لماذا تفشل أغلب الابتكارات؟

كثيرا ما نسمع عن مفهوم الابتكار أخيرا وكيف أن كثيرا من الصناعات مثل الطاقة والكهرباء والنقل والطيران والاتصالات والمياه والزراعة والتعدين والصيدلة وغيرها، تدفع بقوة إلى الابتكار وتعزيزه ضمن استراتيجياتها.

وفي الأغلب ما يكون الابتكار ضروريا للمنظمات المعنية للتكيف والتغلب على تحديات التغيير، لأن ذلك من شأنه أن يعزز النمو ويفتح آفاقا واسعة ويوجد فرصا جديدة. والغرض الرئيس من الابتكار هو إنشاء قيم تجارية جديدة من خلال تحسينات إضافية إلى المنتجات الحالية أو إنشاء منتجات وخدمات جديدة أو تقليل التكلفة.

ويعد تحقيق النمو التنظيمي والاقتصادي من خلال الابتكار أمرا أساسيا لبقاء المنظمة في عالم شديد التنافسية، إما للبقاء في السوق وإما لاكتساب ميزة تنافسية أو تحقيق إيرادات نوعية، ويمنح الابتكار المنظمات ميزة على منافسيها.

لكن الافتقار إلى الابتكار والتطوير في الأعمال يمكن أن يتسبب في الفشل، حيث تشير آخر الأبحاث إلى أنه في الأعوام الـ 20 الماضية، أفلس نحو 52 في المائة من شركات Fortune 500 أو تم الاستحواذ عليها أو لم تعد موجودة بسبب الاضطراب الرقمي Digital Disruption، وتعتمد المنظمات أو الشركات الناجحة، الابتكار كوسيلة نحو تطوير الخدمات والمنتجات، ما يكفل بقاءها في السوق بل وجني مزيد من الأرباح، ومثال ذلك شركات أبل وأمازون ومايكروسوفت وفيسبوك وجوجل وغيرها.

لكن هل تعلم أن أقل من 5 في المائة فقط من مشاريع الابتكار ناجحة؟ بينما أكثر من "95 في المائة" من مشاريع الابتكار تنتهي إلى الفشل ولا ترى النور أبدا ولا تحقق أي فائدة أو جدوى للمنظمة، بل قد تفشل المنظمة في مناهجها الابتكارية في حل مشكلة ما. لكن قد لا ينسب الفشل إلى الابتكار وحده فحسب، بل قد يتعلق بالمنتجات أو المشاريع أو حتى في عمليات الدمج والاستحواذ.

ويطلق رواد الأعمال على النسبة 95 في المائة صفة الابتكار غير الناجح وليس الفاشل، لأن الفشل هو جزء من النجاح وليس ضده، وإن هذه النسبة الكبيرة تشكل أساس النجاح.
دعونا هنا نشخص أهم أسباب فشل الابتكار وتداعياته ومنها عدم وجود عقلية أو فكر الابتكار في قلب المنظمة أو إدارتها، عندما تفتقر عقلية الإدارة العليا وكذلك الموظفون داخل المنظمة ذاتها إلى ثقافة الابتكار لإيجاد شيء جديد. ويلعب القادة دورا رئيسا في تكوين عقلية مبتكرة داخل الشركة، وقد تحتاج بعض المنظمات إلى استقطاب قدرات بشرية لرفع درجة الابتكار لديها.

ومن الأسباب الرئيسة هو الخوف من الفشل، وإذا كانت المنظمة قد أنفقت مبالغ مالية ووفرت موارد للبحث والتطوير أو المبيعات أو حتى التسويق في ابتكار منتج جديد، فقد يتخوف الموظف أو الفريق المبتكر من الفشل. ولعلنا نحيلكم إلى مقال سابق عن الفشل الذكي في صحيفة "الاقتصادية".

