أسعار النفط محاصرة في تداولات متقلبة .. وارتفاعات متوقعة في النصف الثاني
استمرت تقلبات أسعار النفط الخام وسط ترقب لسياسات الفيدرالي الأمريكي بشأن رفع جديد لأسعار الفائدة، بينما تستمر حالة التفاؤل بتعافي الاقتصاد الصيني وانتعاش الطلب بعد أعوام من الإغلاق والقيود الصارمة لمكافحة الجائحة.
وتواصل شركات النفط الكبرى والعمالقة التجاريون خطط تجنب النفط روسي المنشأ بشكل متزايد، تحسبا لتأثير العقوبات الغربية وسقف الأسعار الذي فرضته مجموعة السبع على الإمدادات النفطية الروسية، حيث نأى عديد من المشاركين في السوق بما في ذلك شركات النفط الكبرى وكبار التجار ومالكو السفن بأنفسهم بالفعل طواعية عن تجارة النفط روسي المنشأ منذ الحرب.
وأسهم قرار التحالف الذي تقوده مجموعة السبع بفرض سقوف أسعار منذ 5 فبراير الجاري على المنتجات البترولية الروسية المنقولة بحرا في زيادة القيود المفروضة على التجارة المتعلقة بالنفط الروسي والسفن والتأمين.
ويقول لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون "إن مراكز التجارة الرئيسة في آسيا أصبحت الهدف الرئيس لتدفقات المنتجات النفطية الروسية بما في ذلك كميات هائلة من زيت الوقود"، مشيرين إلى الارتفاع الملحوظ في هوامش التكرير.
وأشاروا إلى استمرار تقلبات أسعار النفط بعد أن أظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن المسؤولين يتراجعون عن مزيد من رفع أسعار الفائدة، ما قلل نسبيا من المخاوف من اتساع التباطؤ الاقتصادي الأمريكي ومن ثم تقليل الطلب.
من جانبه، قال هيرويوكي كينوشيتا المحلل الياباني ومختص شؤون الطاقة والمصارف، "إن الاحتياطي الفيدرالي كان أكثر قلقا بشأن مخاطر بقاء التضخم مرتفعا أكثر من دخول الاقتصاد في حالة ركود، في حين يقاوم الانخفاضات السعرية تفاؤل السوق بانتعاش قوي في الطلب الصيني بعد إنهاء سياسة صفر كوفيد المشددة لاحتواء الجائحة"، مشيرا إلى تأكيد بنك بي أو كيه فاينانشيال سيكيوريتيز أن النفط الخام لا يزال محاصرا في نمط تداول متقلب مع ارتفاع أسعار الفائدة وتوقعات تباطؤ الاقتصاد، ما يبقي ضغوطا هبوطية قوية على الأسعار.
وأكد أن تقلبات الأسعار والتراجعات المتلاحقة تأتي رغم حالة التفاؤل بصعود الطلب الصيني الذي يعول عليه كثيرا في تعزيز أسعار النفط الخام، لافتا إلى خفض بنك مورجان ستانلي توقعات نمو الأسعار، مرجحا أن السوق النفطية ستكون في حالة إفراط في العرض في الربع الأول ومتوازنة نسبيا في الربع الثاني قبل أن يتجه العرض نحو عجز في النصف الثاني من العام الجاري.
أما أندرو موريس مدير شركة بويري الدولية للاستشارات، فذكر أن تقلبات الأسعار تجيء في إطارها الطبيعي، حيث إن دورات النمو في الاقتصاد العالمي مهمة للغاية لأسواق السلع عموما وأسعار النفط والغاز خصوصا، مشيرا إلى أنه رغم مخاوف التباطؤ الاقتصادي العالمي فمن المرجح أن تزداد أسعار الغاز والنفط قوة في النصف الأخير من 2023، بحسب تقارير دولية.
