رغم الوضع الاقتصادي القاتم .. شركات الطيران تتحدى الجاذبية
على الرغم من أن الاقتصاد العالمي يشهد ضعفا والتضخم يفاقم من أزمة تكلفة المعيشة، فإن تتحدى شركات الطيران الجاذبية. يبدو أن هناك طلبا قويا على الطيران في جميع أنحاء العالم.
تتباهى شركات الطيران منخفضة التكلفة في أوروبا بفورة قياسية في الحجوزات، حيث لا تستطيع شركات الطيران الأمريكية إيجاد طائرات كافية لتلبية الطلب، كما قررت شركة أير إنديا أن الوقت قد حان للتقدم بواحدة من أكبر طلبات شراء الطائرات في التاريخ، حتى متاجر برايمارك اشتركت في هذا الحدث، إذ أعلنت الأسبوع الماضي مبيعات قوية للأمتعة وملابس البحر.
إضافة إلى ذلك، الركاب يدفعون أسعارا مرتفعة مقابل التذاكر، وهو ما يساعد شركات الطيران الكبرى على العودة إلى تحقيق الربح، كما أن مايكل أوليري، رئيس شركة رايان أير، الذي يجسد مفهوم التذاكر المخفضة، قد أعلن انتهاء حقبة الرحلات الجوية الرخيصة جدا.
هذه المرونة المذهلة أربكت المستثمرين، الذين باعوا أسهمهم في شركات الطيران في النصف الثاني من العام الماضي، عندما كانت التوقعات الاقتصادية قاتمة، مع علمهم أن شركات الطيران لم تكن أبدا محصنة بالكامل ضد التقلبات الاقتصادية الشاملة.
عادة ما ترتبط ثروات الصناعة ارتباطا وثيقا بنمو الناتج المحلي الإجمالي والدورات الاقتصادية. ولأشهر، كان هناك شعور أن بعض المديرين التنفيذيين والمحللين كانوا في حالة قلق شديد في انتظار التصدعات الأولى في الطلب. مع ذلك، هناك علامات تشير إلى أن الرحلات الجوية قد يكون أمامها مجال أكبر للنمو.
من الواضح أن هذه البيئة ليست طبيعية. لم تؤثر الجائحة على الطلب على رحلات العطلات الخارجية، مهما كانت العطلات المحلية ممتعة، بل على العكس زادتها. أو كما قال أوليري في ذروة الأزمة: "كل من كان محبوسا في مكان إقامته ثم ذهب في عطلة إلى بوجنور ريجيس سيرغب في الذهاب إلى البرتغال وإيطاليا واليونان".
علاوة على ذلك، كما أشار محللون في مصرف باركليز، فإن أغلبية من يسافر جوا هم المسافرون الأكثر ثراء على أية حال، وهم الأشخاص الذين عادة ما يذهبون في رحلات متعددة سنويا، ما يعني أن المستهلكين الرئيسين في الصناعة منعزلون عن أسوأ ما في أزمة تكلفة المعيشة.
بصراحة، جزء كبير من السكان، الذي سيتضرر كثير منهم بشدة جراء التضخم، نادرا ما يسافرون على أي حال. أكثر من ثلث سكان المملكة المتحدة لم يذهبوا في عطلة خارجية على الإطلاق في 2019، وفقا لاتحاد "أيه بي تي أيه" للسفر.
لكن في المقابل، لا يزال أصحاب الدخل المرتفع المحظوظون لا يستهلكون مدخراتهم، التي تراكمت خلال فترة الجائحة. قدر محللون في مورجان ستانلي في كانون الثاني (يناير) أن الأسر الأمريكية أنفقت في 2022 ما يقارب 30 في المائة من "المدخرات الفائضة" التي بلغت في مجموعها 2.7 تريليون دولار، ما يترك لهم حصانة كبيرة من التضخم.
في الوقت الحالي، تبدو هذه العوامل التي تعزز الطلب المكبوت على السفر لغايات الترفيه قوية. لكن، حتى لو تلاشت هذه العوامل، فلا يزال لدى شركات الطيران نوعان اثنان من المسافرين لتستعين بهم.
أولا، هناك انتعاش يشهده السفر لأغراض العمل، حتى لو لم يكن في الإمكان استرداد بعض منه بالتأكيد بسبب العمل عن بعد ومخاوف الشركات المتزايدة بشأن البيئة. قالت شركة أيه آي جي المالكة للخطوط الجوية البريطانية الشهر الماضي إن رحلات العمل عادت إلى 70 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة، وهي تستهدف العودة إلى 85 في المائة منها.
ثانيا، من بعض الركاب الأكثر أهمية على الإطلاق هم الذين يسافرون لزيارة الأصدقاء والأقارب، وعادة ما يكونون مغتربين عادوا إلى الوطن. يمكن أن تبلغ هذه الآثار الجانبية للعولمة إلى ما يصل إلى 30 في المائة من جميع الركاب، وقد أثبتت قدرتها على الصمود.
إلى جانب نظرة اقتصادية أكثر إشراقا إلى حد ما، يمكن أن يكون التحدي الأكثر صعوبة في هذه الصناعة هو تحديد عدد الطائرات الإضافية التي ستطير.
تجاوز كثير من شركات الطيران منخفضة التكلفة بالفعل مستويات الطيران، التي كانت عليها قبل الأزمة، لكن شركات الطيران الكبرى كانت أكثر حذرا. وتقترب السعة الصيفية في أوروبا من مستويات 2019، ولكنها تنمو ببطء 8 في المائة سنويا للرحلات الإقليمية، وفقا لبنك باركليز.
أدت بعض العوامل إلى تقييد السعة على مستوى العالم، خاصة نقص الموظفين والطائرات وقطع الغيار، لم تكن الموجات المتكررة من اضطرابات السفر عاملا مساعدا.
خلقت قيود العرض هذه ظروفا مواتية لأرباح شركات الطيران، حيث سمحت الزيادة في الطلب لشركات الطيران برفع أسعار التذاكر، وفقا لبريان بيرس، كبير الاقتصاديين السابق في اتحاد النقل الجوي "إياتا".
لكن مع عودة بيئة العرض إلى طبيعتها وتوافر مزيد من الطائرات، من المتوقع أن يتراجع النمو المطرد في الأسعار، ما يضغط على الهوامش.
شهدت أسهم شركات الطيران انتعاشا قويا أخيرا، حيث ارتفع مؤشر شركات الطيران العالمي إم إس سي آي 27 في المائة منذ أيلول (سبتمبر)، لكنه لا يزال أقل بمقدار الثلث من مستويات ما قبل الجائحة. أضرت الصناعة المستثمرين من قبل، وزادت الجائحة من ضعفها أمام الصدمات غير المتوقعة.
لكن في الوقت الحالي، ربما تحلق شركات الطيران، التي عانت طويلا، وأسعار أسهمها.