أداة مهملة تظهر منفعتها للبنوك المركزية
لطالما تم إهمال أرقام المعروض النقدي ضمن صندوق الأدوات للبنوك المركزية الكبرى. وهذا أمر مؤسف، لأن الأرقام كانت تبعث بإشارات مهمة قبل الجائحة وأثناءها.
وجد اقتصاديون في بنك التسويات الدولية ارتباطا إحصائيا واقتصاديا مهما بين نمو الفائض النقدي في عام 2020 ومتوسط التضخم بين عامي 2021 و2020 في مجموعة من البلدان. ولا يتعين عليك أن تكون مخلصا للنظرية الكمية للنقد حتى ترى أن انتعاش أسعار المنازل والأسهم في الولايات المتحدة في العام الماضي كان يرتبط بشكل كبير بالمال الكثير الذي يطارد عددا قليلا جدا من الأصول.
بالطبع هناك سبب لهذا الإهمال من جانب البنوك المركزية للمال. ففي ذروة الاستهداف النقدي في ثمانينيات القرن الماضي، كان محافظو البنوك المركزية - وعلى الأخص بول فولكر، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - ناجحين بشكل ملحوظ في خفض التضخم من مستويات مرتفعة وصل إليها بعد الحرب العالمية الثانية عقب صدمات متتالية في أسعار النفط، على الرغم من أن هذا تحقق على حساب فترات ركود ضارية. بالتالي، ضعف الارتباط بين المعروض النقدي والتضخم.
وكان ذلك يرجع إلى السرعة التي تنتقل بها الأموال بين الأيدي. وعندما حدث هذا الانتقال بوتيرة يمكن التنبؤ بها، نما النقد والإنتاج معا.
في الوقت نفسه، كان هناك ارتباط واضح بين التضخم ونمو الفائض النقدي - وهو الفرق بين نمو النقد والنمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
لكن مع انخفاض التضخم في الثمانينيات والتسعينيات، أصبحت سرعة انتقال الأموال غير مستقرة إلى حد كبير، ويرجع ذلك جزئيا إلى الابتكارات المالية والتغيرات التنظيمية في القطاع المصرفي. لذا، انهارت الروابط بين المعروض النقدي والناتج المحلي الإجمالي التقريبي وأصبح محتوى المعلومات الخاص بأرقام المعروض النقدي دليلا أقل فائدة للسياسة النقدية. وعندما أصبحت محاولة فهم الأرقام أكثر تعقيدا، أضحت النظرية النقدية أقل شعبية. لكن الاستثناء كان عندما واجه محافظو البنوك المركزية أزمات مالية، احتفظوا فيها بحقهم في استخدام القنوات النقدية.
مرة أخرى، كان تفسير أرقام الأموال صعبا بشكل واضح بعد الأزمة المالية بين 2007 و2009. حينها حذر خبراء النقد من أن التحفيز من شراء الأصول من جانب الاحتياطي الفيدرالي سيؤدي إلى تضخم سريع. لكن سرعة انتقال الأموال انخفضت بحدة وكانت النتيجة مزيجا غريبا من تضخم أسعار الأصول وخطر الانكماش في أسعار السلع والخدمات. إذن، لماذا تروي الأرقام لنا الآن قصة أوضح؟
في دراسة حديثة لبنك التسويات الدولية، وجد كل من كلوديو بوريو، وبوريس هوفمان، وإيجون زاكرايسيك أن قوة العلاقة بين نمو النقد والتضخم عبر عينة كبيرة من بلدان الأسواق المتقدمة والناشئة تعتمد على ما إذا كان هناك نظام تضخم مرتفع أم نظام تضخم منخفض. ففي ظل نظام التضخم المرتفع كان الارتباط واحدا إلى واحد، بينما كان شبه معدوم في نظام التضخم المنخفض.
يشير القائمون على بنك التسويات الدولية إلى أن التصاعد الأخير في التضخم سبقته زيادة مفاجئة في نمو النقود. فقد شهدت البلدان ذات النمو النقدي القوي معدلات تضخم أعلى بشكل ملحوظ. مع ذلك، حذروا من افتراض السببية، بحجة أن الجدل حول هذا الأمر لم تتم تسويته بالكامل. لكنهم يضيفون أن أرقام النمو النقدي يمكن أن تشتمل على محتوى معلوماتي مفيد للتضخم.
هناك عديد من الأسباب الأخرى لفشل البنوك المركزية في توقع اشتعال التضخم. ففي الأغلب اعتمدت نماذجها الاقتصادية بشكل كبير على استقراء الماضي القريب والافتراضات حول الدورة الاقتصادية. ومن الواضح أن الجائحة والحرب في أوكرانيا كانا حدثين استثنائيين لا علاقة لهما بأي دورة.
في الوقت نفسه، أدت برامج الشراء لدى البنوك المركزية إلى تشويه توقعات السوق. يجادل أوتمار إيسينج، كبير الاقتصاديين السابق وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي سابقا، والأستاذ في جامعة جوته في فرانكفورت حاليا، بأن المستثمرين الذين كانت لديهم توقعات تضخم أعلى مالوا إلى بيع سنداتهم للبنوك المركزية بأسعار عدوها مرتفعة. نتيجة لذلك، غاب هؤلاء المتشائمون بشأن التضخم عن الأسواق المالية، ما تسبب في قراءة مقياس توقعات التضخم أقل من الدرجة الفعلية. والنقطة الأكثر وضوحا هي أن محافظي البنوك المركزية قللوا بشكل سيئ من أهمية آثار الجولة الثانية لارتفاع أسعار النفط والغذاء على أسواق العمل والأسواق الأخرى.
الآن تكمن مخاطر عدم النظر إلى المال في الاتجاه الآخر. كان الاحتياطي الفيدرالي يشدد، كذلك فعل آخرون. بحسب ستيف هانكي وكاليب هوفمان، من جامعة جونز هوبكنز، بحلول كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، انخفض معدل النمو السنوي لثلاثة أشهر للمعروض النقدي العريض M2 في الولايات المتحدة إلى معدل مذهل بلغ سالب 5.4 في المائة، ما دفع معدل النمو السنوي إلى منطقة سلبية.
استنتاج رقم 1: سوق الأسهم في الوقت الحالي مفرطة في تفاؤلها بشأن تجنب الركود.
استنتاج رقم 2: حان الوقت لإعادة التفكير في المال.