هزات أرباح بنك سيليكون فالي تجذب البائعين على المكشوف
يواجه بنك سيليكون فالي، المؤسسة المحورية في كاليفورنيا لتمويل الشركات الناشئة الأمريكية، تدقيقا بشأن قرار استثماري اتخذه في ذروة الازدهار التكنولوجي، يضغط على مستوى أرباحه في الوقت الذي تواجه فيه الصناعة أسوأ تراجع لها منذ عقود.
يخدم البنك تقريبا نصف جميع شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة الأمريكية المدعومة برأس المال المغامر، ويبلغ إجمالي أصوله 212 مليار دولار، محتلا بذلك المرتبة الـ16 بين أكبر البنوك الأمريكية. تأسس البنك منذ 40 عاما، ونما ليصبح عنصرا أساسيا في التكنولوجيا العالمية، حيث قدم خدماته المصرفية لشركات مثل سيسكو ورينج وبيوند ميت وسبوتيفاي في مراحلها الأولى.
يتعرض البنك لهزات مع مواجهة الشركات الناشئة في التكنولوجيا أكبر انهيار في قيمتها منذ انفجار فقاعة الدوت كوم في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. كما انخفضت قيمته السوقية من ذروة تجاوزت 44 مليار دولار قبل عامين إلى 17 مليار دولار اليوم.
لكن بعض المحللين والمساهمين والبائعين على المكشوف يشيرون إلى مشكلة أخرى من صنعه: خطوة لوضع 91 مليار دولار من أصوله في محفظة سندات ضعيفة الأداء، تكبدت منذ ذلك الحين خسارة تراكمية غير محققة تبلغ 15 مليار دولار.
قال جريج بيكر، الرئيس التنفيذي لبنك سيليكون فالي لـ"فاينانشيال تايمز"، "سيكون هذا العام عاما مليئا بالتحديات لصناعة التكنولوجيا (...) في الحقيقة نحن في البداية فقط.
سيكون هناك مزيد من العناوين الرئيسة حول معدلات الفشل وعمليات التسريح في صناعة التكنولوجيا. وسواء أكانت هذه الفترة المتقلبة 12 شهرا أو 18 شهرا، فإن هدفنا أن نكون قادرين على التأكد من قدرتنا على الصمود لدعم العملاء خلالها".
يستمد البنك دخله من مجموعة متنوعة من خطوط الأعمال: إدارة الأموال والأصول، والاستثمار في شركات إلى جانب شركات رأس المال المغامر مثل أندريسن هورويتز وسيكويا كابيتال، وضمان الطروحات العامة الأولية للتكنولوجيا، وحتى تقديم تمويل بمليارات الدولارات لكروم العنب ومصانع النبيذ، المشاريع المفضلة لدى رواد الأعمال في وادي السيليكون.
لكن الأعمال الأساسية لبنك سيليكون فالي تتمحور في تقديم الخدمات المصرفية للودائع النقدية التي تجمعها الشركات التكنولوجية الناشئة، وتقديم القروض لشركات رأس المال المغامر وشركات الأسهم الخاصة التي تدعمها. في ذروة طفرة الاستثمار التكنولوجي في 2021، ارتفعت ودائع العملاء من 102 مليار دولار إلى 189 مليار دولار، ما ترك البنك يغرق في "السيولة الزائدة".
في ذلك الوقت، كدس البنك كثيرا من ودائع العملاء في أوراق مالية طويلة الأجل مدعومة بالرهن العقاري صادرة عن وكالات حكومية أمريكية، ما أدى من الناحية الفعلية إلى حجز نصف أصوله للعقد التالي في استثمارات آمنة، تحقق، وفقا لمعايير اليوم، دخلا ضئيلا.
قال بيكر "إن الاستثمارات المحافظة كانت جزءا من خطة لدعم الميزانية العمومية للبنك في حال تعرض التمويل المغامر للشركات الناشئة للانهيار. في 2021، توقفنا قليلا وقلنا إن التقييمات والأموال التي يتم جمعها عند مستويات مرتفعة للغاية بوضوح، لذلك أخذنا ذلك في الحسبان، وكنا أكثر حذرا".
من جانبه، قال كريستوفر كوتوفسكي، محلل أبحاث في شركة أوبنهايمر، "إن هذا القرار أيضا ثبت ربحية بنك سيليكون فالي، وترك البنك عرضة لأسعار الفائدة المتغيرة".
يمكن للبنك الاقتراض مقابل قيمة محفظة سنداته لزيادة السيولة إذا لزم الأمر، قال بيكر "إنه اقترض 13.5 مليار دولار بهذه الطريقة في الأشهر التسعة الأولى من 2022.
