوعات قائم على البلوكتشين.
علاوة على ذلك، الدول ذات السيادة يمكن أن تصل إلى حل بسيط لمسألة العملات الرقمية الخاصة مهما كان نوعها: حظرها.
هذا الخيار كان مستبعدا إلى حد كبير من قبل بنك إنجلترا بسبب حماسه لعملة البريتكوين. ولهذا سببان أساسيان، أحدهما صريح والآخر ضمني. يشير البنك المركزي صراحة إلى انخفاض استخدام النقد المادي في المعاملات. تراجع من 55 في المائة إلى 15 في المائة من الإجمالي في عشرة أعوام. وهو ما يمثل ابتعادا كبيرا عن أموال البنك المركزي نحو الأموال الإلكترونية ذات الصلة التي تديرها البنوك التجارية. وقد بدأ كونليف اتخاذ الإجراءات لإعادة التوازن.
أما السبب الضمني لخطة البريتكوين فهو مخاوف بنك إنجلترا من تخلفه عن أقرانه في الاتحاد الأوروبي. فقد بلغت خططهم ليورو رقمي مستوى متقدما. يقول ليون إيزاكس، من شركة دي إم أيه جلوبال الاستشارية "هناك سباق دولي لتطوير عملات رقمية للبنوك المركزية".
رغبة بنك إنجلترا في تعويض الوقت الضائع قد تفسر ميله إلى الاستخفاف باعتراضات منظمات الحريات المدنية على الجنيه الرقمي. الرد الرئيس على هذه الاعتراضات هو أنه لن يحدث "فرقا" في سرية البيانات المالية. وأن منفذي القانون سيستمرون في اتباع الإجراءات القانونية للكشف عن المجرمين.
هذا يتجاهل مركزية البيانات التي يتطلبها بريتكوين. ففي الوقت الحالي، قد تتوزع النقود الإلكترونية للفرد عبر مؤسسات متعددة، لا يعرف أي منها عن مكان وجود باقي النقود. ويمكن لسجل بنك إنجلترا المركزي نظريا أن يظهر كل الأموال الرقمية، ومتى تغيرت ملكيتها. ولن يكون أمر إخفاء الهوية راسخا إلا بقدر ما تسمح به السياسة والنظام القانوني في حينه.
هناك أيضا مسألة أخرى معقدة تتمثل في احتمال "إضفاء الطابع الشخصي" على النقود الرقمية. وفقا لأحد المديرين التنفيذيين في "سيتي"، "يمكن للعملاء تلقي مدفوعات الرعاية الاجتماعية التي لا يمكن استخدامها في بعض الأغراض". وبعض السياسيين قد يستمتعون بالتدخل فيما ينفق المواطنون وما لا ينفقون عليه الأموال الرقمية.
في غضون ذلك، سيتعين على البنوك التجارية التخطيط للتدفقات الخارجية المحتملة من الودائع التي تدعم عمليات الإقراض. سيكون حساب البريتكوين آمنا بشكل بدهي كما هو بنك إنجلترا. وسيكون مكانا جذابا لتخزين النقود عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة أو التقلبات المالية عالية.
كذلك يجب عليها بالتأكيد القلق بشأن دورها المفترض باعتبارها الجهات القائمة على محافظ البريتكوين. ستحتاج البنوك إلى فرض رسوم على المعاملات، أو إدارتها بخسارة. إذا طبق الخيار الأول، فإن شركتي المدفوعات في الولايات المتحدة، فيزا وماستركارد، ستسعيان بلا شك للعودة بقوة إلى سوق المدفوعات بالعملة الرقمية.
ستعمل بريتكوين على توسعة حدود الدولة. بنك إنجلترا على حق في الدعوة إلى التدقيق. لكن ينبغي أن يكون ذلك أصعب وأكثر صرامة من أي شيء توصل إليه النواب في جلسة استماع الأسبوع الماضي. يمكن أن تؤدي الخطة إلى عواقب وخيمة غير مقصودة. وقد يكون كونليف سعيدا إلى حد ما بأن فترة ولايته ستنتهي في تشرين الأول (أكتوبر). سيتعين على شخص آخر التعامل مع المشكلات التي سيوجدها الجنيه الرقمي.

الأكثر قراءة