إعادة الاقتصاد الأمريكي إلى حالة التوازن
يواصل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة لاستعادة استقرار الأسعار وإعادة سوق العمل إلى حالة التوازن. ويتجاوز الطلب على العمالة الجديدة المعروض منها في الولايات المتحدة، حيث هبط معدل البطالة إلى أدنى مستوى على مدار الـ50 عاما الماضية، ما أسهم في رفع معدل التضخم. وللمساعدة على استعادة توازن الاقتصاد، يشير تحليل صندوق النقد الدولي إلى أن المثابرة على المسار الحالي، والحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة هذا العام سيؤديان إلى ترويض التضخم. ورغم أن ارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة البطالة بصورة مؤقتة، إلا أنه سيمهد السبيل إلى استقرار التضخم وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، ما سيساعد في نهاية المطاف على صنع مزيد من الوظائف في المستقبل.
وحين بدأت الأسعار في الارتفاع عام 2021، كانت مقصورة في البداية على السلع المتأثرة بالاضطرابات المتعلقة بالجائحة، مثل السيارات. غير أن ارتفاع الأسعار انتشر مطلع 2022 ليشمل المساكن وغيرها من الخدمات مثل الفنادق والمطاعم. ويبلغ الآن نمو الأسعار على مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي 5.5 في المائة تقريبا، أي أعلى بكثير من النسبة المستهدفة البالغة 2 في المائة.
وحول الحديث عن مؤشرات سوق عمل ساخنة، فإنه منذ منتصف 2021، في ظل التعافي السريع للاقتصاد الأمريكي، بلغ الطلب على العمالة مستوى أعلى بكثير من المعروض منها. وأصبح الأرجح أن يترك العمال وظائفهم ويبحثون عن وظائف جديدة، كما أدت حالات التقاعد المبكر إلى تخفيض عرض العمالة المتاحة. وأدت هذه العوامل في نهاية المطاف إلى زيادة القوة التفاوضية للعمالة في سياق التفاوض على رفع الأجور، ما أسهم في رفع كل من الأجور والأسعار، حيث قامت الشركات بزيادة الأسعار لتغطية الزيادة في تكاليف الأجور. وكان الوضع كذلك بشكل خاص في الصناعات كثيفة العمالة، مثل الفنادق والمطاعم.
وبشأن عملية موازنة فتتمثل المهمة المنوطة بالاحتياطي الفيدرالي في تحقيق استقرار الأسعار وبلوغ الحد الأقصى من التوظيف. ولتحقيق هذين الهدفين، يوضح تحليل قائم على نموذج وضعه خبراء صندوق النقد الدولي باستخدام نموذج مجلس الاحتياطي الفيدرالي للتوازن العام FRBUS أن "الاحتياطي الفيدرالي" يمكن أن يحقق هذه الأهداف عن طريق رفع أسعار الفائدة إلى ذروة قدرها 4 - 5 في المائة، والإبقاء عليها لمدة تراوح بين عام وعام ونصف، آخذا في الحسبان المركز التفاوضي القوي للعمالة، وارتفاع عدد الوظائف الشاغرة لكل عاطل عن العمل. ومن شأن ارتفاع أسعار الفائدة أن يضعف الطلب على العمالة، ويحدث زيادة متوسطة في معدل البطالة. ومن شأن هذا بدوره أن يخفض الضغوط الدافعة إلى إحداث زيادات كبيرة في الأجور والأسعار، ولا سيما في قطاع الخدمات، ما يساعد على خفض التضخم.
وحول مناقشة الوضع الراهن، فإنه يتوقع معظم أعضاء لجنة السوق المفتوحة التابعة للاحتياطي الفيدرالي زيادات أخرى في أسعار الفائدة، حيث يظل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية مقاربا لمستوى 5 - 5.5 في المائة في نهاية 2023. وهناك دلائل مشجعة على أن تحركات سياسة "الاحتياطي الفيدرالي" تحدث الأثر المقصود منها. فقد تباطأ التضخم في الربع الأخير من عام 2022 "نسبة إلى ما كان عليه في الصيف"، مدفوعا بتراجع أسعار السلع. غير أن تضخم أسعار الخدمات لا يزال مرتفعا ويرجح ألا يهبط إلا مع تباطؤ نمو الأجور.
إن خفض التضخم إلى 2 في المائة على النحو الذي يستهدفه مجلس الاحتياطي الفيدرالي أمر ضروري لاستقرار نمو الوظائف وتحقيق زيادات مستدامة في الدخول على المدى المتوسط إلى الطويل، وسيكون كفيلا بتعويض تكلفة الارتفاع المؤقت للبطالة.