وأشار إلى أن أسواق النفط والغاز تجتاز حاليا مخاض تباطؤ جديد حيث انخفض خام برنت 34 في المائة عن ذروته في مايو من العام الماضي كما تعرضت مخزونات الطاقة والعقود الآجلة للنفط الخام للضغط بعد أن أظهرت أحدث بيانات أمريكية أسبوعية ارتفاع مخزونات الخام التجارية بمقدار ضخم بلغ 16.3 مليون برميل بزيادة نحو 8 في المائة على متوسط الأعوام الخمسة.
بدوره، قال أندريه جروسي مدير شركة إم إم أيه سي الألمانية "إن أغلب التقارير والتوقعات الدولية للعام الحالي تصب في مصلحة أن أسعار الغاز والنفط من المرجح أن تصبح أقوى في النصف الثاني من العام الجاري، كما من المحتمل أن تستنفد المخزونات النفطية المتنامية حاليا بسرعة في حال اكتساب الاقتصاد زخما مرة أخرى، ما يترك قليلا من الطاقة الاحتياطية لإعادة بنائها على المدى القصير".
وأشار إلى أن تنامي مخزونات النفط الخام والغاز الطبيعي جاء بسبب معنويات أكثر راحة حاليا بعد شتاء معتدل لكنها قد تستنفد أيضا بسرعة في حال حدوث انتعاش اقتصادي خاصة إذا تعافي الاقتصاد الصيني بشكل كامل بعد التحرر من جميع القيود السابقة المرتبطة بالجائحة، محذرا من أنه إذا انحدر التباطؤ الاقتصادي الحالي إلى ركود فمن المرجح أن تتعرض أسعار النفط والغاز لمزيد من الضغط الهبوطي على المدى القريب، وقد لا يحدث الارتفاع التالي في الأسعار حتى عام 2024.
من جانبها، ذكرت ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة أفريكان إنجنيرينج الدولية أنه بعد مرور عام واحد على الصراع بين روسيا وأوكرانيا حدث كثير من التغيير في خريطة تدفق النفط في آسيا بشكل كبير، حيث رفعت الصين والهند وارداتهما من النفط الروسي، في تحد للعقوبات والقيود المفروضة على موسكو، وأثارت الوفرة في الخامات الروسية المخفضة شهية آسيا التي تعتمد على الاستيراد التي رأت فيها فرصة لجلب أكبر عدد ممكن من الشحنات لتخفيف تأثير ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
وأشارت إلى بيانات وكالة "بلاتس" التي رصدت ارتفاع صادرات الخام الروسية المنقولة بحرا إلى أعلى مستوى لها في ثمانية أشهر في يناير، حيث سجلت الصادرات إلى الصين والهند مستويات قياسية، كما أنهت الهند العام الماضي بزيادة سبعة أضعاف في واردات الخام الروسي على العام السابق وقد عزز ذلك حصة سوق الخام الروسي في سلة واردات النفط الخام الإجمالية للهند إلى 15 في المائة في العام الماضي مقابل 2.2 في المائة فقط في 2021.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط على نحو طفيف في معاملات آسيوية ضعيفة 23 فبراير، منهية ستة أيام من الخسائر التي عززتها مخاوف متزايدة من أن رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة بمعدلات أكبر قد يضغط على النمو الاقتصادي ويعزز الطلب على الوقود.
وزادت العقود الآجلة لخام برنت سنتين إلى 80.62 دولار للبرميل، كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط تسعة سنتات أو 0.1 في المائة، إلى 74.04 دولار للبرميل.
وكشف بيان أحدث اجتماع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن أغلب مسؤولي البنك اتفقوا على أن مخاطر التضخم المرتفع لا تزال عاملا مهما في صياغة السياسة النقدية، الأمر الذي يبرر استمرار رفع الفائدة لحين السيطرة عليه. وتواجه أسعار النفط ضغوطا بفعل مؤشرات على زيادة مخزونات الخام.
وذكرت مصادر في السوق نقلا عن بيانات معهد البترول الأمريكي الأربعاء أن مخزونات الوقود زادت 9.9 مليون برميل في الأسبوع الماضي.
من جانب آخر، انخفضت سلة خام أوبك وسجل سعرها 80.52 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 81.94 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني انخفاض له على التوالي، وإن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 82.95 دولار للبرميل".