كيف تمكنت "هيندنبيرج" من بيع أسهم مجموعة أداني على المكشوف؟
عندما قرر الأمريكي ناثان أندرسون، البائع على المكشوف، الاستحواذ على شركة أداني جروب الهندية، واجه التحدي الأكبر الذي قد يواجهه أي شخص في مجال أعماله، وهي القوانين التي تمنع البيع على المكشوف في الهند.
لم يفصح مؤسس هيندنبيرج ريسيرتش، ومقرها نيويورك، عن التفاصيل حول الكيفية التي تمت بها هيكلة رهانه المالي ضد المجموعة المختصة في البنية التحتية، التي اتهمها بالاحتيال والتلاعب بأسعار الأسهم في تقرير من 100 صفحة تم نشره الشهر الماضي - قائلا فيه فقط إن الشركة اتخذت مركزا قصيرا في شركة أداني "من خلال السندات المتداولة في الولايات المتحدة وأدوات المشتقات غير الهندية المتداولة".
لكن ثلاثة من مديري صناديق التحوط الذين اطلعوا على القيام بعملية التداول تلك قالوا، إن من المحتمل أن أندرسون توجب عليه بناء مركزه باستخدام المشتقات المرتبطة بأكبر المؤشرات في الهند، فضلا عن السندات المتداولة في الولايات المتحدة.
لكن على الرغم من إنكار شركة أداني لهذه المزاعم في اعتراض من 400 صفحة، أثار تقرير هيندنبيرج عمليات بيع في الكيانات المدرجة في المجموعة، الأمر الذي أدى إلى خسارة فاقت الـ100 مليار دولار من القيمة السوقية المجمعة للشركة.
وهو رد فعل كانت شركة هيندنبيرج تتأمله، حيث تربح عندما ينخفض سعر السندات والأسهم المرتبطة بشركة ما. غير أن الكيفية التي قام أندرسون وفريقه بهيكلة تجارتهم تعد لغزا يحير السوق.
عادة ما يقترض البائعون على المكشوف الأسهم من خلال وسيط، ثم يبيعونها في السوق على أمل أن ينخفض سعرها. وإذا تم ذلك، فإنهم يشترون الأسهم بغرض إرجاعها للمقرض ويحتفظون بفرق السعر.
لكن بيع الشركات في الهند على المكشوف مسألة صعبة. فبموجب لوائح الأوراق المالية فيها، يتعين على المستثمرين المؤسسيين الإعلان مسبقا إذا كانوا سيتخذون مركزا مكشوفا، كما يجب على الوسطاء تحميل البيانات الخاصة بالصفقات على المكشوف إلى بورصة الأسهم قبل التداول في اليوم التالي.
في الوقت نفسه، تمتلك عديد من الشركات - بما فيها الشركات المدرجة ضمن أداني جروب - تعويما حرا صغيرا، وهو ما يعوق توافر الأسهم للبائع المحتمل على المكشوف. كما لا تسمح الهند بما يسمى البيع على المكشوف المجرد، حيث يمكن للمستثمرين المراهنة على أن السهم سينخفض دون اقتراض الأوراق المالية الأساسية أولا.
قال جابرييل جريجو، مدير صندوق تحوط في "كوينتيسينشال كابيتال"، الذي يشن حملة بيع على المكشوف في مجموعة داركتريس للأمن السيبراني، "كنت في الصيف الماضي أنظر شخصيا إلى شركة أداني بخصوص عملية البيع على المكشوف، ومن الأسباب التي دفعتني إلى عدم القيام بمزيد من التحقيق في الأمر هو صعوبة بيعها على المكشوف في الهند".
الاستعانة بالشركات الخارجية
وجدت شركة هيندنبيرج الحل. حيث يمكن للمستثمرين الذين يرغبون في المراهنة ضد شركة هندية القيام بذلك باستخدام مؤشر الأسهم الرئيس في الهند نيفتي 50، الذي تعد شركة أداني إنتربرايسيز واحدة من أكبر الشركات فيه، وفقا لصناديق التحوط الثلاثة التي أخذت بالاعتبار القيام بعملية التداول.
يمكن للبنوك التي لديها عمليات في سنغافورة، التي تعد من بين الولايات القضائية التي يمكن للبائعين على المكشوف القيام فيها بهذه الأنواع من التداولات، يمكنها إنشاء منتج يسمى العقود المستقبلية للأسهم المفردة. حيث تسمح مشتقات الأسهم هذه للمستثمرين بالتعرض لتحركات الأسعار على الأسهم الأساسية.
في حالة شركة هيندنبيرج، ستحصل على قيمة ترجيح شركة أداني إنتربرايسيز في المؤشر بينما يتم بيع الباقي في السوق.
لكن ما يعيب مثل هذه الأدوات هو قلة السيولة في السوق، أي أن الرهانات تميل إلى أن تكون صغيرة نسبيا. وعادة ما يستخدم البائعون على المكشوف مشتقات أخرى مثل مقايضات التخلف عن السداد لرفع رهاناتهم، لكن هذا غير ممكن في حالة "أداني إنتربرايسيز" لأن المجموعة غير مدرجة في مؤشرات مقايضات التخلف عن السداد.
فيما قال سورين أندال، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بلو أوركا كابيتال الناشطة في مجال البيع على المكشوف ومقرها تكساس، "هناك سبب يدفعك للقيام بهذا النوع من التداول في الأسهم الهندية. إنها المتطلبات المعقدة للنظام الهندي الذي يمنع التداول مباشرة".
