المرونة .. حجر عثرة أمام الشركات الاستشارية
كانت المنافسة العالمية في التوظيف منذ الجائحة شديدة في جميع الصناعات. والشركات الاستشارية ليست استثناء. الطلب على خدماتها، خصوصا في مجال التكنولوجيا والاستدامة كان غير مسبوق. فكيف تستجيب لهذه الحاجة لتنمية قوتها العاملة والاحتفاظ بالموظفين؟
إحدى الطرق الواضحة لذلك هي زيادة الأجور. العام الماضي مثلا، قدمت الشركات الاستشارية ماكنزي وباين وبوسطن كونسولتينج واحدة من أكبر جولات الزيادات في الأجور للموظفين الجدد من حملة ماجستير إدارة الأعمال في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين، حيث رفعت رواتبهم الأساسية السنوية من 175 ألف دولار إلى ما بين 190 ألف دولار و192 ألف دولار.
لكن "هذا أثر الدومينو"، كما تقول فيونا تشيرنياوسكا، الرئيسة التنفيذية لشركة سورس جلوبال ريسيرتش. إذا رفعت إحدى الشركات رواتبها، فعلى الشركات الأخرى جميعها أن تفعل ذلك، وهناك خطر حدوث دوامة تضخم.
تقول الشركات "إن المنافسة الشديدة على المواهب في 2022 بدأت تخف"، لكن تشيرنياوسكا تشير إلى استمرار النقص في مجالات مثل تحليل البيانات والاستدامة. ينصب التركيز الآن على توسيع عروض القيمة للعثور على أفضل الموظفين والاحتفاظ بهم، والتأكد من أنهم مجموعة متنوعة. في الممارسة العملية، كما تقول، يمكن أن ينحصر ذلك في عامل واحد: العمل المرن.
يوافق بول تيرينجتون، رئيس قسم الاستشارات في شركة بي دبليو سي للمملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، على أن المرونة عنصر أساسي في جذب المواهب والاحتفاظ بها. مثلا، قررت شركته الحفاظ على سياسة ساعات العمل الصيفية التي تم تجريبها في حزيران (يونيو) 2021، وهي تسمح للموظفين بتكثيف ساعات عملهم والانتهاء في وقت مبكر في أيام الجمعة في يونيو وتموز (يوليو) وآب (أغسطس). كما نفذت خططا لتمكين العمل الدولي عن بعد لفترة من الوقت، التي يمكن أن تساعد بشكل خاص الذين لديهم عائلات في الخارج.
يقول تيرينجتون، في البداية، كانت هذه السياسات بمنزلة استجابات للجائحة. "لقد أضفنا الطابع المؤسسي إليها (...) لأنها لقيت شعبية".
تريد "بي دبليو سي" أيضا الاحتفاظ بالموظفين الذين قد يتركون الشركة لأسباب غير متعلقة بالعمل، كأخذ استراحة مهنية لرعاية الوالدين المسنين. مع سياسات العمل المرن المطروحة، يقول تيرينجتون "إنه يمكن للناس إيجاد طرق للعمل تتناسب مع هذه المطالب دون ترك وظائفهم". مع ذلك، هناك أيضا طرق لأخذ إجازة من وظيفة ما، مع وجود طريق واضح للعودة والاتصال المستمر بالشركة.
بشكل مشابه، نفذت شركة ديلويت، التي تخطط لتوسيع قوتها العاملة الاستشارية في المملكة المتحدة 40 في المائة بحلول 2027، إطار "طرق العمل" لتشجيع الأفراد على تحديد تفضيلاتهم، كأسلوب العمل المثالي وما يحتاجون إليه من أجل رفاهيتهم. كما توفر للموظفين خيار العمل في الخارج لفترة وأخذ العطلات الرسمية في الوقت الذي يناسبهم.
يقول أليكس هاملتون-بيلي، رئيس الخدمات القانونية والمهنية في شركة أودجرز بيرنتسون للتوظيف، "إن تقديم سياسات عمل مرنة جيدة يساعد بعض الشركات الصغيرة على التنافس على أفضل المرشحين. في بعض الأحيان، هناك افتراض أن الجميع يريد العمل في شركة من الدرجة الأولى، لكن رأينا أن بعض الشركات متوسطة المستوى تنجح حقا في تقديم عرض أكثر توازنا بين العمل والحياة"، كما يوضح.
تستثمر الشركات أيضا في توسيع مجموعاتها من المواهب. يقول هاميلتون-بيلي إ"ن عدم وجود مرشحين مناسبين لتلبية الطلب يعني أن الشركات تركز على موظفيها بدلا من استقطاب المواهب من خارج الشركة. بالنسبة إلى الخبرة في الاستدامة مثلا، لا توجد مجموعة مرشحة حقا، لذا الشركات تعمل على تنمية مراكز الخبرة لديها. فلا يمكن أن يظهر 50 ألف مستشار في مجال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة من فراغ، لو لم تكن قد فعلت ذلك من قبل".
من المهم أيضا إنشاء طرق دخول جديدة إلى المهنة. تقول جوستين كامبل، الشريكة الإدارية للمواهب في المملكة المتحدة وأيرلندا في شركة إيرنست آند يونج الاستشارية، "إن الشركة افتتحت أول مركز خبرة في تنوع التفكير في المملكة المتحدة، في مانشستر، لتوفير بيئة عمل داعمة لجميع موظفيها". في الوقت نفسه، أسقطت "بي دبليو سي" العام الماضي متطلبات درجة 2:1 "مرتبة الشرف الثانية العليا".
كما بدأت الشركات تسمح بشكل متزايد للموظفين باتباع نهج محدد في حياتهم المهنية بما يتماشى مع الأهداف الشخصية. تقول ليزا روز، رئيسة قسم الموارد البشرية في شركة أكسنتشر في المملكة المتحدة وأيرلندا، "إن الناس يبحثون عن تجربة أكثر مرونة وذات طابع شخصي".
يوافقها كيث بيفانز، الشريك ورئيس قسم التوظيف في شركة باين، ويقول "إن الأجر التنافسي مهم، لكن أيضا، ما رسالة العمل الذي تقوم به؟ ما التعلم والتطور الذي تجنيه في وظيفتك، وماذا تفعل من ناحية التقدم الوظيفي؟" كما يضيف أن "المرشحين المختلفين قد يريدون أكثر أو أقل من تلك الأشياء، لكن عليك أن تفكر فيها جميعا".
تقول شركة كيه بي إم جي في المملكة المتحدة إنها طورت ثقافة "التعلم مدى الحياة"، مشجعة "فرص التقدم الوظيفي والمسارات الوظيفية البديلة، أو تقديم تحد جديد"، كما تقول ليزا فيرنيهو، كبيرة مسؤولي الموظفين، "تستمر استطلاعات الزملاء المنتظمة التي نجريها في إخبارنا أن الناس يريدون أن يشعروا بأن عملهم يعود بالخير على المجتمع".