ومن أسباب الفشل الافتقار إلى هياكل وعمليات واضحة للابتكار داخل المنظمة، أو صعوبة وصول الابتكار إلى السوق لوجود أنظمة قانونية تمنعه من الدخول والمنافسة. ومنها كذلك أن معظم المنظمات تميل إلى التركيز على الأهداف والنتائج قصيرة المدى بدلا من التفكير من منظور طويل المدى.

وتستهدف معظم المنظمات إنفاق المبالغ وتخصيص الموارد على المبيعات والتسويق لتحقيق الأهداف قصيرة المدى، وبالتالي، يتم استهلاك معظم الميزانية مع ترك القليل في مجالات البحث والتطوير والابتكار. ومن أسباب فشل الابتكار هو عدم فهم احتياجات العميل، ويكون الفشل ذريعا عندما لا تدرك المنظمات ما يريده عملاؤها ولا عن طبيعة احتياجاتهم.

بل إن كثيرا من الابتكارات الجديدة قد يكون مآلها الفشل لأن المنظمة غير مدركة لمشكلة العميل الذي يحاول حلها، وبالتالي يتم ابتكار منتج أو خدمة لا تلقى رواجا لدى العملاء من أساسه. ويرجع أحد الأسباب الأكثر شيوعا لفشل الابتكار إلى نقص التمويل أو عدمه في الأساليب المبتكرة.

وإذا لم يتم دعم مشروع ابتكاري بالتمويل المناسب لتكوين الفرق وطرح الأفكار وبناء نموذج أولي واختبار جودة المنتج أو الخدمة، فسيكون ذلك مدعاة لفشل الابتكار، ووأدا له في مهده. ولذا لا يمكن أن يتحقق الابتكار من غير وجود تحفيز للفريق أو ثقة بأعضائه، ولا يمكن للموظف أن يبتكر بمفرده، لأن الابتكار ليس وظيفة رجل واحد بل عمل فريق جماعي.
إن الابتكارات الناجحة هي التي تلبي احتياجات العملاء من خلال تفرد المنتج مقارنة ببدائله، ومعرفة المبتكرين في السوق ومتابعتهم لمتطلبات السوق المستقبلية، ومواءمة المنتج مع الموارد التقنية والتصنيعية في المنظمة، وأخيرا التوقيت الأمثل لظهور المنتج المبتكر في السوق.

ودائما ما تركز توجهات المنظمة على التميز بحيث يتجنب الاعتراف بالفشل، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان فرصة التعلم من الفشل. وفي الأغلب ما تحظى الابتكارات الفاشلة باهتمام في الصحافة والإعلام. وتحدث هذه الإخفاقات على الرغم من التفاؤل المبكر بشأن إمكانية الابتكارات غير الناجحة.

لكن إذا فهم صناع السياسة في المنظمة أسباب فشل الابتكار، فقد يكونون قادرين على تطوير سياسة لمنع تلك الإخفاقات لأن معظم الأبحاث تركز على تأثير الابتكارات في أداء الشركة أو الاقتصاد الكلي بدلا من محددات نجاحها أو فشلها.

ونرى من الضرورة بمكان فتح الابتكار من خارج أسوار المنظمة وإتاحة البيانات ودعم الأفكار الابتكارية وتقبلها بصدر رحب ومكافأة المبتكرين في مناسبات دورية. إن الابتكار أمر لا مفر منه إذا أرادت المنظمات أن تبقى في السوق وأن تدرك أن الفشل هو بداية النجاح.

ونختم مقالنا بهذا السؤال إلى منظماتنا المحلية، كم نسبة دعم الابتكار؟ وهل توجد هياكل وعمليات للابتكار؟ وكيف استفادت من تجارب الفشل؟ وهل يوجد دعم مادي ومعنوي للمبتكرين؟ وما هي درجة ثقافة الابتكار في المنظمة؟ إن نجاح الابتكار سيكون باهظا ومتعبا لكن فوائده تستحق ذلك بكل تأكيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي