إسقاط القناع عن طبقة رأسمالية محسوبية «2 من 2»
يغلب على الصناعات التي يعمل فيها الرأسماليون المحاسيب إنتاج سلع غير قابلة للتداول، أو أنها صناعات خاضعة لضوابط شديدة، ما يعني أن الحصول على المحاباة الحكومية أهم كثيرا من النجاح في الأسواق الخارجية "وهذا هو الفارق الرئيس بين تكتلات الشركات في الهند وغيرها في دول أخرى مثل كوريا الجنوبية". لذا، ليس من المستغرب أن يعجز أقطاب الأعمال في الهند عن تقديم منتج عالمي فريد واحد: فهم أسعد بالانغماس في الصناعات التي تدر في الأغلب ريعا كبيرا.
لم يزد الوقت المشكلة إلا سوءا. فبحسب ما نشرته مجلة "الإيكونيميست"، ارتفع نصيب الهند في ثروات أصحاب المليارات المتولدة من قطاعات المحسوبية من 29 إلى 43 في المائة بين عامي 2016 و2021. ازداد صافي قيمة ثروة جوتام أداني وحده بمقدار 14 ضعفا تقريبا منذ عام 2014 حتى وقت تفجر الفضيحة الأخيرة.
في الأعوام الأخيرة، أسقطت بنوك القطاع العام قدرا هائلا من الديون، وسرق كثير من "المتخلفين عن السداد عمدا" من الكبار تلك البنوك دون عقاب "بفضل الصلة بين دوائر الأعمال والسياسة والصناعة المالية". كما قوضت الحكومة أيضا قانون الإعسار والإفلاس -الذي قوبل بإشادة كبيرة عند استنانه في 2016 كتشريع يمثل تحولا جذريا- كي تحتفظ لنفسها بالقدرة على التدخل وإرخاء القواعد التنظيمية بصورة انتقائية لمصلحة بعض المدينين "هنا تشير التقارير إلى استقالة محافظ البنك المركزي الهندي اعتراضا على مثل تلك الأفعال".
حتى الآن، لا تزال وتيرة استرداد القروض بموجب قانون الإعسار والإفلاس منخفضة بشكل غير معقول -فالنظام بأكمله يتلاعب به أصحاب الصلات السياسية القوية بصورة وقحة- حيث تسوف الأحكام القضائية في أغلب الأحوال بسبب مراوغات المقترضين المتخلفين عن سداد ديونهم، رغم مواصلتهم تجريد الشركات من أصولها. على أي حال، تتسم المعايير المحاسبية والرقابية في قطاع الشركات الهندي بقدر كبير من التراخي في عموم الأمر، حتى إن بعض المراقبين يزعمون أن نصف الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية تقريبا لديها مشكلات محاسبية.
تكافئ رأسمالية المحسوبية حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بسخاء. فقد وصفت السندات الانتخابية، التي طرحت في 2017، بأنها وسيلة لزيادة الشفافية والمساءلة، لكنها فعلت العكس تماما، حيث أتاحت تدفق مبالغ طائلة ـدون أي قيود أو متطلبات تتعلق بالإفصاح- من مجموعة صغيرة من تكتلات الشركات لمصلحة حزب بهاراتيا جاناتا. ورغم بقاء هوية الشركات المتبرعة مجهولة بالنسبة للعامة، فإن إصدار السندات من قبل بنك الدولة الهندي يعني معرفة البنك -وبالتالي الحكومة- بهوية من يشترونها. وفي ظل أجواء الخوف السائدة، سيستمر تردد المتبرعين المحتملين من الشركات لأحزاب المعارضة.
لم يعد حزب بهاراتيا جاناتا بحاجة إلى جمع الأموال من خليط متنافر من صغار المتبرعين -أعني تجار الصناعات المختلفة أو بارونات صناعة السكر أو أقطاب العقارات أو مقاولي الإنشاءات- كما كانت الأحزاب الإقليمية تفعل في السابق. فكل ما يحتاج إليه الحزب الحاكم الآن مد أياديه بالامتيازات لمحاباة الشركات الكبرى في البلاد التي تكافئ ذلك بصب أموال سخية في تلك الأيادي.
كما يمتلك بعض هذه المؤسسات شركات إعلامية تعمل بشكل مؤثر كأبواق للحكومة ومراكز للهتاف لها مقابل تدفق مستمر للعائدات من الإعلانات العامة. وقد كان من أوقح التحركات التي قامت بها مجموعة أداني في هذا الصدد استحواذها الجبري على قناة NDTV الإخبارية الهندية المستقلة.
لقد أشعلت فضيحة أداني عاصفة إعلامية نارية مؤطرة برواية عن مواجهة غير متكافئة بين حمل وذئب. "تجدر الإشارة هنا إلى أن كثيرا من المعلومات المكتشفة كانت معروفة بالفعل للصحافيين الاستقصائيين في الهند، الذين لوحقوا بالدعاوى القضائية لأعوام". لكن ينبغي للمؤسسات المالية العالمية والمستثمرين أن يدركوا أن جوتام أداني ليس إلا مجرد عرض لمرض متفش. وعلى الأرجح ستعمد القلة الثرية المجسدة لرأسمالية المحسوبية، إلى إبقاء معظم أجزاء الاقتصاد عالقة بمستنقع الإنتاجية المنخفضة لوقت ليس بالقصير.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.