العلامات التجارية أصول خفية للشركات .. قوة اقتصادية ضاربة بـ 3 تريليونات دولار

العلامات التجارية أصول خفية للشركات ..  قوة اقتصادية ضاربة بـ 3 تريليونات دولار
العلامات التجارية أصول خفية للشركات ..  قوة اقتصادية ضاربة بـ 3 تريليونات دولار

تحتل العلامة التجارية أو "الماركة" وبلد المنشأ مركزا مهما للغاية في عمليات التسويق والتجارة في عصرنا الراهن، ومن الواضح أن العلامات التجارية العالمية تشكل أصولا غير ملموسة مهمة للشركات، بل للدول ذاتها، لكن ما معنى العلامة التجارية التي تبدو بالنسبة لكثير من الخبراء أحد مفاهيم التسوق الغامضة بعض الشيء؟
يشير الخبراء إلى أن العلامة التجارية تعطي معنى للمؤسسة أو الشركة أو منتجات أو خدمات معينة من خلال ارتباطها في أذهان المستهلكين بمستوى معين من الجودة، إنها في الحقيقة العامل الأكثر فاعلية لجذب العملاء والاحتفاظ بهم بدلا من اختيارهم المنتجات المنافسة، وتؤكد المراجع الأكاديمية أنه لا يمكن فهم العلامة التجارية دون أن نعرف ما هو المنتج؟
وتقول لـ"الاقتصادية" الدكتورة ماريان تراس أستاذة التسويق في مدرسة لندن للتجارة، إن المنتج يمكن أن يكون أي شيء من الإقامة في فندق إلى رحلة طيران أو دورة في تعليم اللغة، أو ملابس أو طعام أو سيارة أو حتى فرشاة أسنان.
وتضيف "الماء على سبيل المثال مورد مجاني يحتاجه الجميع ليكونوا قادرين على مواصلة الحياة، لكنه أصبح منتجا في اليوم الذي بدأ فيه البشر تسويقه، عن طريق بيع المياه المعدنية في عبوات زجاجية أو بلاستيكية، لكن الماء هو الماء سائل وشفاف، إذن كيف يمكن لشركات مختلفة بيع المنتج نفسه؟ وكيف لشركة أن تنجح في إقناع المستهلكين بشراء المياه المعبأة التي تنتجها بدلا من المياه المعبأة التي ينتجها منافسوها على الرغم من أنها المياه نفسها؟ الجواب باختصار بإنشاء علامة تجارية".
وأكدت أن العلامة التجارية اسم أو مصطلح أو تصميم أو رمز أو أي ميزة أخرى تجعل سلعة أو خدمة بائع ما مميزة عن ذات السلعة أو الخدمة التي يقدمها البائعون المنافسون، ولأن هناك أكثر من شركة تنتج المياه المعدنية فيجب على إحداها أن تربط علامتها التجارية بشعار لكي تكون قادرة على المنافسة، فمثلا شركة إيفيان للمياه تربط علامتها التجارية بشعار "إيفيان تشعرك بأنك شاب" منافستها بيرييه تجعل علامتها التجارية مرتبطة بشعار "منعش وفقاعات مثيرة" أما فيجي فـ"نقية وصحية وطبيعية". باختصار العلامة التجارية تمنح الشركة قوة وسيطرة على أذهان المستهلكين.
ويصبح التساؤل ما هي القوة الاقتصادية للعلامات التجارية؟
وفقا لأحدث التقديرات فإنه في 2022 وصلت القيمة الإجمالية لأكثر 100 علامة تجارية شهرة في العالم إلى ما يزيد قليلا على ثلاثة تريليونات دولار، بزيادة قدرها 16 في المائة عن 2021، وحاليا يشهد العالم أسرع معدل نمو لقيمة العلامات التجارية المسجلة، ما يدل على المساهمة المتزايدة للعلامة التجارية للشركة في دفع نجاحها الاقتصادي.
