51.2 مليار دولار القيمة السوقية للسندات والصكوك الدولارية للشركات السعودية .. ارتفاع بوتيرة قياسية
كشف رصد لـ"الاقتصادية" أن 6 في المائة من الشركات السعودية المدرجة فضلت اللجوء إلى خيار الاستدانة الخارجي مع نهاية العام الماضي، وسط اعتماد الأغلبية العظمى على التمويلات القادمة من القطاع البنكي السعودي.
وفي الإطار ذاته، ارتفعت القيمة السوقية للسندات والصكوك الدولارية الخاصة بالشركات السعودية بوتيرة قياسية، بعدما أضافت ما يقارب 3.8 مليار دولار إليها خلال نوفمبر وديسمبر الماضيين، وأنهت العام الماضي بقيمة اسمية تبلغ 51.2 مليار دولار.
وأظهرت بيانات مؤشر "ماركيت آيبوكس للإصدارات غير السيادية الدولارية للسعودية" الذي يتتبع أداء سندات وصكوك دولارية لـ13 شركة سعودية مدرجة في السوق المحلية، أن أعداد الإدراجات الدولية من السندات والصكوك للشركات السعودية وصلت إلى 43 إصدارا مرتفعة من 39 إصدارا.
وبحسب رصد "الاقتصادية"، ارتفع مقدار التوزيعات الدورية للمستثمرين لأدوات الدين الخاصة بالشركات السعودية بشكل طفيف "سبع نقاط أساس"، لتصبح 3.65 في المائة بنهاية عام 2022.
وأسهمت متانة التصنيف الائتماني وإقبال المستثمرين في تقنين أثر زيادة أسعار الفائدة على الشركات السعودية، بل إن أكثر من نصف "53 في المائة" إصدارات الشركات السعودية من العملة الدولارية قادم من قطاع الطاقة والمرافق العامة "23 إصدارا قائما من القطاعين".
ومعلوم أن صكوك وسندات قطاع المرافق السعودي سجلت أفضل أداء من بين القطاعات الأخرى.
من ناحية أخرى، بلغت إصدارات الجهات السعودية بنهاية 2022 ما يصل إلى 16.8 مليار دولار بحسب "الاقتصادية"، وتلك الإصدارات تلامس 42 في المائة من إصدارات المنطقة الخليجية عن الفترة نفسها.
وفي الإطار ذاته، دفعت إصدارات القطاع الخاص بالإمارات إلى الوصول لما يقارب نصف إصدارات أدوات الدين الجديدة في الخليج خلال العام الماضي، مع وصول حصتها في السوق إلى 47 في المائة من الإصدارات بقيمة 18.6 مليار دولار.
مع العلم أن إصدارات الدين لقطر والكويت والبحرين وعمان كانت عند 4.3 مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط وتأثيره الإيجابي في الميزانيات بنهاية 2022.
واستند الرصد إلى الدراسة الإحصائية التي قامت بها إدارة أدوات الدخل الثابت لبنك أبوظبي الأول، بناء على ما تم إصداره من أدوات دين بالعملات الصعبة.
التعامل مع الواقع الجديد
السيولة الذكية لشركات إدارة الأصول حققت مكاسب استثنائية بعد اقتناص أدوات دين ذات جودة عالية بثمن متدن خلال تقلبات أسواق الدين العالمية في 2022.
ويلجأ مستثمرون مؤسسيون إلى خيار اختبارات ضغط التدفقات المالية لأدوات الدين الخاصة بشركات الأسواق الناشئة. وأصبحت تلك الاختبارات بمنزلة البلورة السحرية لمعرفة وتمييز جهات الإصدار التي ستنجو من تبعات الوباء.
وتجرى تلك الاختبارات بهدف التعرف على قدرة الشركة على تحمل الخسائر المستقبلية التي يمكن أن تتعرض لها في ظل سيناريوهات محددة حول الأوضاع الاقتصادية في المستقبل.
في حين عانت المؤسسات المالية التباطؤ في تحصيل الأقساط مع محاولة الشركات تأجيل المدفوعات.
كسب جهات إصدار لمصلحة البنوك
جرت العادة أن تحصل البنوك التي ترتب إصدارات السندات والصكوك في منطقة الخليج على رسوم نجاح إغلاق الإصدار.
وتتباين تلك الرسوم بحسب مكانة وسمعة العميل، فقد تصل إلى ما بين عشرات الآلاف من الدولارات ونحو مليون دولار لكل مدير من مديري الدفاتر في حال كانت جهة الإصدار متميزة وذات مكانة ائتمانية عالية.
وتقوم البنوك الاستثمارية بالتضحية برسوم ترتيب الإصدارات من أجل ما هو أمل في أن تكافئها تلك الشركات المتميزة بتفويضات في المستقبل لمعاملات في أسواق المال وأنشطة مصرفية أخرى مثل خدمات الصرف الأجنبي والاستثمار.
ويعد الحديث عن رسوم الإصدار التي تتقاضاها البنوك الاستثمارية من الأمور التي يمكن وصفها بالصندوق الأسود، حيث تتباين تلك الرسوم وفقا للمنطقة الجغرافية وكذلك حجم الطلب والعرض وقوة المتانة الائتمانية للجهة المصدرة وحجم مبلغ الإصدار، وإذا ما كان هذا الإصدار عاما أم خاصا.
ومسألة إعداد جهة ما لإصدار صكوك دولارية تشتمل على التعاقد مع بنوك مرتبة للإصدار وثلاث شركات قانونية وإنشاء شركة غرض خاص والتعاقد مع وكالة تصنيف ائتماني أو أكثر، وفي السعودية تتباين رسوم الإصدار وفقا لعملة أدوات الدين المراد إصدارها.
ورسوم المستشارين القانونيين تتباين وفقا لهيكلة الصكوك المستخدمة، والأمر نفسه ينطبق على منتجات شركات التصنيف الائتماني التي يتطلب الأمر التدقيق جيدا في المنتج الائتماني الذي يتوافق مع احتياجات جهات الإصدار.
ماهية تسعير أدوات الدين
يتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية. حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية.
وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هو هوامش الائتمان الخاص بجهة الإصدار وثانيهما هو معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس" يتم الحصول على العائد النهائي، وذلك عندما يغلق الإصدار، مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.
خروج سندات من المؤشرات
من المنتظر أن يتم خروج الإصدارات التي يحين استحقاقها هذا العام من مؤشرات جي.بي مورجان، وذلك وفقا للإرشادات التنظيمية لكل مؤشر.
واستندت تحليلات وحدة التقارير الاقتصادية الخاصة بمواعيد آجال الاستحقاق إلى البيانات التي حصلت عليها من منصة "فاكتست" FactSet للخدمات المالية.
ولدى "فاكتست" واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري.
تاريخيا، دائما ما عانت أدوات الدخل الثابت عدم حصولها على التقدير اللازم "كأصول متميزة عن غيرها من الأسواق الصاعدة".
ونتج عن ذلك عدم وجود نوعية الأصول تلك في معظم محافظ شركات إدارة الأصول المتخصصة في الاستثمار في الأسواق الناشئة، إلا أن الأمر برمته بدأ في التغير تدريجيا مع نهاية يناير 2019 عندما شرعت مؤشرات جي بي مورجان في إضافة الديون الخليجية إلى مؤشراتها الرئيسة التي تتبع أداء الصناديق المتخصصة في أدوات الدخل الثابت.
إلا أن عملية الانضمام إلى هذا المؤشر قد تأخر ت بشكل كبير، ويعود ذلك إلى وجود معيار صارم يفيد بأن دول الخليج تقع في مرتبة عالية جدا على مؤشر البنك الدولي لتصنيف الدخول المرتفعة تتجاوز المعايير العادية التي تؤهل للإدراج في مؤشر الأسواق الناشئة، وهو أن يكون دخل الفرد أقل من 20 ألف دولار، فدخل الفرد في الإمارات يصل إلى 40 ألف دولار مقارنة بعشرة آلاف دولار في البرازيل.
بيد أنه تم إيجاد منهجية أخرى تسمح لدول الخليج بأن تكون ضمن تصنيف الأسواق الناشئة مثل "نسب تعادل القوة الشرائية" التي يستخدمها صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمقارنة بين ثروات مختلف الدول.
وهذا المؤشر يمكن استخدامه في بعض الأحيان لمقارنة مستويات المعيشة بين دولتين أو أكثر، وهذا المعيار يستخدم أيضا لقياس تكلفة شراء سلة سلع مماثلة لعملات دول أخرى في الأسواق الناشئة.
وبالنسبة إلى الصكوك، فإن الأنظمة الداخلية للمؤشرات تسمح باختيار الصكوك الصادرة من جهات الإصدار المؤهلة، شريطة أن تكون الصكوك حاصلة على تصنيف ائتماني من إحدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية. وتاريخيا تمت إضافة الصكوك إلى المؤشر منذ أواخر 2016.
إدارة الصناديق ومؤشرات قياس الأداء
معلوم أن المستثمرين في سوق السندات والصكوك وكذلك شركات إدارة الأصول يستعينون بتلك المؤشرات من أجل مقارنة أداء تلك الأدوات الاستثمارية وفقا لمنطقة جغرافية محددة أو قطاع معين.
ومن المتعارف عليه مع شركات إدارات الأصول، فإن هناك مؤشر قياس لكل فئة من الأصول الاستثمارية، لكي يقيس مدير الصندوق الأداء السنوي للصندوق مع مؤشر القياس الذي يسترشد به.
ويتم الطلب من مديري الأصول الذين يتولون إدارة صناديق الدخل الثابت أن يحققوا عائدا قريبا من المؤشر الذي يتبعونه، والغاية من ذلك تكمن في مساعدة المستثمر في تلك الصناديق على قياس أرباح أو خسائر الصندوق وفقا لمؤشر قياس يعتد به.
ويعد مؤشر بلومبيرج باركليز أحد المزودين الثلاثة الرئيسين لمؤشرات السندات في العالم، وتتبع أداء صناديق السندات العالمية.
وكان مؤشر بلومبيرج باركليز من أوائل المؤشرات العالمية التي أدرجت سندات وصكوك الحكومة السعودية ضمن مؤشراته.
مراحل متدرجة
معلوم أن المركز الوطني لإدارة الدين، بالنيابة عن وزارة المالية قد توقع في 2019 أن تصل قيمة التدفقات نحو أدوات الدين السعودية إلى نحو 11 مليار دولار، ما بين 31 يناير 2019 وهو تاريخ الانضمام الفعلي للمرحلة الأولى و30 سبتمبر من العام ذاته.
وبحسب توقعات المتخصصين في أسواق الدخل الثابت، فمن المفترض أن هذا الانضمام قد جلب ما بين 25 في المائة إلى 33 في المائة كتدفقات إضافية نحو أدوات الدين السيادية للمملكة وهي استثمارات في الأوراق المالية للسعودية لم تكن في المتناول قبل 2019، في حين تصل هذه النسبة إلى 50 في المائة للكويت التي لديها إصدار واحد مؤهل وهي سندات عشرة أعوام.
وبسبب وصول الديون الخليجية "المضافة" والقديمة ما بين 15 في المائة إلى 20 في المائة، فإن القائمين على المؤشر ارتأوا أن تتم عملية الدخول للمؤشرات عبر عدة مراحل، على مدى تسعة أشهر، كي لا يتسبب الحجم الكبير للديون الخليجية في إحداث اضطرابات في الديون الأخرى، مع تحويل الصناديق الأموال إلى أدوات الدين الخليجية.
تعزيز كفاءات إدارات الخزانة
مع انضمام مصدرين خليجيين جدد إلى أسواق الدين، باتت ظاهرة استعانة تلك الشركات العملاقة بمصرفيين سابقين في أسواق الدخل الثابت، من أجل تعزيز إدارات الخزانة التي تتولى في العادة ملفات الاستدانة.
ومن المنتظر أن تسهم تلك الظاهره الحديثة في إحداث وفرة في تكلفة الإصدار والاقتراض "بحكم خبرة تلك الكفاءات في تسعير تلك الأوراق المالية"، ولا سيما تلك الكيانات التي لديها احتياجات تمويلية ضخمة.
والبنوك المرتبة للإصدار تتنوع تخصصاتها: منها ما يمتلك فريق أسواق دين متمكنا يعرف كيف يغلق مثل هذه الإصدارات. إلا أن هذه البنوك الاستثمارية تفتقر إلى الودائع المليارية الفائضة التي يمكن تسخيرها لمصلحة شراء جزء من الإصدار.
وهنا يأتي دور البنوك التجارية الخليجية التي تمتلك هذه الميزة لكن تفتقد إلى خبرة أسواق الدين. ولا يعني بالضرورة تفويض عديد من البنوك لترتيب إصدار سندات أن رسوم الإصدار ستكون مرتفعة على جهة الإصدار.
ورسوم ترتيب الإصدار ستكون هي نفسها، لكن حصص البنوك ستكون منخفضة. حيث يصل معدل عدد البنوك المرتبة لإصدارات السندات الدولارية إلى ما بين 6.5 و4.6.
وبعض البنوك مستعدة لتقديم التنازلات مع الرسوم من أجل تصدر جدول ترتيب البنوك الأكثر طلبا من حيث ترتيب إصدارات أدوات الدين "وهذه الاستراتيجية تجلب عملاء جددا".
ويصل معدل رسوم ترتيب إصدار أدوات الدين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 0.7 في المائة للسندات ذات الدرجة الاستثمارية العالية، أي إذا كانت قيمة الإصدار مليارا، فإن جهة الإصدار تدفع سبعة ملايين دولار للبنوك، في حين يصل معدل هذه الرسوم لسندات "الخردة" إلى 1.2 في المائة من إجمالي قيمة الإصدار.
وحدة التقارير الاقتصادية