رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


العمق الزاخر .. أساسات تاريخية وحضارية ومعرفية

نحتفل هذه الأيام بيوم التأسيس الذي يعد مناسبة وطنية ثقافية سنوية رفيعة نستذكر فيها كثيرا من التفاصيل المرتبطة بعمق هذا الوطن المبارك.
عندما نتحدث عن العمق هنا، فنحن نؤكد ما تم تثبيته سابقا من أسس تاريخية وحضارية وثقافية، نسترجعها لنبني عليها القادم من الأيام.
ولا تقتصر هذه الأسس التاريخية الزاخرة على المظهر الحضاري فقط، أو على تفاصيل التنوع الدقيقة الجميلة التي نراها فيما نلبس أو نأكل، بل تمتد إلى كل ما يمكن أن يدخل تحت نطاق الثقافة، والثقافة تعريفها واسع وممتد.
من ملامح هذا العمق الزاخر ثقافة المعرفة والعلم، فالدرعية كانت منارة للعلم والثقافة، إذ ظهرت فيها مدرسة للخط والنسخ - ونشاط النسخ دليل على تفاعل متزايد في نقل المعرفة – عرفت بجمال الخط وأنها ذات أسلوب خاص.
ومما يعرف أيضا عن تلك المرحلة اهتمام أئمة الدرعية بالعلم والتعليم ورواج المجالس العلمية لترتبط رحلة التأسيس بنشر العلم الشرعي.
وجود هذه البذرة الثقافية المعرفية في بيئة خصبة متمثلة في الموروث المعرفي الإسلامي المتنوع وفي الثورات العلمية السابقة واللاحقة لها هو ما هيأنا لعيش واقعنا اليوم، فمن جلسات العلم الشرعي الحياتية المتخصصة إلى مراكز التميز العلمي البحثية، ومن تأسيس بمنهج شرعي ثابت إلى رؤية عصرية تقوم على مجتمع حيوي راسخ الجذور يستند إلى قيم الإسلام المعتدل والاعتزاز بثقافته.
استذكار الجوانب الثقافية المتنوعة في هذا الأمر جزء من معنى الاحتفال بيوم التأسيس، وهذا يشمل الملامح والمظاهر كلها التي يمكن سردها في هذا السياق، سواء كنا نتحدث عن لهجة أصلية مميزة، أو زخرف على قطعة لباس ملون وجميل، أو قصيدة شهيرة تشهد على واقعة اختزلت معاني الشهامة والفضل التي يتميز بها أجدادنا في مختلف مناطق المملكة.
من يمعن النظر في هذه الملامح سيقدر الزخم الذي يصف تلك المرحلة ويربطه بواقعنا الذي نعيشه.
أجمل أمثلة هذا الزخم، هي الجوانب المعرفية والعلمية للثقافة، فكرا وسلوكا، إذ تحافظ على الموروث الشكلي وتنقله، وتطور الزخم الحضاري الذي نستذكره اليوم وسيستذكره أبناؤنا بعدنا.
نقف اليوم على مشارف عهد جديد من الواقع الحضاري والثقافي والمعرفي، ننتقل فيه من الاهتمام بالعلوم إلى إدارة العلوم وصنعها. تشكل كل مرحلة من يوم التأسيس حتى تاريخنا الحاضر فترة تأسيس جديدة. وما نعيشه اليوم سيكون في المستقبل مرحلة مهمة من مراحل التأسيس التي يستند عليها المستقبل. ستكون التطورات البحثية التي نعيشها جزءا من تأسيس لمستقبل أفضل، سواء كنا نتحدث عن زيادة أعداد الباحثين أو براءات الاختراعات أو البنى التحتية ومراكز الابتكار والعلوم أو المشاريع الطموحة التي تربط بين المعرفة والإنتاجية والتصنيع.
كل هذا لم يكن وليد المصادفة، بل امتداد لما أؤسس من قبل. وليس الأمر منحصرا على العلوم الرياضية البحتة، فمنهج التعلم في حد ذاته ثقافة، والأدب ثقافة، والفائدة ممتدة إلى الحاضر والمستقبل، وممتدة إلى من يقع ضمن حدود هذا البلد أو خارجه، جذورها في التاريخ، وتثمر في المستقبل عمقا زاخرا وشاهدا حاضرا.
ليس أجمل من يوم التأسيس فرصة لمشاهدة نسائمه والاستشراف بمنافعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي