تيم بيك والعيش على المريخ .. خيالي أم ممكن؟
تيم بيك هو جزء من تاريخ الفضاء في المملكة المتحدة. كان بيك أول رائد فضاء بريطاني يعمل مع وكالة الفضاء الأوروبية وأول رائد فضاء بريطاني يقوم بالسير في الفضاء. شارك بيك في ماراثون لندن، ولكنه ركض أثناء دورانه في محطة الفضاء الدولية من على بعد 400 كيلو متر، لكن بعد تقاعده حديثا من بعثات وكالة الفضاء الأوروبية، يريد بيك أن يضع الماضي في المنظور الصحيح، "ستكون الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة في استكشاف الفضاء أكثر إثارة من الأعوام الـ50 الماضية".
من المتوقع أن تمشي أول امرأة وأول شخص من غير البشرة البيضاء -من الولايات المتحدة- على سطح القمر بحلول 2025. سيتبعهما بوقت قصير الأوروبيون الأوائل، على الأرجح من فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا، أكبر البلدان الممولة لوكالة الفضاء الأوروبية. لدى وكالة "ناسا" خطط لإقامة مستوطنات دائمة على القمر بحلول 2030، وإطلاق بعثات مأهولة إلى المريخ. تبدو مثل هذه الاحتمالات خيالية تقريبا، نظرا لمخاوفنا المباشرة: كيف يمكننا إبقاء الناس على سطح القمر في حين لا يمكن للمملكة المتحدة حتى إبقاء الخيار في محال السوبر ماركت؟ لكن بيك، رجل نحيل ومهذب قضى معظم حياته المهنية في الجيش، مقتنع: "لا أرى مطلقا أننا نواجه مشكلة في الوصول إلى المريخ وإنشاء بيئات آمنة عليه".
لا يفهم الجميع المغزى من ذلك. يقول معظم البريطانيين والأمريكيين إنهم ليسوا مهتمين بالذهاب إلى القمر. هل يلتقي بيك كثيرا من الأشخاص الذين مثل مؤسس "سبيس إكس" إيلون ماسك، يقولون إنهم سيعيشون ويموتون في مستعمرة على كوكب المريخ؟ "لا"، علاوة على ذلك، " ليس هذا النوع من الأشخاص الذي نختاره في وكالة الفضاء". في العام الماضي، ساعد بيك في اختيار فريق جديد من رواد الفضاء الأوروبيين. "لا نبحث عن الأشخاص الذين يسعدهم التخلي عن كل شيء من أجل تذكرة بلا عودة إلى المريخ، بل نبحث عن أشخاص واعين ومدركين للغاية لأهمية تقليل المخاطر".
في حين أن وعد ماسك الطنان باستعمار المريخ يتصدر عناوين الصحف، فإن بيك يوضح وجهة النظر الرصينة خطوة بخطوة لاستكشاف الفضاء "علينا تجاوز عقبات الوصول إلى المريخ بأمان، والهبوط بأمان، وإنشاء بيئات يمكننا العيش فيها، ثم زيادتها".
تقاعد بيك من مسيرته المهنية بصفته رائد فضاء في وكالة الفضاء الأوروبية بعد تقبله فكرة أنه من غير المحتمل أن يتم اختياره في بعثة إلى القمر. تقترب محطة الفضاء الدولية، التي عاش فيها لمدة ستة أشهر، من نهاية خدمتها. لكن الآن بصفته سفيرا لوكالة الفضاء الأوروبية، فإنه يريد أن يستمر نموذج التعاون الدولي الخاص بها.
"لقد نجح الفضاء دائما في تخطي تلك التوترات السياسية، التي نشهدها على الأرض"، كما يقول، مستشهدا بالبعثة الأمريكية السوفيتية المشتركة 1975. "حتى في هذه الأيام، لدينا رواد فضاء غربيون يتدربون في ستار سيتي بالقرب من موسكو، ولدينا رواد فضاء روس لا يزالون يطيرون على متن مركبات شركة سبيس إكس". في محطة الفضاء الدولية، وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية، "يعتمد القسم الروسي كليا على القسم الأمريكي والعكس صحيح".
تكمن المشكلة في عدم وجود قواعد تحكم الفضاء. إن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 "ليست مناسبة حقا للغرض"، في عصر وفرة الأقمار الصناعية والمشاريع التي تجني الأرباح. رفضت روسيا والصين دعم اتفاقيات أرتميس لوكالة "ناسا"، التي من شأنها أن تدعم الشركات التي تستغل الموارد القمرية. "نحتاج لمجموعة جديدة من اللوائح التنظيمية التي تدرك العصر التجاري الذي نعيش فيه. نحتاج للعمل بجد أكبر".
كان بعض رواد الفضاء يحلمون بالفضاء منذ الطفولة، بينما وجد آخرون أنفسهم في المكان المناسب بالمهارات المناسبة. كان بيك واحدا من هؤلاء. لقد تخرج من المدرسة بدرجات أقل من المتوسط. "تمكنت من أن أصبح رائد فضاء. هناك دائما طريقة ما".
