سندات الاستدامة تتعثر مع زيادة انتقائية المستثمرين

سندات الاستدامة تتعثر مع زيادة انتقائية المستثمرين

سوق إحدى فئات السندات التي كان يروج لها على أنها مستقبل الاستثمار الأخضر آخذة في التراجع، ويخشى المستثمرون من أن السندات لا تفرض عقوبات صارمة بما فيه الكفاية على الشركات التي تفشل في تحقيق أهدافها المناخية.
في العام الماضي تم إصدار 60 مليار دولار مما يسمى السندات المرتبطة بالاستدامة حول العالم، بانخفاض بلغ 37 في المائة عن إجمالي عام 2021. شكل تضاؤل المبيعات خيبة أمل للمحللين الذين توقعوا نموا سريعا يتفوق على السوق الراسخة للسندات الخضراء. وكان بنك باركليز قد توقع أن يتم إصدار أكثر من 200 مليار دولار في 2022.
تهدف الديون المرتبطة بالاستدامة إلى ربط الشركات بوعودها المتعلقة بالمناخ عبر معاقبتها بأسعار فائدة أعلى إذا أخفقت في تحقيق الأهداف البيئية. وكثيرا ما عدها المستثمرون أفضل من السندات الخضراء، التي تسمح للمصدرين بجمع النقود لمشاريع خضراء محددة، لكن لا تفرض أي التزامات على الشركة لتحقيق أهداف مثل خفض الانبعاثات أو استهلاك المياه أو إصلاح سلاسل التوريد الخاصة بها.
لكن من الناحية العملية، يقول محللون "إن الزيادة في مدفوعات القسائم المضمنة في شروط السندات كانت صغيرة جدا، بحيث لا توفر حافزا كبيرا للمصدرين لتحسين سلوكهم". وفي الوقت نفسه، لا يرغب بعض المستثمرين المهتمين بالبيئة ببساطة في الاحتفاظ بالديون الصادرة عن الشركات المعرضة لخطر النكوص عن وعودها الخضراء.
قالت شارلوت إدواردز، رئيسة أبحاث الدخل الثابت للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في بنك باركليز "أنا والسوق قلقتان للغاية بشأن جودة هذه الأدوات"، مضيفة أن "المستثمرين سيكونون على الأرجح أكثر انتقائية فيما يتعلق بما يشترونه في 2023.
ومن بين أعراض الخلل في السوق أن السندات المرتبطة بالاستدامة لم تستفد حتى الآن من تكلفة اقتراض أقل تأمل الشركات الحصول عليها عندما تصدر سندات تحمل علامة الاستدامة.
وفي حين إن تحليل بنك باركليز مئات السندات الخضراء وما يعادلها من سندات الفانيليا يشير إلى أن عوائد السندات الخضراء أقل بنسبة 0.05 نقطة مئوية، ما يمثل تكلفة اقتراض أرخص للمصدرين، إلا أنه لم يسجل أي انتشار مشابه للسندات المرتبطة بالاستدامة.
قد يعود هذا إلى أن المكافأة الموعودة للمستثمرين في حال فشل المصدر المناخي ليست عالية بشكل خاص: بصورة عامة 0.25 نقطة مئوية، أقل من العقوبة النموذجية البالغة 1.25 نقطة مئوية، المضمنة في بعض السندات لحماية المستثمرين في حال انخفاض التصنيف الائتماني للمصدر.
أصبحت شركة تكرير النفط البولندية، بي كيه إن أورلينز، أول مصدرة سندات مرتبطة بالاستدامة تدفع فائدة متزايدة في العام الماضي، حيث ارتفعت مدفوعات الفائدة على سنداتها التي تبلغ قيمتها ملياري زلوتي "368 مليون جنيه استرليني" بواقع واحد على 20 نقطة وواحد على 10 نقاط مئوية على التوالي، بعد أن تم خفض تصنيف الاستدامة الخاص بها من قبل مزودة البيانات، إم إس سي آي.
ويشعر بعض صانعي السياسة بالقلق من أن السندات تمنح الشركات رحلة مجانية لصقل أوراق اعتمادها الخضراء. قال بول تانج، نائب برلماني يقود جهود البرلمان الأوروبي لإدخال أدوات الدين المستدام في التنظيم، "إن السندات المرتبطة بالاستدامة في شكلها الحالي آلة غسل أخضر".
