جان باسكال تراكوار .. منبوذ خلف وراءه قوة عالمية

جان باسكال تراكوار .. منبوذ خلف وراءه قوة عالمية

اعترض بعض أعضاء مجلس الإدارة عندما تمت ترقية جان باسكال تراكوار إلى منصب الرئيس التنفيذي لشركة شنايدر إلكتريك الصناعية الفرنسية العملاقة.
في عالم الأعمال الفرنسي، كان المهندس، الذي نشأ في قرية بوبرو غرب فرنسا وقضى معظم حياته المهنية في "شنايدر" في شغل وظائف خارج الدولة، من الصين إلى جنوب إفريقيا، إلى حد ما منبوذا.
دون مظهر يوحي بمدارس النخبة الباريسية، ولا علاقات سياسية، ولا مناصب استشارية وزارية، قوبلت ترقيته رئيسا لمجموعة الأتمتة والبرمجيات في 2006 بالاستهجان.
هذا الأسبوع بعد ما يقارب 20 عاما على دفة القيادة، أعلن الرجل البالغ من العمر 59 عاما- الذي يشار إليه أحيانا باسم "نابليون الذي يدير شنايدر" بين المستثمرين لسمعته برغبته في التحكم في كل قرار- أنه سيتنحى، بعد فترة رئاسة تجاوزت فترات كثير من الرؤساء التنفيذيين المنافسين.
أصبحت "شنايدر" واحدة من أعلى الشركات المدرجة قيمة في فرنسا، إذ زادت قيمتها سبعة أضعاف لتصل إلى 90 مليار يورو على مدى العقدين الماضيين، وهي واحدة من أكبر عشر شركات بالقيمة السوقية في البورصة الفرنسية خلف عملاقة الطيران "إيرباص" وشركات السلع الفاخرة الكبيرة مثل "إل في إم إتش".
كان تعيينه أساسا بفضل هنري لاكمان، رئيس "شنايدر" السابق الذي أخرج تراكوار المغمور تقريبا إلى النور، بعد أن تقاطعت مساراتهم في جولة في الشركة في بكين.
قال لاكمان "أحد أعضاء مجلس الإدارة قال (نحن لا نعرفه، إنه ليس واحدا منا)، لكن شخصا آخر، يتمتع بمؤهلات أعلى حتى، قال (هذه هي قوته)".
سيتنازل تراكوار جزئيا عن مسؤولياته التنفيذية لرئيس الأتمتة الصناعية السابق في "شنايدر"، بيتر هيرويك، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي في أيار (مايو)، في حين لا يزال تراكوار رئيسا.
منذ تعيينه في 2006، بعد ثلاثة أعوام عمل فيها نائبا للرئيس التنفيذي، توسعت المجموعة توسعا كبيرا في الخارج، حيث عززت مجموعتها من الأنظمة الصناعية المعقدة بعمليات استحواذ في الولايات المتحدة والصين والهند، وتأتي ثلاثة أرباع مبيعاتها من خارج أوروبا الغربية.
تأسست المجموعة منذ نحو 190 عاما على يد شقيقين أنشآ مشغلا فرنسيا للحديد، وقد عززت الآن بهدوء تركيزها على اختصاص في التكنولوجيات يجهزها لتحقيق أقصى استفادة من اتجاه كاسح مفاجئ: كفاءة الطاقة.
لم تكن الأنظمة التي تستخدمها الشركات لأتمتة استخدام الإضاءة وتوفير الطاقة مطلوبة أبدا، خاصة بعد أزمة في إمدادات الطاقة في أوروبا بعد الحرب في أوكرانيا.
طوال مسيرته، واصل تراكوار مكانته كـ"غريب" بين الرؤساء التنفيذيين الفرنسيين، على حد تعبير أحد المصرفيين. على الرغم من الإشادة بأداء المجموعة، يرى بعضهم أنه دفع التحول بعيدا جدا عن فرنسا.
تحدث تراكوار لغة الماندرين بطلاقة بعد فترة قضاها في الصين في بداية مسيرته المهنية في "شنايدر"، وانتقل إلى هونج كونج في 2011 وبقي منذ ذلك الحين، وهي خطوة غير عادية عكرت صفو المؤسسة الباريسية. أغلبية مجلس إدارة الشركة الآن أعضاء غير فرنسيين، ويتوزع المسؤولون التنفيذيون في أنحاء العالم.
على مر الأعوام، ساعدت خبرته الآسيوية "شنايدر" على تعزيز وجودها الصيني وأيضا التكيف بسرعة، والابتعاد عن قطاع البناء عندما بدأت السوق السكنية تصبح محمومة، كما قال سيمون توينيسن المحلل في "جيفريز".
