البشرية تسير غافلة نحو كارثة تكنولوجية عصبية
في حزيران (يونيو) الماضي، عندما أسقطت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قضية رو ضد ويد "التي كان حكمها يعطي المرأة الحق في اختيار الإجهاض"، بدأت النساء حذف تطبيقات تتبع الدورة الشهرية من هواتفهن. مع توقع أن يصبح الإجهاض غير قانوني في بعض الولايات، خفن من استخدام البيانات لمقاضاة اللاتي تسعين إلى الإجهاض. هل كان هذا رد فعل مبالغا فيه، أم مجرد إدراك أننا دخلنا عصر الإلكترونيات الأورويلية؟ "نسبة إلى جورج أورويل مؤلف رواية 1984".
لدى كثير منا شعور مخيف وغامض بأن أجهزتنا قد تكون ضدنا. في 2016، اتهم رجل بإحراق منزله في ولاية أوهايو بعد أن القى جهازه لتنظيم ضربات القلب الشكوك حول مطالبته التأمينية بحريق عرضي. بعد ذلك بعامين، وجد أن أفرادا عسكريين أمريكيين يكشفون عن غير قصد مواقع قواعد الجيش السرية عبر تطبيق سترافا للياقة البدنية.
لكن لم تمنعنا هذه القصص من الكشف عن بياناتنا. نحن نسمح بكل سرور للتطبيقات بالوصول إلى موقعنا وسجلات المكالمات والمعلومات الأخرى لأننا لا نتحلى بالصبر للوصول إلى أي خاصية جديدة سريعة نرغب فيها. لكننا بحاجة إلى الحكمة، لأن تحديا جديدا مقبلا،: كيف نحمي بيانات أدمغتنا.
يتدفق الاستثمار على "التكنولوجيا العصبية" التي يمكنها تسجيل النبضات الكهربائية الصادرة عن الجهاز العصبي وتحليلها. توفر واجهات الدماغ-الحاسوب فوائد هائلة، كالمساعدة على تعافي مرضى السكتة الدماغية وتقليل نوبات الصرع. يستخدم لاعبو الفيديو أجهزة التخطيط الكهربائي للدماغ التي توضع على الرأس، وتتعقب الموجات الدماغية، للتحكم في الشخصيات التي تظهر على الشاشة. ويمكنها أيضا التعرف على اللحظة التي يفقد فيها سائقو الشاحنات التركيز. تستخدم أكثر من خمسة آلاف شركة في مجالات التعدين والبناء والصناعات الأخرى من أستراليا إلى جنوب إفريقيا هذه التكنولوجيا للتأكد من أن موظفيها يقظون ومستيقظون.
هنا أشعر بالصدمة. في جعل السائقين يرتدون هذه الأجهزة، قد تنقذ الشركات الأرواح. لكنها تبدو أيضا وكأنها أداة محتملة للقمع- أداة يمكن تطبيقها بسهولة على أي موظف آخر يرغب رئيسه في معرفة متى يشرد ذهنه.
تتفق مع ذلك عالمة الأعصاب نيتا فراهاني، أستاذة القانون والفلسفة في جامعة ديوك. في كتاب جديد لها بعنوان "معركة حماية دماغك، الدفاع عن حق التفكير بحرية في عصر التكنولوجيا العصبية"، تتنبأ بعالم يتحد فيه الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب لغزو خصوصيتنا العقلية. هناك مخاوف من أن الحزب الشيوعي الصيني قد يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل تعابير الوجه وإشارات الدماغ للحكم على ولاء أعضاء الحزب. إن القدرة الجديدة على تتبع ما يجري في الدماغ البشري وفك شفرته تتطلب حديثا جادا حول كيفية استخدامها.
تعتقد فراهاني أن التكنولوجيا العصبية مهيأة لأن تصبح "وحدة تحكم عالمية" لجميع تفاعلاتنا مع التكنولوجيا. طورت شركة ناشئة في نيويورك تدعى سي تي آر إل-لابس، اشترتها شركة ميتا، سوارا عصبيا يسمح لمرتديه بتشغيل الحاسوب أولا عن طريق حركات صغيرة للأصابع، ثم عن طريق الكشف عن نية الحركة. كما تصنع شركة نكست سينس، التي أنشأتها شركة ألفابت، سماعات أذن يمكنها اكتشاف البيانات العصبية.
إن هذه ليست قراءة للأفكار حتى الآن. النبضات الكهربائية في الدماغ ليست هي الأفكار، ولا يمكن أن تعمل واجهات الدماغ-الحاسوب كأجهزة كشف الكذب. رغم ذلك، تحذر فراهاني من أن "الخوارزميات تتحسن في ترجمة نشاط الدماغ إلى ما نشعر به أو نراه أو نتخيله أو نفكر فيه".
يتردد صدى ذلك في ورقة بحثية جديدة من مؤسسة تشاتهام الفكرية. يجادل البحث بأنه بينما يقدم الذكاء الاصطناعي فوائد هائلة، فإن مخاطره تشمل "اضمحلال الحريات الفردية عبر المراقبة واسعة الانتشار، واستبدال الفكر والحكم المستقلين بالسيطرة الآلية". يذكر التقرير أيضا أن القليل من استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الكثيرة ومبادئ الحوكمة العديدة التي يتم تطويرها تذكر حقوق الإنسان. مع ذلك، فإن الحق في حرية الفكر يشمل الحق في الحفاظ على خصوصية أفكارنا، وعدم معاقبتنا عليها.
لا يزال الجدل حول كيفية تنظيم التكنولوجيا العصبية في مهده. لكن عددا من العلماء يضغطون من أجل "الحقوق العصبية". يدافع عالم الأعصاب رافائيل يوستي عن الحق في الخصوصية العقلية، "حتى لا يتم فك شفرة محتوى نشاطنا العقلي دون موافقتنا". لقد أصبحت تشيلي أخيرا أول دولة في العالم تدخل الحقوق العصبية في دستورها، وستصدر قريبا تشريعات لتنظيم التكنولوجيات التي تسجل نشاط الدماغ أو تغيره.
بالنظر إلى ماضيها القريب الشمولي، قد تكون مدينة سانتياجو أكثر وعيا بالمخاطر من واشنطن أو لندن. تميل الديمقراطيات القديمة إلى إجراء الحديث نفسه حول كل تكنولوجيا جديدة. الخبراء يمجدون الفوائد، والمستثمرون يتراكمون، والاعتبارات الأخلاقية متروكة للجان المملة والحكومات التي لا تستطيع المواكبة.
لقد تركت عواقب سلبيتنا لفترة طويلة تجاه وسائل التواصل الاجتماعي مجتمعاتنا تتصارع مع سلوكيات مزعجة للغاية، من الهوس بصورة الجسد إلى الراديكالية والانتحار. يجب ألا نرتكب الخطأ نفسه مع بيانات الدماغ. قد تكون التكنولوجيات محايدة، لكن الجنس البشري ليس كذلك بالتأكيد. هذا ليس شيئا أقوله كثيرا، لكن في حالة التكنولوجيا العصبية، اجلبوا المحامين.