كما تشير أحدث البيانات المتاحة إلى أن شركة أمازون استعادت الصدارة بين العلامات التجارية العالمية باعتبارها الأكثر قيمة في العالم على الرغم من انخفاض قيمة علامتها التجارية بنسبة 15 في المائة من 350.3 مليار دولار إلى 299.3 مليار دولار.
وهنا يجب إيضاح أن ذلك ثمن العلامة التجارية للشركة وليس ثمن الشركة ذاتها، وقد انخفضت قيمة علامة أمازون التجارية بأكثر من 50 مليار دولار العام الماضي، مع انخفاض قوة علاماتها التجارية من AAA+ إلى AAA فقط نتيجة تقييمات المستهلكين التي ازدادت تشددا في مرحلة ما بعد وباء كورونا، وأصاب التراجع أيضا العلامة التجارية لشركة أبل فباتت تحتل المرتبة الثانية بعد أمازون، إذ انخفضت قيمة العلامة التجارية الشهيرة بـ16 في المائة من قيمتها لتصل إلى 297.5 مليار دولار أمريكي، ويرتبط ذلك بانخفاض الإيرادات المتوقعة، حيث من المتوقع أن تؤدي مشكلات سلاسل الإمداد التي لم تعد بعد إلى ما كانت عليه قبل جائحة كورونا، وقيود سوق العمل في الصين تحديدا إلى الحد من المعروض.
ويرى ديفيد ميسن الباحث في مجال التجارة الإلكترونية في تصريحات لـ"الاقتصادية"، "فقدت العلامات التجارية التكنولوجية في جميع أنحاء العالم قيمة كبيرة من قيمة اسهمها بسبب تغير أنماط الطلب الذي غير خريطة الشركات الكبرى في القطاع وتسبب في تراجع تنافسية بعضها، فعادات المستهلكين بدأت تعود تدريجيا إلى أنماط ما قبل الوباء، وتضرر الطلب على خدمات العلامات التجارية التقنية بشكل خاص"
مع هذا يشير بعض الخبراء إلى أن العلامات التجارية الفاخرة ترسل في الوقت الحالي إشارات اقتصادية مربكة، ففي الوقت الذي تبدو فيه ثقة المستهلكين في أدنى مستوياتها في منطقة اليورو والمملكة المتحدة وإلى حد ما في الولايات المتحدة، فإن الطلب على حقائب اليد والمجوهرات ذات العلامات التجارية باهظة الثمن مرتفع بشكل ملحوظ. فقد ضاعفت عديد من العلامات التجارية الفاخرة حجم مبيعاتها في الولايات المتحدة مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، كما أن المحال التجارية في العواصم الأوروبية تعج الآن بالسائحين من الولايات المتحدة ومنطقة الخليج الذين يستفيدون من ضعف اليورو في مواجهة الدولار.
ويعلق الدكتور ام. راين أستاذ الاقتصاد الجزئي في جامعة أكسفورد لـ"الاقتصادية"، "تزايد عدم المساوة على المستوى العالمي، يصب في خدمة العلامات التجارية الفاخرة، إذ يرتفع الطلب الإجمالي عندما يصبح الأثرياء أكثر ثراء والمستهلكون من الطبقة المتوسطة يسعون أيضا إلى امتلاك تلك العلامات التجارية الفاخرة التي لا يتحملون ثمنها دائما في محاولة للحفاظ على مستواهم الاجتماعي، يضاف إلى ذلك تحسن مستويات الأسر في عديد من الاقتصادات الناشئة، ففي الصين زادت مبيعات العلامات التجارية الفاخرة بنحو 36 في المائة العام الماضي".
ويضيف "ما يجب الإشارة إليه أنه في الأعوام المقبلة ستحدث أقوى عملية تكوين للثروة خارج الأسواق الكبرى لصناعة الرفاهية، فمن المتوقع أن يزداد عدد أصحاب الملايين الجدد في الولايات المتحدة بنسبة 13 في المائة من الآن حتى 2026، وهذا أقل من متوسط التوقعات العالمية لزيادة أصحاب الملايين الذين سيزداد عددهم بنسبة 40 في المائة وسيتضاعف عددهم في البرازيل والهند".