يمكننا القول بارتياح إن لدينا سيولة كثيرة متاحة لنا في حال حدوث شيء ما. نعتقد أن الودائع ستستقر، لكن إذا لم يحدث ذلك، يمكننا حماية أنفسنا إذا احتجنا إلى ذلك".
يتمثل التحدي في التأثير في صافي دخل البنك من الفائدة، والفرق بين ما يجنيه من الفوائد على الأصول مثل القروض وما يدفعه على الودائع. العائد على الاستثمارات، الذي يمثل 44 في المائة من أصول البنك، أقل بكثير من أسعار الفائدة السائدة.
في حين كانت أسعار الفائدة منخفضة، وضع كثير من البنوك الكبرى مزيدا من الودائع في الدين الحكومي قابلة بمعدل العائد المنخفض خلال فترة عدم اليقين الاقتصادي
مع ذلك، الانكشاف النسبي لبنك سيليكون فالي يتجاوز أقرانه بكثير. كان لديه 120 مليار دولار من الأوراق المالية الاستثمارية -التي تشمل محفظته من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري البالغة قيمتها 91 مليار دولار- في نهاية 2022، ما يتجاوز بكثير إجمالي قروضه البالغة 74 مليار دولار.
وبالمقارنة، كان لدى بنك أوف أمريكا 863 مليار دولار من سندات الدين، بما في ذلك 633 مليار دولار من الأصول المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق، أي أقل من قروضه وعقود الإيجار التي تبلغ قيمتها تريليون دولار تقريبا. كان بنك فيرست ريببليك في سان فرانسيسكو، أقرب منافس لبنك سيليكون فالي في وادي السيليكون، يمتلك 55 مليار دولار من الأوراق المالية الاستثمارية بما في ذلك 28 مليار دولار من سندات الدين المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق، مقارنة بمبلغ 167 مليار دولار في إجمالي القروض.
إن محفظة الأوراق المالية الكبيرة التي يمتلكها سيليكون فالي -أكبر فئة أصول في ميزانيته العمومية- بالنسبة إلى حجم القروض التي يقدمها البنك لها تأثير كبير في صافي دخله من الفوائد.
حقق كل من جيه بي مورجان تشيس، وبنك أوف أمريكا، وسيتي ويلز فارجو مجتمعين دخلا من الفوائد للربع الأخير من 2022 يبلغ نحو 60 مليار دولار، بزيادة قدرها 30 في المائة عن العام السابق. في الوقت نفسه، أخبر بنك سيليكون فالي المستثمرين بأن يتوقعوا انخفاضا بنسبة "مرتفعة من 18 إلى 19 في المائة" في 2023 من الـ4.5 مليار دولار التي حققوها في صافي دخل الفوائد العام الماضي.
قال أحد محللي الأسهم "كانت أسعار الفائدة منخفضة جدا لفترة طويلة لدرجة أن كثيرا من الناس اعتقدوا أنها ستكون منخفضة إلى الأبد". وضع بنك سيليكون فالي "رهانا أكبر من المتوسط على ذلك".
"توقعنا أن ترتفع معدلات الفائدة، لكن ليس بالقدر الذي هو عليه الآن"، كما قال بيكر.
إن البنك ملتزم بالاحتفاظ بمحفظة سنداته البالغة قيمتها 91 مليار دولار حتى تاريخ الاستحقاق، وهي دلالة محاسبية مهمة حمت أرباحه من الاضطرابات في الأسواق المالية العام الماضي، حيث ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل ارتفاعا حادا فوق عائد المحفظة البالغ 1.64 في المائة.
لكن هذا يعني أيضا أنه في نهاية العام الماضي تم تقييم الأصول "المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق" بسعر شرائها البالغ 91 مليار دولار في الميزانية العمومية لبنك سيليكون فالي، وليس بقيمتها السوقية البالغة 76 مليار دولار.
تكاد الخسارة غير المحققة البالغة 15 مليار دولار التي كشف عنها بنك سيليكون فالي تعادل القيمة السوقية للمجموعة البالغة 17 مليار دولار، وأكبر من إجمالي الأرباح التي أبلغ عنها البنك على مدى ثلاثة عقود. منذ 1993، لم يشهد البنك أي سنة خسارة، حيث أعلن عن صافي دخل تراكمي قدره 11.1 مليار دولار منذ ذلك الحين.
