رغم المحفزات الصعودية .. أسعار النفط تسجل رابع خسارة شهرية في فبراير
سجلت أسعار النفط الخام رابع خسارة شهرية على التوالي في شباط (فبراير)، على الرغم من وجود بعض المحفزات الصعودية التي تلوح في الأفق في آذار (مارس) الجاري، فيما سجلت المخزونات النفطية ثمانية أسابيع من النمو المتوالي.
ورغم ذلك، تتلقى أسعار النفط الخام دعما قويا خلال العام الجاري من تمسك تحالف دول "أوبك +" بتخفيضات الإمدادات وتقليص المعروض النفطي، الذي يتزامن مع النمو المحدود لإمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة، بينما على جانب الطلب تتفاءل السوق بشدة مع إعادة فتح الصين، ما جعل مؤسسة أبحاث "بوفا" الدولية تتوقع أن يبلغ متوسط أسعار خام برنت 88 دولارا للبرميل في 2023 و90 دولارا للبرميل في 2024.
وفى ظل الصراع الروسي - الغربي، أوقفت روسيا صادرات النفط إلى بولندا عبر خط الأنابيب، لكن بولندا أكدت أن روسيا لا تمثل سوى 10 في المائة من الإمدادات، وستستفيد من مصادر أخرى لاحتياجات مصافيها.
ومن المرجح أن تتعافى أسعار النفط الخام بوتيرة سريعة خلال العام الجاري مع خفض الإنتاج الروسي بنحو 500 إلى 600 ألف برميل ردا على العقوبات الغربية، كما تكتسب حركة السفر والتنقل في منطقة آسيا زخما خلال الأشهر الـ18 المقبلة.
وبحسب تقارير دولية، فإنه إذا تجنبت أوروبا والولايات المتحدة مخاوف وتوقعات الركود فقد يزيد استهلاك النفط العالمي على أساس سنوي بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا في 2023 و1.4 مليون برميل يوميا في 2024.
ويقول مختصون نفطيون، إن نقص الاستثمار الهيكلي في قطاع الطاقة سيؤدي إلى زيادات محدودة في العرض، مشيرين إلى أن أسعار النفط تتلقى دعما أيضا من زيادة الانضباط الرأسمالي في صناعة النفط العالمية.
ورجح المختصون عدم حدوث ارتفاع كبير في أسعار النفط، لكن لا يزال هذا ممكنا إذا واجهت روسيا أو منتج آخر اضطرابا كبيرا، مشيرين إلى توقع بنك "ستاندرد تشارترد" أن يسجل متوسط سعر خام برنت مستوى 91 دولارا للبرميل خلال العام الجاري و98 دولارا للبرميل في العام المقبل.
وفى هذا الإطار، ذكر لـ"الاقتصادية" سيفين شيميل مدير شركة "في جي أندستري" الألمانية، أن تقلبات أسعار النفط الخام مستمرة في ظل وجود عدد من العوامل القوية في السوق ومتضادة التأثير، موضحا أنه في غياب أي أحداث جيوسياسية كبيرة سيكون من الصعب على أسعار النفط اختراق مائة دولار هذا العام.
ونوه إلى أن ميل الأسعار إلى الانخفاض يرجع إلى مخاوف التجار من ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، التي تفوقت في تأثيرها على حدوث انتعاش في الطلب في الصين، لافتا إلى شعور المستثمرين بالقلق من أن بيانات التضخم الأخيرة في الولايات المتحدة ستجبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي على الاستمرار في رفع أسعار الفائدة، ما يعيق الطلب على النفط الخام مع تباطؤ الاقتصاد.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" روبين نوبل مدير شركة أوكسيرا الدولية للاستشارات، إن الطلب الصيني وراء استعادة وتيرة المكاسب نسبيا في سوق النفط، حيث تظهر البيانات الصادرة من الصين ازدهارا في التنقل منذ أن رفعت الدولة تدابير احتواء فيروس كورونا، مشيرا إلى أن السوق النفطية تضع عينيها نصب عدد من العوامل المهمة، في مقدمتها توقعات الإمدادات من روسيا وإعادة فتح الصين ومسار السياسة النقدية.
وأشار إلى تقارير دولية رصدت أن دول شمال إفريقيا أصبحت منفذا رئيسا لتصدير الديزل الروسي وغيره من المنتجات البترولية بعد أن دخل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات الوقود الروسي حيز التنفيذ في أوائل فبراير الماضي، حيث بدأت الدول الإفريقية المطلة على البحر الأبيض المتوسط وكذلك تركيا في الحصول على مزيد من الوقود الروسي حتى قبل الحظر الغربي.
من ناحيته، أوضح لـ"الاقتصادية" ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أنه لم تتضح بعد التأثيرات الكاملة والحقيقية للعقوبات الغربية في الإمدادات الروسية من النفط، حيث يرى بعض المراقبون أن الاتحاد الأوروبي ربما لا يكون صارما للغاية في إزالة كل براميل النفط الروسي من السوق، كما يأخذ الاتحاد في الحسبان ضرورة تجنب حدوث اضطراب كبير في تجارة النفط العالمية ويعمل على تحقيق هدف الدول الغربية وهو معاقبة موسكو مع الحفاظ على تدفق نفطها حول العالم.
وأشار إلى أن حظر الاتحاد الأوروبي – الذي بدأ من 5 فبراير - شمل الواردات المنقولة بحرا من المنتجات النفطية الروسية المكررة ونحو مليون برميل يوميا من الديزل الروسي والنفتا وأنواع الوقود الأخرى، التي تحتاج إلى فتح أسواق جديدة إذا أرادت موسكو الاستمرار في الحفاظ على عائداتها المالية من تجارة النفط، ولذا قطعت خطوات ناجحة بالفعل في أسواق آسيا.
بدورها، بينت لـ"الاقتصادية" جولميرا رازيفا كبير محللي المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، أن الارتفاعات السعرية للنفط قائمة بقوة في السوق مع استمرار التقلبات، لكن خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت سجلا خسارة للشهر الرابع على التوالي، وذلك على الرغم من وجود بعض المحفزات الصعودية.
ولفتت إلى ترقب السوق صدور بيانات اقتصادية صينية جديدة "خاصة قراءات النشاط الصناعي" ومخزونات الخام الأمريكية وقد يشهد خام غرب تكساس الوسيط بعض الدعم الإضافي إذا عكست مخزونات النفط الأمريكية الاتجاه بعد ثمانية أسابيع متتالية من الارتفاعات، رغم أن البيانات الأولية لا تزال تشير إلى زيادة طفيفة في المخزونات.
من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، سجلت أسعار النفط الخام ارتفاعا أمس، بمقدار 39 سنتا، مدعومة بالتفاؤل بشأن ارتفاع الطلب على الوقود في الصين، التي تحقق انتعاشة اقتصادية قوية.
وتعلق الأسواق الآسيوية آمالا كبيرة على ارتفاع الطلب على الوقود في الصين، لتعويض المخاوف بشأن زيادة أسعار الفائدة الأمريكية، التي تسببت بضعف الاستهلاك في أكبر اقتصاد في العالم.
وكانت أسعار النفط الخام أغلقت الإثنين 27 فبراير، على تراجع دفع بخام برنت إلى أقل من 83 دولارا للبرميل على الرغم من أنها شهدت تداولا مرتفعا على مدار ثلاث جلسات قبل هبوطها.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت، تسليم أبريل 2023، التي من المقرر أن تنتهي صلاحيتها الثلاثاء، إلى 83.10 دولار للبرميل.
في الوقت نفسه، ارتفعت العقود الآجلة لمايو 2023، وهي الأكثر نشاطا، بنحو 63 سنتا إلى 82.67 دولار للبرميل كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الأمريكي ارتفاعا بمقدار 61 سنتا، إلى 76.34 دولار للبرميل.
يشار إلى العقود الآجلة لخامي برنت وغرب تكساس الوسيط كانت على المسار الصحيح، لكنها سجلت خسائر شهرية بنحو 2.2 في المائة و3.8 في المائة على التوالي، ومن المرجح أن يحقق خام غرب تكساس الوسيط سلسلة من الانخفاضات لمدة أربعة أشهر.
وخلال فبراير الجاري، عززت توقعات انتعاش الطلب في الصين من مكاسب أسعار النفط الخام، في توقيت ينتظر فيه السوق البيانات الرئيسة خلال اليومين المقبلين، وفق ما جاء في استطلاع أجرته "رويترز" مع محللين اقتصاديين.
وقال محللو "جي بي مورجان"، إن الانتعاش الاقتصادي الصيني سيدفع الطلب على السلع هناك إلى الأعلى، مع وضع النفط في مكانة يستفيد منه أكثر من غيره، متوقعين أن يظل متوسط أسعار النفط الخام خلال العام الجاري 2023 عند 90 دولارا للبرميل.
وعلى الرغم من هذا التفاؤل، فإن المخاوف المتعلقة بمزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة الأمريكية تهدد بالحد من المكاسب، خاصة مع تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن "استمرار الارتفاع العنيد للتضخم".
ويرى محللو "إيه أن زد" أن ارتفاع أرقام التضخم يثير المخاوف بشأن مزيد من الزيادة في أسعار الفائدة، ما يحدث بالفعل ويؤثر في الطلب الأمريكي.
وبشأن مخزونات النفط الاستراتيجية، يتوقع المحللون ارتفاعها بنحو 400 ألف برميل خلال الأسبوع المنتهي في 24 شباط (فبراير)، بينما توقع آخرون أن تصل الزيادة إلى 700 ألف برميل.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 81.64 دولار للبرميل الإثنين مقابل 82.04 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة، حقق أول انخفاض عقب ارتفاعات سابقة، وإن السلة خسرت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 82.02 دولار للبرميل.