قال هنري دي كاستريس، الرئيس السابق لشركة التأمين الفرنسية اكسا، الذي يعرف تراكوار منذ أن أصبح رئيسا "لقد أقدم تراكوار في آسيا على أخطار لم يكن لأشخاص تقليديين كثر أن يقدموا عليها. ربما العلاقات أكثر تعقيدا وتوترا مع الصين الآن، لكن هذا النوع من المعرفة الضليعة بسوق أساسية بالغ الأهمية".
لكن هذا أحد جوانب إرث تراكوار، حيث تمثل الصين ما يقارب 13 في المائة من إيرادات "شنايدر"، بعد الولايات المتحدة، الذي ربما يصبح جدليا أكثر.
تعيد بعض الشركات الغربية النظر في علاقاتها الصينية، بعد أن أثارت الحرب الروسية - الأوكرانية مخاوف حدوث مزيد من الاضطرابات الجيوسياسية، في حين تتصاعد الخلافات التجارية بين واشنطن وبكين.
في مقابلة، دافع تراكوار عن انكشافات تتم موازنتها الآن باستثمارات في دول أخرى في آسيا، ونموذج يعتمد على وجود شركة محلية تدار في الصين موجهة نحو احتياجات التكنولوجيا المحددة للغاية في السوق.
قال تراكوار "علينا أن ندرك أن العالم لا يزال مترابطا للغاية ومترابطا خاصة مع الصين".
خلال عهد تراكوار، أصبحت "شنايدر" معروفة بممارسات إدارية يتم اتباعها الآن على نطاق أوسع، مع تركيز ينصب على "الكوكب والمجتمع" الذي حاولت تضمينه في مقاييس في أدائها، بما في ذلك ربط المكافآت بأهداف الانبعاثات.
قال تراكوار "إن نشأته في مزارع في منطقة فيندي الفرنسية منحته تقديرا للطبيعة وهشاشة النظم البيئية، كما كانت هوايته المفضلة، ركوب قوارب الكاياك عبر منحدرات النهر"، وأضاف أنه "بعد مغادرته فرنسا للمرة الأولى في سن 23 عاما، شكلت تجارب تراكوار في الأسواق الناشئة تركيزه على الدور الذي يجب أن يسهم فيه عالم الطاقة.
أدركت أن الطاقة هي مفتاح الحياة الكريمة (...)عندما كان هناك انقطاع دوري للتيار الكهربائي في الصين، كانت هناك أيام لا يمكنك فيها فعل الكثير. أدركت أيضا، وأنا أعيش في هذه المدن الكبرى الضخمة جدا، أن نموذجنا لاستهلاك الطاقة لم يكن مستداما لأن التلوث كان واضحا".
تراكوار خلص "شنايدر" من الأعمال التي لا تتناسب مع نهجها الذي يركز على الطاقة، واستثمرت في مجالات مثل البرمجيات، بما فيها إتمام الاستحواذ أخيرا بقيمة 10.6 مليار جنيه استرليني على شركة أفيفا البريطانية، التي تشغل مراكز البيانات أو المصانع بكفاءة أكثر.
قالت سيسيل كابانيس، نائبة الرئيس التنفيذي في شركة إدارة الأصول البديلة الفرنسية تيكهاو كابيتال، وعضو في مجلس إدارة "شنايدر"، "إنه شخص عملي، لا يحب أن يكون مناصرا متعصبا أو يهاجم الناس بشأن البيئة، تقدمت شنايدر دون إحداث ضوضاء، وهو أمر نادر جدا".
لكن هناك تحد واحد سيواجهه وهو السماح لخليفته بالقيادة مع بقائه في منصب الرئيس حتى 2025 على أبعد تقدير، ممارسة ليست غريبة في فرنسا، لكنها أقل شيوعا وفق معايير الحوكمة في بريطانيا مثلا.
رغم هدوئه ودماثته، قال زملاء ومحللون "إن تراكوار كان معروفا أيضا بوقوفه على كل قرار في الشركة، والتأكد من أن فرقه تعرف كيف تنجز أعمالها".
قال لاكمان "عندما أصبح الرئيس، كان رئيسا بحق، يتمتع بسلطة ولا يحب بالضرورة المواجهة".
قال شخص في دوائر الأعمال في باريس يعرف تراكوار "القيمة التي خلفها استثنائية. لكني آمل فقط أن يتنحى حقا، فقد كانت فترته التي أمضاها رئيسا طويلة جدا بالفعل".

الأكثر قراءة