وحذرت إسما، الجهة المنظمة للقطاع المالي في الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق من هذا الشهر من أن السندات المرتبطة بالاستدامة يمكن عدها "وجبة غداء مجانية" للمصدرين، مثلا، بسبب الاستخدام الواسع لخيارات الشراء، ما يعني أن المصدرين يمكنهم سحب السندات قبل حدوث الزيادة، إضافة إلى أن معدلات الزيادة منخفضة.
قال تانج "لسنا ضد الأداة نفسها، لكن يجب التعديل عليها"، مؤكدا مقترحات الاتحاد الأوروبي لجعل الشركات تربط أهداف الزيادة بخطط التحول الرسمية.
نظرا لأن الشركات تحدد أهدافها الخاصة حاليا، فإن المساءلة عن التقدم البطيء منخفضة. فمعظم المصدرين الذين يربطون السندات المرتبطة بالاستدامة بأهداف الانبعاثات، مثل سوبر ماركت تيسكو، يستبعدون أجزاء كبيرة من بصمتهم الكربونية من النطاق. وتعرضت شركة تعليب اللحوم البرازيلية، جيه بي إس، لشكوى من هيئة الأوراق المالية والبورصات قدمتها منظمة غير حكومية الشهر الماضي لإصدارها 3.2 مليار دولار من السندات المرتبطة بالاستدامة وربطها بجزء ضئيل من انبعاثاتها. رفضت شركة جيه بي إس فرضية الادعاء، وقالت "إن تركيز السندات على الانبعاثات المباشرة كان انعكاسا لقلة توافر البيانات". وقامت شركات أخرى مثل سيمبكورب، مزودة الطاقة السنغافورية، ببساطة بإزالة الأصول عالية الانبعاثات من الميزانية العمومية بعد الإصدار.
قارن جوليان لوفورنييه، المحاضر في التمويل الأخضر في جامعات باريس والمصرفي السابق في بنك كريدي أجريكول، ممارسة مصدري السندات المرتبطة بالاستدامة الذين يختارون أهدافهم الخاصة بمسابقة الغناء المتلفزة الفرنسية، إكول دي فان، حيث يعطي الأطفال علامات لبعضهم بعضا ويمنح كل متسابق المركز الأول. قال "لقد سموا هذا إضفاء الطابع الديمقراطي على التمويل الأخضر، وكان من المفترض أن يكون مفتوحا للجميع، لكنه أصبح مزحة كبيرة".
يمكن أن يأتي اختبار نضج السوق في وقت لاحق من هذا العام والعام المقبل، في وقت يتوقع فيه إدواردز، من بنك باركليز، تدفقا كبيرا من قسائم الزيادات للسندات المرتبطة بالاستدامة المؤهلة للمؤشر.
قد تكون إينيل، شركة الطاقة الإيطالية المملوكة للدولة، التي أصدرت أول سندات مرتبطة بالاستدامة عام 2019 و27 سندا آخر منذ ذلك الحين، مسؤولة عن كثير من هذه السندات. ويرتبط أحد السندات المرتبطة بالاستدامة بهدف 60 في المائة من قدرة التوليد المركبة المتجددة، التي لم تحققها في أحدث نتائجها، التي دفعها تحول إيطاليا إلى الفحم منذ بداية الحرب الأوكرانية بعيدا عن متناول اليد.
قالت شركة إينيل "إنها على مسار واضح لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2040"، وأضافت أنها "إذا فشلت في تحقيق الهدف، فسيكون ذلك نتيجة لأزمة الغاز وقرار الحكومة الإيطالية تعظيم الإنتاج مؤقتا من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم".
يمكن أن يكون مزيد من الزيادات خطوة جيدة إذا أعطت المستثمرين الثقة بأن السوق قادرة على جعل المصدرين يدفعون مقابل الفشل المناخي. أوصى تقرير بنك مورجان ستانلي الشهر الماضي بأن يبدأ المصدرون تحديد أهداف يصعب تحقيقها "وإلا فإن تأثير السندات سيكون ضئيلا للغاية".

الأكثر قراءة