منصات الابتكار المفتوح .. لماذا الآن؟
برز الابتكار كأحد أعمدة استراتيجية التحول الرقمي منذ أكثر من 15 عاما، ولا توجد استراتيجية رقمية من غير عنصر الابتكار. وتمثل المنصات الرقمية تحولا في كيفية ارتباط المنظمات والشركات ببعضها بعضا، من نماذج الأعمال الخطية "التقليدية"، إلى نماذج الأعمال الأكثر ارتباطا بالمنصات.
إن أحد التوجهات التي تم الترويج لها هي فكرة الابتكار المفتوح، وهو النموذج الذي يمكن للشركات استخدام الأفكار الخارجية، إضافة إلى التطوير الداخلي، من أجل تفعيل المسارات الداخلية والخارجية والتسويق حين تتطلع الشركات إلى تطوير تقنيتها. وتعرف منصات الابتكار المفترح على استخدام المعارف الجماعية وموارد الجهات الداخلية والخارجية في تطوير وابتكار نموذج عمل جديد. وصاغ الدكتور هنري تشيسبروج، أستاذ كلية هاس للأعمال جامعة كاليفورنيا، المفهوم الحديث للابتكار المفتوح في أوائل العقد الأول من القرن الـ21.
لقد كانت لدى موقع ماي سبيس MySpace حركة مرور كثيفة من ناحية عدد الزوار، وأعلى من موقع فيسبوك، لكن الأخير تحرك نحو استراتيجية الابتكار المفتوح، بينما ظل "ماي سبيس" منصة داخلية ومغلقة أمام المطورين الخارجيين، وكانت النتيجة ازدهار موقع فيسبوك وفقد "ماي سبيس" مكانه.
في نيسان (أبريل) 2008، وصل "ماي سبيس" و"فيسبوك" إلى 115 مليون مستخدم، لكن "ماي سبيس" خسر بفارق ضئيل أمام "فيسبوك" الناشئ حديثا من حيث عدد المستخدمين، ثم تجاوز "فيسبوك" موقع "ماي سبيس" في أيار (مايو) 2009 في عدد الزوار من الولايات المتحدة فقط، ويعود الفضل إلى فتح "فيسبوك" مصادره واتباع استراتيجية الابتكار المفتوح.
تقوم منصات الابتكار المفتوح على بناء نموذج عمل أفضل، وإذا أنشأنا أفضل الأفكار في الصناعة، فستزداد الأرباح تباعا من خلال الاستفادة من الابتكارات الداخلية والخارجية.
لو نظرنا بعين سوداء ومغلقة، سنقول إنه يجب أن تتحكم المنظمات في الملكية الفكرية لها حتى لا يستفيد المنافس من أفكار المنظمة الداخلية.
لكن على الجانب المشرق، ستستفيد المنظمات من استخدام الآخرين بروتوكول الملكية الفكرية الخاص بالمنظمة، بل يجب عليها شراء الملكية الفكرية الخاصة بالآخرين عندما تتناسب مع نموذج الأعمال.
وعليه تقوم فكرة منصات الابتكار المفتوح على السماح للآخرين ببناء أفكارهم وإبداعاتهم على محتويات المنظمة وتحدياتها.
دعونا نرى المعركة بين Google Android وApple IOS وفيها من الدروس الرائعة لتوضيح تأثير قرارات الانفتاح التي تتخذها المنظمات والشركات.
لقد جعلت "جوجل" نظام أندرويد مفتوح المصدر، وأي شركة مصنعة لها الحرية في اعتماده وتكييفه وتضمينه في أنظمتها وطرحه في السوق.
من ناحية أخرى، تحكمت "أبل" في النظام حيث يعمل iOS فقط على الأجهزة التي توفرها "أبل". وإذا نظرنا إلى مبيعات الأجهزة قبل عشرة أعوام، سنرى أن "أبل" استحوذت على أرباح الصناعة لأنها قادرة على الحفاظ على أسعار الهواتف مرتفعة، بينما ظلت هواتف أندرويد أقل تكلفة في البدايات، وهذه الفجوة هي الفرق الذي تستطيع "أبل" دعمه لأنهم احتفظوا بنظام مغلق.
وتفوقت شركة أبل في البداية على نظام أندرويد بشكل هائل، وهذا ليس مفاجئا لأن أندرويد كان الوافد الأخير في السوق، لكن استغرق الأمر بعض الوقت لكي يلحق نظام أندرويد بالركب وتحديدا في 2013، وذلك حين تجاوز عدد تطبيقات أندرويد التي توفرها أبل في 2014. وفي الربع الأخير من 2022، حافظ نظام أندرويد على مكانته باعتباره نظام تشغيل الأجهزة المحمولة الرائد في جميع أنحاء العالم، وسيطر على سوق أنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة بحصة تقترب من 71.8 في المائة، بينما استحوذ نظام IOS على نحو 27.6 في المائة من السوق.
لقد كان لمنصات الابتكار المفتوح مفعول السحر في العمل على بنية المنصات الرقمية من مغلق إلى مفتوح، وطرح مجموعة من حقوق الملكية الفكرية من المغلقة إلى المفتوحة.
ولو نظرنا إلى شركة تسلا موتورز، فإن "تسلا" تطبق منصة الابتكار المفتوح والعملية المقترنة به من خلال إنشاء تعاون في البحث والتطوير مع المنظمات الكبرى، وتمكنت بهذه الطريقة من تطوير تقنياتها المبتكرة والبقاء على عرش المركبات الكهربائية في العالم.
وعلى الرغم مما قيل سابقا، سيكون من الصعب جني فوائد الابتكار المفتوح دون أهداف واضحة للمنظمة، لذلك من الضروري تحديد حقوق الملكية الفكرية من خلال حصر مساحة الابتكار والتحكم في المنصة، كما فعل أندرويد ووضع قواعد وشروطا مكتوبة، والأهم هو رسم تصور واضح للملكية الفكرية مع استخدام اتفاقيات عدم إفشاء الأسرار.
وبدراسة أهم معوقات تطبيق منصات الابتكار المفتوح في المملكة والعالم، نرى أنها تتمحور في أربعة عناصر: الأول هو معوق استراتيجي، حيث يسير بعض المنظمات من غير أهداف واقعية أو خطة استراتيجية. والمعوق الثاني هو تشغيلي، حيث تغيب عمليات الابتكار، كإجراء داخل هيكل المنظمة، بل قد لا يكون هناك أي أدوات أو موارد تساعد المنظمة نحو فتح منصة الابتكار للجمهور.
ويعد الجانب القانوني من أهم المعوقات، حيث تغلب فكرة منصة الابتكار المغلق منعا لأي تسرب ملكية فكرية من المنظمة، أو قد يكون السبب هو عدم وجود شروط تنظيمية لحوكمة المنصة. وآخر المعوقات وأخطرها هو الثقافي، حيث إن عدم وجود مشاركة للجمهور في المنصة أو من عموم المنظمة، وغياب الحافز للمنافسة، يعدان أمرين معوقين لانطلاق منصة الابتكار المفتوح، بل إن غياب الالتزام من إدارة وقيادة المنظمة ينذر بفشل منصة الابتكار المفتوح من البداية.
في الختام، يجب التنويه بأهمية إقامة تحديات الابتكار المفتوحة، مثل الهاكاثون والمسابقات المحلية في عموم صناعات رؤية المملكة 2030، التي سيكون لها الأثر إذا وجدت من يشجع الفائزين على مواصلة الإبداع وانخراطهم في تطوير المنتجات والخدمات.