صناعة السيارات .. لا شيء يذهب إلى مقالب النفايات
عندما صعدت فرقة كولدبلاي الموسيقية على مسرح استاد ويمبلي المزدحم العام الماضي، كانت الأضواء التي أنارت صفوف جماهيرها الصاخبة من بطاريات سيارات كهربائية قديمة. كانت الفرقة قد جمعت بطاريات بي إم دبليو آي 3 المستعملة من أجل جولتها العالمية، لنشر رسالة يتم سماعها الآن عبر غرف مجالس إدارة السيارات: لا ينبغي أن يذهب أي شيء إلى القمامة.
في حين إن البطاريات في صميم محاولات صناعة السيارات لخفض الانبعاثات، فإنها تمثل أيضا صداعا كبيرا. إطلاق الانبعاثات أثناء تعدين مواد البطاريات، ثم معالجتها في مرحلة التصنيع يتعارض مع توجه الصناعة لتصبح "دائرية" بشكل أكبر.
باختصار، ما لم تنتشر إعادة تدوير البطاريات وإعادة استخدامها على نطاق واسع، يخشى أنصار البيئة من أن التحول إلى المركبات الكهربائية سيظل يتطلب كثيرا من الموارد التي يتعين استخراجها من الأرض.
تقول أنجيلا هولتبيرج، مديرة الاستدامة العالمية في شركة كيرني للاستشارات "إذا أردنا إزالة الكربون من الانبعاثات الأولية، فسيكون لذلك تأثير إذا أعدنا الاستخدام، وأعدنا الاستخدام، وأعدنا الاستخدام، بحيث نستخدم مواد أقل"، وتضيف "إن اتباع نهج تدوير كامل للمواد المستخدمة (...) من الواضح أنه سيقلل من الانبعاثات".
يسعى المصنعون بالفعل إلى إعادة الاستخدام بشكل أكبر. تراوح المشاريع في هذا الصدد من تحويل شركة فورد نفايات البلاستيك من المحيطات إلى أجزاء للمقاعد، إلى إجبار موردي شركة بي إم دبليو على استخدام المواد المعاد تدويرها فقط عند إنتاج أجزاء جديدة.
لكن مع ازدهار مبيعات المركبات الكهربائية، فإن الصناعة بحاجة ماسة إلى تأمين واستخدام ملايين البطاريات الأخرى. إن إيجاد طرق لتقليل الانبعاثات الناتجة عن استخدام البطاريات -سواء عن طريق إعادة تدوير المواد القديمة أو تقليل الاعتماد على المعادن التي يلحق استخراجها ضررا بالبيئة- أمر أساسي.
مع أن المركبات الكهربائية لا تحتوي على مواسير عادم، إلا أنها لا تزال تتسبب في انبعاثات طول العمر، من مصدر الطاقة التي يتم شحنها بها إلى المناجم التي تستخرج الليثيوم للبطاريات.
تقول أنيسة كوستا، رئيسة قسم الاستدامة في شركة ريفيان لصناعة المركبات الكهربائية "نحن بحاجة إلى ضمان عدم تحول الانبعاثات من ماسورة العادم إلى محطة الطاقة". تعمل الشركة الناشئة على تركيب ألواح شمسية على جميع محطات الشحن لتقليل الاعتماد على شبكة الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري.
ومثل أقرانها، فهي تسعى أيضا للحصول على إجابات "للمعادلة المعقدة" لكيفية تلبية طلب المستهلكين على البطاريات طويلة المدى، مع تقليل كمية المواد في كل بطارية في الوقت ذاته.
تشير هولتبيرج إلى أن صناعة السيارات تشهد مزيدا من مبادرات اقتصاد التدوير، لكنها تضيف "ما نريد أن نراه هو أن تصبح تلك المشاريع برامج أكبر حجما للصناعة بأكملها".
طورت شركة كيرني نموذجا يوضح ما يتعين على صناعة السيارات فعله لخفض انبعاثاتها بما يتماشى مع هدف الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية، وكانت النتيجة صارخة: يجب أن تصبح جميع مبيعات السيارات الجديدة كهربائية فقط بحلول عام 2032، وأن تصبح استخدامات الطاقة متجددة بالكامل بحلول عام 2033، وأن تنخفض انبعاثات سلسلة التوريد بنسة 81 في المائة بحلول 2032. "هذه هي الحقائق"، كما تقول هولتبيرج.
لكن تحقيق الهدف الخاص بمبيعات السيارات الكهربائية بحلول هذا التاريخ يعني زيادة هائلة في أعداد المناجم. وفقا لحسابات مجموعة بينشمارك مينيرال إنتيليجانس للبيانات، المناجم الحالية قادرة على إنتاج نحو 685 ألف طن من الليثيوم، وهو ما يكفي لصناعة 15.5 مليون سيارة كهربائية فقط. وحتى بحلول 2033، سيتوافر 1.2 مليون طن إضافية فقط، بالنظر إلى التوقعات الحالية حول فتح المناجم والجداول الزمنية لتطويرها.
يقول جيل برات، كبير العلماء في "تويوتا"، "إن الصناعة تواجه حقيقة واقعة بشأن بعض المواد المهمة المستخدمة في تصنيع خلايا البطاريات". يتمثل نهج شركة صناعة السيارات اليابانية في تحويل البطاريات إلى السيارات الهجينة، بحيث تؤثر بذلك في أكبر عدد من المركبات وتحقق من خلال ذلك متوسط انبعاثات أفضل.
قال برات في مؤتمر تم عقده أخيرا لشرح هذه الاستراتيجية "إلى جانب الاستفادة من بطارياتها بشكل أفضل، تتوافر السيارات الهجينة كذلك بأسعار معقولة، إضافة إلى أن إعادة تدويرها أسهل، ولا تتطلب بنية تحتية للشحن".
ويقول فرانسيسكو كارانزا، الذي يدير شركة باسكفولت الناشئة للبطاريات في إقليم الباسك، "إن تطوير تكنولوجيا جديدة لتحسين كثافة البطاريات وكفاءتها يعد أمرا أساسيا. وينبغي أن يكون تحسين المواد الخام اللازمة على رأس جدول الأعمال لأنه أيضا وسيلة لتقليل الاعتماد على هذه المواد الخام".
لكن كثافة أعلى للطاقة تعني تكلفة أعلى، وهي ليست المسألة الوحيدة التي تأخذها شركات صناعة السيارات في الحسبان عند شراء المواد. استخدام بطاريات ذات كثافة طاقة أقل سيؤدي إلى أن يصبح الليثيوم في النهاية أكثر فائدة.
الحل الآخر هو استعادة البطاريات المستعملة. تقول سيلين دوميك، مديرة الشؤون العامة في شركة فولفو كارز "كان التركيز في كثير من الأحيان على الكمية المعاد تدويرها (...) ربما نحتاج إلى رؤية تحول تصبح من خلالها النوعية التي نستعيدها جيدة بما يكفي لإعادة استخدامها في قطاع السيارات. يجب أن تكون البطاريات شديدة التحمل، بحيث يمكن أن تدوم وحتى تستطيع أن تتحمل وضعا صعبا للغاية من حيث درجة الحرارة".
يقول برات، من شركة تويوتا "نريد توزيع الإمداد المحدود من مواد البطاريات، حيث تستطيع تخفيض انبعاثات الكربون قدر الإمكان وفي أقرب وقت ممكن".