بيئة عمل متمكنة .. السلامة النفسية أولا
يقال إنها سر العثور على موسيقى جديدة ورعايتها في واحدة من أكبر شركات التسجيل في العالم. وإنها المفتاح لتشجيع مديري الأصول في صندوق الثروة السيادية على القيام بمراهنات متناقضة بشكل أكبر. إنها لبنة مركزية في سياسة بنك متعدد الجنسيات للشمول والانتماء.
أصبحت "السلامة النفسية" -التي أنهت، أو على الأقل قللت، من المخاوف بين الأفراد في الفرق وزادت من الصراحة- شعارا لكثير من المديرين التنفيذيين الذين يسعون إلى التفوق على المنافسين في الابتكار، والأداء، وجذب الموظفين والاحتفاظ بهم.
لكنها من الممكن أن تتحول من كونها خطوة قصيرة ناجمة عن الظاهرة التنظيمية اليوم إلى نزوة إدارية بالأمس. جاء الاهتمام المتزايد بالسلامة النفسية مع الشعور الدائم بالشك والقلق. حتى آمي إدموندسون من كلية هارفارد للأعمال المدافعة الأكثر شهرة عنها، تقول "إنها تخشى أن يتم تخفيف استنتاجاتها الأصلية في بعض الأحيان، ثم تصبح لا تعني شئيا".
عثرت إدموندسون على هذا المفهوم عندما كانت طالبة دكتوراه في التسعينيات، حيث درست تأثير العمل بروح الفريق في الأخطاء الطبية. إذ وجدت الاستطلاعات علاقة قوية بين معدلات الخطأ وفاعلية الفريق. لكن على عكس توقعاتها، يبدو أن فرق المستشفى الأفضل ترتكب أخطاء أكثر من الفرق الأضعف. وأكدت الأبحاث الإضافية أن الفرق الجيدة أبلغت في الواقع عن مزيد من الأخطاء، لأنها تحدثت بصراحة أكبر عن الأخطاء. إن الآثار الإيجابية للسلامة النفسية تتجاوز نطاق الرعاية الصحية، كما وجد مزيد من الدراسات.
أثار مقال نشر في "نيويورك تايمز" في 2016 اهتماما أكبر حول دراسة منفصلة في شركة جوجل، وجدت أن السلامة النفسية كانت بلا ريب العنصر الأكثر أهمية في أفضل فرق شركة التكنولوجيا. زاد كتاب إدموندسون "مؤسسة لا تعرف الخوف" في 2018 هذا الاهتمام. أدت الجائحة والتركيز الموازي على رفاهية الموظفين إلى تعميق الفكرة في مفردات الشركة.
كما تقر إدموندسون، حدد أكاديميون آخرون سابقا أهمية التحدي المفتوح داخل الفرق. كما كانت عناصر الفكرة موجودة بالفعل في المنظمات عالية الأداء. إذ إنه في التصنيع، كان لدى شركة تويوتا حبل أندون (وهو نظام لإخطار الإدارة) خاص بها، يمكن لأي عامل سحبه لإيقاف خط إنتاج السيارة، والتعامل مع مشكلة ما. وفي مجال الطيران، خفضت إدارة موارد الطاقم عدد حوادث تحطم الطائرات عن طريق تقليل الفروقات في رتب العاملين وتحفيز مزيد من الصراحة في اتصالات قمرة القيادة.
يشير توم جيراجتي، مؤسس موقع سايك سيفتي، الذي يهدف إلى نشر العمل وتقديم المشورة حول الموضوع، إلى الارتباط المباشر لسياسات الصحة والسلامة التقليدية، التي انتقلت من نهج "السلامة 1"، في محاولة لمنع حدوث أخطاء، إلى السعي لتحقيق "الأمان 2" لجعل مزيد من الأشياء تسير بشكل صحيح، في كثير من الأحيان.
الوقاية من الأخطاء ليست سوى طريقة واحدة من طرق مساعدة السلامة النفسية على تحسين الأداء، وفقا لمؤيديها. يستخدم نيكولاي تانجين، الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادية النرويجي، نورجس بنك إنفستمنت مانجمنت، هذا المفهوم لجعل مديري الصناديق يشعرون بجرأة أكبر بشأن تحمل مزيد من المخاطر.
تعد "السلامة النفسية" جزءا أساسيا من برنامج تدريبي جديد تطرحه شركة وورنر ميوزك على مديري موظفيها البالغ عددهم 1,500 موظف. مثلا، يتم تشجيع جميع فرقها المهمة على تقديم ملاحظات صريحة حول نجاحات وفشل بعضهم بعضا، عملية تعرف باسم "التأثير الرجعي" أو "الاسترجاع".
تصف تانوج كابيلاشرامي، رئيسة الموارد البشرية في بنك ستاندرد تشارترد، السلامة النفسية بأنها "عامل تمكين رئيس" للشمول والانتماء عبر المجموعة المصرفية.
تقول إدموندسون "إن الجائحة شجعت الاهتمام بأبحاثها. كما كشفت عن خلل وظيفي، حتى في الفرق التي يبدو أنها تتمتع ببيئة عمل صحية. في أحد أنظمة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، كشفت الجائحة بعض التوترات والاستياء المحتمل"، حول من تم إرساله إلى المنزل ومن لم يتم إرساله. وقد وجد موظفو المستشفى الذين أعيد تكليفهم بوظائف غير مألوفة أثناء حالات الطوارئ أنه "عندما يكون عليك فجأة أن تتعلم شيئا جديدا (...) يصبح من الصعب طلب المساعدة".