وتبدو أهمية العلامة التجارية في اقتصاد اليوم، من خلال عدد من الدراسات الحديثة التي كشفت أنه في فترة الركود الاقتصادي فإن العلامات التجارية التي خفضت ميزانياتها للإعلان والتسويق أصبحت في وضع أكثر صعوبة في الأسواق مقارنة بالعلامات التجارية التي حافظت على ميزانيتها الإعلانية أو زادت عليها، كما أن بعض العلامات التجارية الشهيرة تقوم بإعادة تصميم علامتها التجارية لتحسين درجة القبول لها. إلا أن فريقا من الخبراء يشيرون إلى شقين ربما يهددان عرش العلامات التجارية ذات الطابع العالمي أو الكوني
وحول ذلك تقول أديث سترمر الباحثة في مجال التجارة الدولية "ترتبط العلامات التجارية لعديد من السلع بشقين الأول المستوى الاجتماعي، والأخرى يتعلق ببلد المنشأ، وفي عديد من الاقتصادات الناشئة يكون منبع الحرص على شراء العلامات التجارية خاصة من الطبقة المتوسطة هو إرسال رسالة اجتماعية بأنهم يتمتعون بمستوى مادي - اجتماعي مرتفع، خاصة أن أغلب العلامات التجارية الشهيرة والمميزة لعديد من المنتجات الاستهلاكية تنتمي إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
وأضافت "لذلك في حالة الضائقة الاقتصادية والغضب الاجتماعي وما يصاحبه من أعمال عنف ينصب الغضب المجتمعي على العلامات التجارية التي تعد رمزا للجوانب السلبية للعولمة، بل إن هذا الغضب يمتد أيضا ليطول العلامات التجارية في بلدانها، وعلينا أن نتذكر كيف يصب المتظاهرون غضبهم في كثير من الدول على علامات تجارية مثل ماكدونالدز، بيبسي، وكوكا كولا وشركات مثل نيكي حيث ينظر إليها بحسبانها رمزا للاستغلال والتلوث البيئي والإمبريالية الثقافية، خاصة مع الغضب الذي ينتاب عديدا من الشعوب من سياسة الولايات المتحدة، آخذا في الحسبان أنه من بين 100 علامة تجارية أكثر شهرة في العالم هناك 62 علامة تجارية تعود لشركات أمريكية.
لكن القضية الأكثر تعقيدا فترتبط بالعلاقة بين العلامات التجارية ذات الطابع العالمي والعلامات التجارية ذات الطابع المحلي أو الإقليمي، إذ تبدو ساحة المنافسة بين الطرفين غير متكافئة، فبينما يرى بعضهم أن العلامات التجارية الدولية تتمتع بإمكانات مالية وشهرة أوسع، ما يضعف الفرصة أمام منافسيها من العلامات التجارية المحلية، فإن آخرين يرون أن المستهلكين لا يطلبون من الشركات المحلية معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري، لكنهم يتوقعون من شركات دولية متعددة الجنسيات وذات علامات تجارية مشهورة القيام بذلك.
وبينما يغض بعض المستهلكين الطرف عن تعرضهم للاستغلال من العلامات التجارية المحلية، فإنهم يتبنون مواقف أكثر حدة مع العلامات التجارية الدولية، وهو ما يكشف أن العلاقة ما بين العلامات التجارية الدولية والمحلية لا تزال ذات طبيعة تنافسية لم تحسم بعد، على الرغم من تفوق العلامات التجارية الدولية على نظرائها المحليين لعوامل تتعلق بالجودة والمكانة الاجتماعية أكثر من تعلقها بسعر المنتج.

الأكثر قراءة