قال بيكر "إنه ليس لديه نية لاستخدام الأوراق المالية أو بيعها"، ما سيجبر بنك سيليكون فالي على الاعتراف بالخسارة. كما قال "إن البنك لديه نحو 90 مليار دولار من الأموال خارج الميزانية العمومية -مثل المدفوعات النقدية على محفظته من الأوراق المالية وقدرة الاقتراض التي تبلغ نحو 70 مليار دولار- يمكنه الاستفادة منها إذا لزم الأمر".
لكن قرار الاستثمار لفت انتباه البائعين على المكشوف الذين يراهنون على أن أسهمه، التي فقدت 50 في المائة من قيمتها منذ بداية 2022، ستنخفض أكثر.
عانت عوائد المساهمين، حيث سجل بنك سيليكون فالي عائدا يبلغ 12 في المائة على الأسهم العادية في 2022، بانخفاض عن 17 في المائة في العام السابق وأدنى عائد له منذ 2016.
انهار سعر سهم منافسه الأصغر بنك سلفرجيت في كاليفورنيا، الذي علق في تراجع سوق العملات الرقمية، العام الماضي بعد أن قال البنك "إنه اضطر إلى بيع أصول محتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق لمواجهة تدافع العملاء على عمليات سحب بقيمة 8.1 مليار دولار". بلغت خسائر بيع الأوراق المالية 718 مليون دولار.
مع ذلك، الخطوة الحذرة التي اتخذها بنك سيليكون فالي لوضع أصوله في محفظة سندات منخفضة العائد، استندت إلى تنبؤات بيكر بنهاية سريعة للازدهار التكنولوجي في عصر جائحة فيروس كورونا. وقد ثبت أن هذا صحيح.
تراجعت ودائع بنك سيليكون فالي في كل ربع في 2022 ويتوقع البنك انخفاضا بنسبة "أرقام فردية متوسطة" في الودائع هذا العام، من 173.1 مليار دولار نهاية 2022.
قال أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في بنك سيليكون فالي "رأس المال المغامر وصناديق الأسهم الخاصة ذات السجلات الاستثمارية الكبيرة تجمع أقل، وتودع أقل، وتستثمر أقل، بينما تنفق الشركات ما لديها من سيولة. سيتأثر بنك سيليكون فالي بشكل كبير".
سبق أن استخدم "سيليكون فالي" ظروفا مزدهرة لإطلاق خطط طموحة ليصبح بنكا متكامل الخدمات.
في إطار التوسع الاستراتيجي بقيادة بيكر، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي في 2011، استحوذ على بنك الاستثمار ليرينك بارتنرز في 2019 وشركة إدارة الثروات بوسطن برايفيت في 2021.
ضاعفت تلك الصفقات عدد موظفيه ثلاث مرات تقريبا إلى نحو 8500 بحلول منتصف 2022 حيث سعى إلى تحدي وول ستريت في الاكتتابات العامة الأولية للتكنولوجيا. كان من المقرر أن يكون له دور في طرح منصة التواصل الاجتماعي رديت، وفقا لشخص مقرب من الصفقة، التي تأجلت بسبب ظروف السوق.
في العام الماضي، بعد إتمام عملية الاستحواذ على "بوسطن برايفيت" بقيمة 900 مليون دولار، انفصل بنك سيليكون فالي عن أنتوني ديكليس، الرئيس التنفيذي السابق للبنك الخاص. غادر ديكليس، الذي كلف برئاسة الخدمات المصرفية الخاصة المزدهرة وذراع إدارة الثروات، بعد عشرة أشهر فقط. وتكبد نفقات تراكمية قدرها 179 مليون دولار في 2021 و2022 من عملية الاستحواذ على بوسطن برايفيت.
في الربع الأول من العام الجاري، أصبح بعض المحللين أكثر تفاؤلا. لاحظ محللو بنك ولز فارجو في كانون الثاني (يناير) أن سهمه الرخيص "يبدو كأنه صفقة القرن" على الرغم من الضغط على نموذج دخله. البنك "في وضع جيد لتحقيق تعاف مالي في المستقبل" مع اعتماد شركات التكنولوجيا المضغوطة على خطوط الائتمان خلال فترة الانكماش.
قال بيكر "إن وضع بنك سيليكون فالي سيتحسن، مع وصول تدفق التمويل المغامر الداخل ولجوء الشركات الناشئة إلى خفض كبير في التكاليف لتجنب إنفاق الاحتياطيات النقدية بسرعة كبيرة جدا.
سواء استغرقت عملية التحسن تسعة أو 12 أو 15 شهرا، بالنسبة إلينا هذا ليس أفضل سيناريو لكنه سيناريو نشعر بالراحة تجاهه. لدينا سيولة وفيرة لدعم كثير من السيناريوهات التي قد تزداد سوءا".