كما عزز التركيز على رفاهية الموظفين في عمليات الإغلاق مفاهيم خاطئة شائعة مفادها أن السلامة النفسية تنطوي على توفير "مساحة آمنة". تقول إدموندسون، إنه في بيئة الملاحظات الصريحة، يسأل الناس أحيانا، "كيف يمكن لأي شيء يؤذيني أو يسبب لي الألم بأي طريقة أن يكون جيدا؟". لكن السلامة النفسية الحقيقية تنطوي على "عدم الخوف من الاختلاف مع الرئيس، والإشارة إلى أخطاء الآخرين، لأننا نهتم بالعميل والمريض وجودة العمل أكثر من اهتمامنا بأنفسنا في الوقت الحالي".
وجدت شارين كلاركسون كينت، رئيسة قسم التعلم والتطوير في أبري، جمعية إسكان في المملكة المتحدة، أن 200 مدير ممن خضعوا للتدريب في مجال السلامة النفسية يسعدهم التحدث بصراحة. لكنهم يظلون حذرين بشأن إيذاء مشاعر الآخرين. تقول "إننا منظمة طيبة ومهتمة ولدينا زملاء طيبون ومهتمون. وفي بعض الأحيان يمكن أن يقودنا ذلك إلى عدم الرغبة في إزعاج الناس وعدم التحدي بقدر ما ينبغي".
يقول سكوت تشامبرز، الشريك الإداري لشركة الاستشارات كيروس تشينج، التي تقدم المشورة للشركات بشأن تطبيق أفكار إدموندسون، "إنه بعيدا عن تشكيل منطقة راحة، فإنك بمجرد تطبيق السلامة النفسية، يصبح الوضع أقل راحة نظرا لأن الأشخاص يتحدثون مع بعضهم بعضا بشكل مباشر حول مشاعرهم، وربما يقدمون بعض الملاحظات التي لن تحبها بشأن عملك".
يكمن سوء الفهم الذي يضايق إدموندسون في "معادلة السلامة النفسية مع الأمن الوظيفي". تقول "عندما يخلط الناس بين الأمرين، يصبحون عرضة لخطر تلويث السلامة النفسية عن غير قصد برسالة مفادها أن الوقت قد حان للاحتماء وعدم إثارة المخاوف وعدم الاختلاف مع الرئيس". قد يكون هذا الجبن خطيرا في وقت يسوده عدم اليقين الاقتصادي حيث تكون الصراحة بشأن التحديات المقبلة أمرا بالغ الأهمية.
تشرح قائلة "الحقيقة هي أن هذه منطقة معقدة وفوضوية. المنظمة التي لا خوف فيها مجرد طموح، ليست حقيقة". عندما يسارع الأفراد إلى الإساءة، فمن الصعب إجراء "محادثات جيدة دون التسبب في ضرر لا داعي له ودون الوقوع في فخ لم تكن على دراية به تماما".
يعتقد النقاد أن هذا المفهوم يساء تطبيقه في كثير من الأحيان. يقول بول بيري، المدرب التنفيذي ومستشار تنمية المهارات القيادية، من "علوم الأداء البشري"، "إن كثيرا من القادة يطبقون نسخة منقحة من الملاحظات، التي تتسم بالابتذال ولا تمثل تهديدا لوظيفتهم". كما يشكك فيما إذا كانت السلامة النفسية "مرغوبة بشكل قاطع في جميع السياقات".
حتى القادة الملتزمون بالفكرة، مثل تانجين، يعترفون بأنه كان من الصعب سماع النقد المباشر في البداية، "لكنك تدرك بسرعة أن الملاحظات البناءة تظهر أنك تهتم حقا بالناس". تقول جو دالي، المسؤولة عن التعلم والتطوير في شركة وورنر ميوزك، "إن السلامة النفسية ليست حلا سحريا للناس ليتمكنوا من قول ما يفكرون فيه دون عواقب. يتعلق الأمر بفهم أننا نتحمل مسؤولية الاستماع إلى بعضنا بعضا، وتحديد الحقائق والتحدث عنها بوضوح، لكن التحدث عنها بلطف".
يتفق الجميع على أن تحقيق الهدف يتطلب اهتماما إداريا مستمرا. وتراقب كابيلاشرامي كيفية عمل السلامة النفسية في الممارسة العملية، بالاعتماد على البيانات المأخوذة من استبيانات الموظفين. فهي تبحث، مثلا، في عدد الشكاوى المجهولة التي قدمها موظفو شركة ستان تشارت، وتسأل "هل يعني هذا أن الناس يشعرون بالتمكين (لتقديم شكوى)، لكن ليس لديهم الثقة لقول الأشياء لرئيسهم؟".
بالنسبة إلى إدموندسون، فقد تبدو أحيانا مرتبكة حول كيفية ترسخ هذا العنصر من عملها الأوسع في الفرق الجيدة. وتقول "إن هناك عوامل أخرى حاسمة أيضا، مثل التحفيز، واستراتيجيات التعلم الجيدة، والتوازن بين التوعية والتحقيق الذي يؤدي إلى محادثات أفضل"، وتضيف "جزء من قلقي هو (...) أنني دائما أفكر في السلامة النفسية على أنها مجرد شيء واحد صغير. إنها مهمة لكنها ليست حلا سحريا".