انضم بيك للجيش، وكان مفتونا بالطيران وتدرب كطيار هيلوكوبتر. نظرا لأنه لم يلتحق بالجامعة، عوض ما فاته في الرياضيات وديناميكيات الطيران من خلال الدقة المطلقة: قراءة الكتب مرارا وتكرارا حتى يفهمها.
يتمثل حظ بيك في تزامن مسيرته المهنية مع استثمار المملكة المتحدة في برنامج رحلات الفضاء البشرية التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. أدى ذلك إلى انطلاقه إلى محطة الفضاء الدولية في كانون الأول (ديسمبر) 2015. وتم اختياره جزئيا لأنه كان ينظر إليه على أنه شخص مناسب ليقضي الوقت معه في أماكن ضيقة. كانت هناك "لحظات مفزعة للغاية": التحام خطر، وتسرب المياه إلى خوذة زميله رائد الفضاء أثناء السير في الفضاء. لكن في غضون فترة ستة أشهر، "لم يكن هناك جدال واحد. نمر بتدريب مكثف: يتعلق جزء كبير منه بمهارات التعامل مع الآخرين. نتدرب سبعة أيام في كهف و12 يوما تحت الماء. التدريب في الكهف على وجه الخصوص، من حيث البرودة والرطوبة والتعب والجوع، يكاد يكون مصمما لإثارة المواجهة".
في الفضاء، التواصل عامل أساسي "من المهم أن يكون هناك كل يوم جلسات إحاطة واستعلام وأن تشعر أنه يمكنك إثارة أي قضايا".
من بين رواد الفضاء الأوروبيين المتدربين الجدد جون ماكفول، الطبيب الذي فقد ساقه اليمنى في حادث دراجة نارية، الذي سيكون، إذا نجح، أول رائد فضاء ذو إعاقة. يقول بيك: "الفضاء بيئة تتكافأ فيها الفرص تماما. لا يوجد إنسان مهيأ تماما للفضاء. ما يمكن أن يعد إعاقة هنا على الأرض، قد يكون قدرة في الفضاء". ساق ماكفول الاصطناعية "ستكون رائعة في محطة الفضاء": إذا أضيف لها مشبك عليها، فإنه يمكن ربطها بمقبض والسماح له بالبقاء مستقرا أثناء العمل. أما رواد الفضاء الآخرين فيتعين عليهم، كما يقول بيك: "ربط أقدامنا أسفل القضبان، ما يتعب الجزء العلوي من قدميك – ويكون جلدك مثل جلد السحلية، إنه أمر مروع للغاية". "في الوقت نفسه، يصبح باطن أقدامهم مثل أقدام الأطفال لأننا لا نستخدمها على الإطلاق".
الذهاب إلى الفضاء هو المرور "بعملية تقدم في العمر سريعة"، مصحوبة بمزيد من الضغط على الدماغ وإجهاد البصر. يتلاشى هذا في الغالب بعد مرحلة العودة. "الأمر الوحيد الذي ستعيش معه دائما هو الجرعة الإشعاعية التي تلقيتها"، يبلغ بيك من العمر 50 عاما. هل يبلغ متوسط عمره المتوقع مثل متوسط شخص لم يسبق له السفر إلى الفضاء؟ "لم يكن لدينا كثير من رواد الفضاء الذين أمضوا ستة أشهر في الفضاء والذين عاشوا حتى الآن إلى الـ 80 أو الـ 90 عاما، لذلك نحتاج إلى النظر في التأثير طويل المدى". هناك أسئلة أكبر حول ما إذا كان باستطاعة البشر العيش لأعوام في الفضاء أو حتى التكاثر هناك.
من الواضح أن الحياة في المستوطنات على القمر والمريخ "لن تكون مريحة". على المريخ، من المحتمل أن يعيش البشر تحت الأرض. يعيش بيك حاليا، وهو شخص يحب الهواء الطلق، مع عائلته بالقرب من منطقة ساوث داونز الريفية في إنجلترا. لكن في محطة الفضاء "لا توجد مساحات خضراء. هناك ملصق في القسم الروسي لأشجار وحقل أخضر وبعض زهور عباد الشمس. في ليالي الجمعة، كنا نجتمع هناك ونتناول الطعام، في النهاية كنا نحدق جميعا في هذا الملصق بشوق، لتذكيرنا بالمكان الذي أتينا منه. هناك حاجة إنسانية لأن نكون محاطين بالطبيعة وسيكون ذلك تحديا نفسيا يجب التغلب عليه. إننا نستكشف الواقع الافتراضي والواقع المعزز على متن المحطة الفضائية لمساعدتنا في العمل، لكن أيضا لنحظى ببعض المتعة".
ما الذي يجب على سائحي الفضاء فهمه من هذه المقارنة؟ بالنسبة إلى الذين سيسافرون مع شركة بلو أورجين لجيف بيزوس، أو فيرجين جالاكتيك لريتشارد برانسون، لبضع دقائق "ستجربون شعور انعدام الوزن، وسترون سواد الفضاء، وسترون تحدب الأرض. لكن المحطة الفضائية تكون عالية أكثر من أربعة أضعاف علو المحطة السياحية وستكونون في مدار دائم حول الكوكب. إنها مستوى آخر يفوق ما يمكن أن يتلاقاه السائح".
أرسلت شركة سبيس إكس، التي يملكها ماسك، بعثة إلى مدار يبعد عن الأرض أكثر من محطة الفضاء الدولية. لكن هذا لم يستمر سوى ثلاثة أيام. يقول بيك إنه على مدار ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية، "يصبح الفضاء متأصلا فيك". لا يمكن مقارنة تجربته الخاصة مع أولئك الذين ذهبوا إلى القمر. "ولا يمكن مقارنة تجربة الذهاب إلى القمر مع أول طاقم سيذهب إلى المريخ، ويشاهد الأرض تختفي حتى تصبح مجرد بقعة صغيرة من الضوء".
إذن، هل تستحق رحلات شركة فيرجين جالاكتيك التي تكلف 450 ألف دولار كل ذلك؟ إذا كان لديه المال، فهل سيدفع ثمنها؟ "بالنسبة لي، أعتقد أن رحلة الفضاء ينبغي أن تكون من أجل بحث علمي، وينبغي أن تكون هناك فائدة فيها للناس على الأرض". كما يأمل في الحصول على فرصة أخرى: "لا أستبعد أن أكون على بعثة مستقبلية. هناك كثير من الأمور التي تحدث في بيئة الفضاء التجارية".
جادل مارتن ريس، عالم الفلك البريطاني الملكي، بأن رواد الفضاء البشريين الممولين من القطاع العام سيكونون زائدين عن الحاجة لأن الروبوتات يمكنها استكشاف الفضاء بتكلفة أقل. يقول بيك: "أعتقد أن الأمر سيكون عكس ذلك. إذا تقدمنا بالزمن 500 عام، وإذا نجت الأجناس البشرية، أعتقد أنك ستجد كثيرا من البشر يعيشون في الفضاء، إما في المحطات الفضائية وإما على الأجرام السماوية".
البعثات الروبوتية "تمهد الطريق"، لكنها ليست أرخص بكثير: إذ غالبا ما تكلف المليارات. يقول بيك إنها تجمع أيضا بيانات أقل. "ما يمكن للإنسان أن يفعله في يوم واحد على سطح المريخ يساوي ما يمكن أن تحققه بعثة روبوتية في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام، من حيث مسح التضاريس والتقاط العينات وتحليلها. البشر أفضل بالتأكيد". إضافة إلى أن وجود البشر على كوكب آخر من شأنه أن يكون "مصدر إلهام كبيرا، فيما يتعلق بما نفعله كجنس بشري".
يريد ماسك أن يصبح البشر سكان عدة كواكب للحماية من نهاية العالم على الأرض، كما جادل بيزوس بأن الفضاء يمكن أن يكون المكان الذي يتخلص فيه البشر من أنشطتهم الأكثر تلويثا، ويريد اللاعبون التجاريون الآخرون استخراج الموارد. ما هو المبرر الأكثر إقناعا؟ يؤكد بيك، كما تؤكد وكالات الفضاء الوطنية، على ما يمكن أن يفعله الفضاء للأرض، "سيخبرنا القمر كثيرا عن كوكبنا".
قد يساعدنا الهيليوم-3 على إنتاج طاقة الاندماج. توفر الأقمار الصناعية بيانات عن المناخ والتنوع البيولوجي. قد تساعد الجاذبية المنخفضة شركات الأدوية على تطوير بروتينات أفضل مسببة للأمراض، التي يمكن من خلالها تطوير الأدوية، "سنرى باستمرار أن الفضاء يلعب دورا أكبر بكثير في حل كثير من المشكلات التي نواجهها هنا على الأرض".
تتمثل الحجة المضادة في أنه يمكننا الحصول على كثير من هذه المزايا دون الاقتراب من المريخ، علاوة على ذلك، يعد تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي من المشكلات الملحة، التي ينبغي أن نركز كل مليار إضافي فيها على التكنولوجيات المعروفة التي يمكن تنفيذها الآن.
يجادل بيك بأن ميزانيات الفضاء الوطنية "مبررة". "في الستينيات، كانت ميزانية الفضاء الأمريكية تبلغ تقريبا 4.5 في المائة من الإنفاق الفيدرالي. أما اليوم فتبلغ 0.5 في المائة. هذا صحيح -ليس هناك حاجة ملحة في أي شيء يحدث حاليا". مع ذلك، ينبغي أن نفكر بشكل كبير: "سنواجه دائما مشكلات على الأرض. خلال 200 عام، سنواجه مشكلات جديدة. أن نقول إننا بحاجة فقط إلى التركيز على ما هو أمامنا مباشرة، على حساب كل شيء آخر، هو خطأ فادح".