كما كانت المراهنة على السندات المدرجة في الولايات المتحدة التي تصدرها كيانات مختلفة لشركة أداني أيضا خيارا مطروحا لشركة هيندنبيرج، التي رفضت التعليق على هذا المقال.
شركاء محتملون
يميل أندرسون إلى الشراكة مع بائعين آخرين على المكشوف عند التحقيق في الشركات، حيث عمل في السابق مع جريجو. بينما رفضت شركة هيندنبيرج الكشف عما إذا دخلت في شراكة مع مستثمرين آخرين في أداني، إلا أن فصل إخلاء المسؤولية الوارد في التقرير ينص على إمكانية مشاركة مستثمر أو أكثر.
لكن القليل فقط قد تم الكشف عنه حول الكيفية التي وضعت بها الشركة أنظارها على أداني بخلاف حقيقة أن البحث استغرق عامين.
قال شخصان على دراية بالعملية إن شركة هيندنبيرج استعانت بمحلل خارجي صب تركيزه على الشركات الهندية للتحقيق في شركة أداني. قاد هذا المحلل البحث بمساعدة فريق من خمسة موظفين من شركة هيندنبيرج. قرر الفريق إصدار التقرير قبل أيام من عملية بيع لأسهم أداني بقيمة 2.4 مليار دولار كان مخططا لها الشهر الماضي.
كان التوقيت حاسما لأن تقرير هيندنبيرج ألقى بظلال من الشك على مجموعة المستثمرين الرئيسين المشتركة في جمع الأموال، التي شملت كيانات مقرها موريشيوس. زعم البائع على المكشوف أن هذه الكيانات كانت لها صلات بعائلة أداني وكانت تشتري الأسهم لدعم سعر أسهم الشركات المدرجة في المجموعة. لكن شركة أداني نفت هذه المزاعم.
الهدف الأكبر
إن المجموعة الهندية التي أسسها جوتام أداني، الذي كان حتى صدور تقرير هيندنبيرج ثالث أغنى شخص في العالم، هو الهدف الأكبر في الشركة من بين قائمة صغيرة من الشركات غير الأمريكية التي راهنت ضدها.
كان أندرسون، الذي يعد معلمه هاري ماركوبولوس، المحقق المعروف بدق ناقوس الخطر بشأن مخطط بونزي لبرنارد مادوف، قد أسس الشركة قبل ستة أعوام.
في 2020، أصدر تقريرا عن شركة نيكولا لصناعة الشاحنات الكهربائية بعد فترة وجيزة من إدراج الشركة عن طريق شركة استحواذ ذات أغراض خاصة.
تضمن التقرير، الذي زعم حدوث عملية احتيال، مقطع فيديو سيئ السمعة أظهر نموذجا أوليا لإحدى شاحنات نيكولا، الذي قال البائع على المكشوف إنها كانت تتحرك تلقاء نفسها في الواقع فقط لأنها كانت تتدحرج نزولا عن التلة. وبهذا دفعت شركة نيكولا 125 مليون دولار لتسوية تهم الاحتيال في 2021. في العام الماضي أدين مؤسس شركة نيكولا تريفور ميلتون بالاحتيال على المستثمرين.
كما قدم أندرسون رهانا رابحا على تويتر، حيث قام ببيع أسهم الشركة على المكشوف في أيار (مايو) عندما كان إيلون ماسك يحاول التخلي عن عرضه لشرائها.
غير أن الحملات التي شنتها شركة هيندنبيرج لم تتكلل كلها بالنجاح. إذ ارتفعت الأسهم في مجموعة ويلتاوار للاستثمار العقاري بأكثر من 15 في المائة بعد أن نشرت شركة هيندنبيرج تقريرا في كانون الأول (ديسمبر) زعمت فيه أن إحدى أهم شراكاتها كانت "زائفة".
كما ارتفعت الأسهم في مجموعة إستابليشمنت لابز للأجهزة الطبية بأكثر من 30 في المائة بعد أن وصفتها هيندنبيرج بأنها "مرهقة ماليا وتخدع المستهلكين بشأن سلامة السيليكون الذي تنتجه" في تشرين الأول (أكتوبر).
غير أن نجاح الشركة الأخير ميزها عن منافسيها، الذين عانى كثير منهم في السوق الصاعدة التي استمرت لعقد.
رد الفعل السياسي في الهند
بينما أشاد البعض بشركة هيندنبيرج لظهورها كمن يرفع الغطاء عن المشكلات في مجموعة أداني مترامية الأطراف، صور آخرون التقرير على أنه هجوم على الهند وأنه "ضربة متعمدة" تستهدف أسواقها.
كما وصف سانجو فيرما، المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، أندرسون بأنه "بائع على المكشوف سيئ السمعة" واتهم شركة هيندنبيرج بنشر "أكاذيب خبيثة". وتعد شركة أداني حليفة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
بالمقابل، أشاد أنصار حزب المؤتمر المعارض بأندرسون.
" تطلب الأمر من ناثان أندرسون البائع على المكشوف من هيندنبيرج لفضح الفساد والتلاعب الذي يحدث في أداني جروب والشركات الموجودة تحت أنظار رئيس الوزراء، " كما قال رافيندر كابور، المتداول الذي أعلن تأييده لأعضاء حزب المؤتمر من سلالة غاندي، على تويتر بعد ثلاثة أيام من قرار شركة أداني بإلغاء بيع أسهمها.
قال جويوجيت بال، الأستاذ المساعد في كلية المعلومات في جامعة ميشيجان، لـ"فاينانشال تايمز"، "بشكل عام، تم إسكات صوت الهجمات على ناثان أندرسون عبر الإنترنت أكثر بكثير من الدعم الذي حصل عليه عبر الإنترنت".