رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بهدوء الأسعار ينمو الاستهلاك

يشير نموذج الاقتصاد الكلي الكينزي إلى أن نفقات الأسرة والاستثمارات والمدخرات لها تأثيرات كبيرة في النمو الاقتصادي، من خلال التأثير في إجمالي النفقات، وإذا كان الاستهلاك هو ما تنفقه الأسر والحكومات ويشمل ذلك السلع والخدمات، فإن الاستهلاك يعد عاملا حيويا في الناتج المحلي الإجمالي وأحد أهم مكوناته.

وإن تخفيض الاستهلاك في القطاعين الخاص أو العام سيؤثر في إيرادات الشركات وبالتالي الإيرادات الضريبية. ومع انتشار تأثير هذه الموجة يصبح عدد الموظفين أقل أو (بأجور أقل) ما قد يتسبب في الركود، وفي الجانب الآخر من المعادلة فإن نمو الطلب الاستهلاكي قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، ما يتسبب في تآكل المدخرات والأجور كذلك نظرا إلى ارتفاع الأسعار، وهو ما قد يقود إلى اضطراب شامل عندما يتسرب التضخم إلى الأجور، ثم تتغذى الأجور والأسعار على بعضها بعضا وهو ما يسمى دوامة الأجور والأسعار.
فإذا ظهرت مثل هذه الدوامة، فإن الخوف هو أن التضخم سيستمر في الارتفاع وتصبح التوقعات بلا قيود.

فيما يعد معدل الفائدة حجر الأساس في بناء نموذج اقتصادي متوازن، بحيث يظل الإنفاق عند مستويات تحفز النمو، ولا ينجرف الاقتصاد إلى التضخم، ومع الخروج من الأزمة الصحية العالمية، كان الطلب مكبوتا مع ضعف في سلاسل الإمداد ما حفز ارتفاع الأسعار وأصبح التضخم حقيقة مع بلوغ مستويات أعلى من 8 في المائة في الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وقد سعت دول العالم بتوجيهات من صندوق النقد الدولي إلى مكافحة التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة، واستمر هذا النهج طوال 2022، عندما كانت الصين تحارب انتشار فيروس كورونا باعتماد أسلوب الحجر الاقتصادي وهو ما أثر في مستويات إنتاجها.
كان 2022 عاما مليئا بالأيام الصعبة على الأسواق المالية فتراجعت أسعار الأسهم وواجهت العملات المشفرة كارثة تسببت في إفلاس منصات بأكملها، واليوم وبعد مضي شهرين من 2023، يسجل مؤشر الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة نسبة 5.4 في المائة خلال كانون الثاني (يناير)، مقارنة بالشهر نفسه من 2021، وسجل معدل التضخم الأساسي 4.7 في المائة، وفي أوروبا، يظل التضخم الأساسي عند معدله القياسي بواقع 5.3 في المائة، في حين ظل المعدل ثابتا في أجزاء من آسيا، بينها الهند، وتعليقا على هذه الأرقام يرى صندوق النقد الدولي أن على البنوك المركزية في أنحاء العالم مواصلة الحذر لحين السيطرة بإحكام على معدات التضخم، وبشكل صريح أن العالم لم يسيطر على التضخم بعد ويتعين على البنوك المركزية مواصلة المسار، وهذا الوضع يدل على أن التضخم لم يزل حاضرا في 2023 أيضا، وأنه لا توجد مؤشرات كافية على انتهاء هذه الموجة من ارتفاع الأسعار، وستظل أسعار الفائدة عند هذه المعدلات على أحسن حال.
وعلى هذا الصعيد يشير تقرير نشرته "الاقتصادية" إلى أن عملية إعادة الفتح في الصين قد جاءت بوتيرة تجاوزت التوقعات، وهذا سيعزز المعروض العالمي ما قد يقدم خدمة جليلة لو تمت معالجة سلاسل الإمداد المضطربة مع دخول الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الثاني تقريبا، ومع ذلك فلم يكن الصندوق مشجعا بشأن تأثير عودة الصين، وهو أمر لافت على كل حال، ولعل ذلك يأتي من قبيل تشجيع الدول على مواصلة تشديد السياسات النقدية حتى الوصول إلى المستهدفات المطلوبة في معدلات التضخم، لم تخف قلقها من أن استمرار السياسات المتشددة قد يؤثر في الاستهلاك المحلي مع أهمية دوره كمحرك للنمو في العالم كما أشرنا أعلاه، لهذا كان رأي الصندوق الدولي بين طلب عدم التخلي عن الحذر وتشجيع المستثمرين والمستهلكين، لمواصلة الإنفاق، وهذا التردد في الخطاب هو الحالة الراهنة تماما، فلا بد من مضي بعض الوقت قبل أن تظهر علامات واضحة بشأن المسار الصحيح، فإذا استطاعت الصين تعديل موازين العرض العالمية، بحيث تهدأ الأسعار مع عودة المنتجات إلى الأرفف، وذلك تزامنا مع صلابة الحكومات تجاه الإنفاق والأجور، فإن عودة معدلات التضخم إلى مستهدفاتها ستكون أقرب مما هو متوقع، ولكن يجب أن يستمر حصر الآثار الاقتصادية للحرب كما هي الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي