في فريق العمل مشكلة .. هناك محايد
تحدثت في المقالين الماضيين عن النزاعات غير الحقيقية وغير المستحقة التي تحصل في مكان العمل، وتتسبب في كثير من الخسائر للمنظمة، وكذلك عن التوافقات غير اللازمة وكل تقارب سلبي بين الموظفين يحصل بشكل غير مفيد، وإذا تحدثنا عن النزاعات والتوافقات، فلا بد أن نغطي الطرف الثالث للمعادلة والمهم جدا، ألا وهو الحياد. يحدث هذا أيضا بشكل متنوع، وكثيرا ما يخالجه سوء الفهم، فيظن الموظف أنه أحسن عملا وهو قد تحول بهذا السلوك إلى معول هدم للمنظومة. ولتوضيح الفكرة فهي مقاربة تماما لفكرة الحياد المذموم في المسائل السياسية والوطنية، ومع أن الحياد عادة يعد شكلا من أشكال اللاتدخل، إلا أن الدكتور غازي القصيبي يصفه فيقول، "قد يكون الحياد أعنف أنواع التدخل وأخطرها وأقل المواقف أخلاقية وأكثرها انتهازية". وهناك عبارة شهيرة تنقل عن مارتن لوثر كنج يقول فيها، "أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة". ومعروف كم أن الحياد مؤذ للمنظومات الكبرى عندما يكون في موقف تاريخي يؤثر في الوطن. بعيدا عن السياسة والوطنية لا يختلف الأمر كثيرا وإن كان السياق أصغر بكثير في أماكن العمل، هناك كم هائل من التدخلات والتضاربات التي تتطلب اختيارا وقرارا، تبني موقف أم الركون إلى الحياد.
لو لخصنا يوميات الموظف قد نراها مسلسلا من التفاعلات اليومية التي تتطلب حلا للمشكلات، هو في الأغلب ما يواجه عددا من الخيارات يمكن تقسيمها اختصارا إلى: الخيار أ، الخيار ب، ... إلخ أو الحياد. وهناك قائمة طويلة جدا من المسببات والمحفزات التي يراها الشخص كافية للركون ناحية الحياد. فلو أخذنا موقف موظف بخصوص خطأ تشغيلي حدث بسبب سلوك زميل له اكتشفه في سياق العمل، قد يكون الحياد من وجهة نظر الموظف مجرد صمت وتجاوز بسيط لكنه تقليل وسيطرة على زخم المشكلة التي يواجهها، فمواجهة الأمر تستلزم التنديد به ولهذا تبعات أكبر وأسوأ من تبعات الحياد. وقد يكون الحياد هروبا من مأزق يرى أن الزمن كفيل بحله، فلماذا يعرض علاقته الشخصية إلى الخطر في حين أن المنظمة ستتعافى بسرعة من أثر المشكلة.
قد يكون الحياد أحد أساليب الدفاع المبكر عن النفس، شبكة حماية شخصية، تفادي المخاطر المستقبلية، ... إلخ، هذا ما يراه الموظف المحايد! بينما يراه غيره أنه تخل صريح عن المسؤولية. وهذه الصورة تحدث كثيرا خصوصا من المسؤولين الكبار الذين لديهم مسؤولية غير مباشرة تجاه أمر ما. فالمشكلة حصلت في إدارة أخرى لكنها تؤثر في الشركة، أو التحدي يحصل مع مورد استراتيجي لكن للمورد أهمية أخرى، أو ـ وهذه من أكثر الصور ـ سيقع ضرر من تصرف حالي واضح، لكنه سيقع في المستقبل، وهناك احتمالية أن تتغير الظروف ويتلاشى هذا الأمر، سيقول مثل هذا، "لماذا المعالجة المبكرة اليوم، سنصبر ونرى كيف تتغير الأمور، هناك احتمال ألا يحدث شيء". ولأن الأمر خاضع إلى الاحتمالات، وقوعه وارد. وإذا وقع، تضرر الكيان والعميل والموظف. سيجد من يراقب مثل هذا الموقف أن المحايد هنا تنحى عن التفاعل والاهتمام ولم يلتزم بقواعد العناية بمثل هذا الأمر على الوجه الصحيح، فهو على الأرجح مخالف لقواعد أداء العمل في مجاله، وعلى حسب حجم الأثر واحتمال حدوثه، قد يصنف حياده أنه إهمال وربما وصل هذا الإهمال ـ وكثيرا ما يصل ـ إلى الإهمال الجسيم، وهو فعل قابل للتجريم إذا ثبت الضرر وثبتت مخالفة واجبات العمل فيه حتى إن لم يتعمد الموظف القيام به، أو كان فعله حيادا.
تبحث المنظمات عن الموظف المتفاعل والموظف المسؤول. الموظف المتحمس الذي يشتعل بالطاقة والحيوية الذي يعرف كيف يضبط نشاطه بشكل إيجابي، إذ يبتعد عن التجاوز على الآخرين أو المواجهات الجارحة أو إحداث الفوضى والاضطراب. فيما عدا ذلك، فهو نقطة تحريك وتحفيز واستجابة مطلوبة في مكان العمل. على الجانب الآخر، يمثل الموظف المتقوقع الدفاعي المحايد نقطة سلبية في هذه التفاعلات، في الأغلب ما تزيد الأمور بطئا وقد تعد مثل الوزن الثقيل الذي يعوق حركة المنظمة وقد يشل نموها وتفاعلها مع كثير من التحديات، خصوصا لو انتشر هذا الفكر والسلوك. ولأن ظاهر الحياد السلم، فهو لا يكتشف بسهولة وإن تم اكتشافه يعجز كثيرون عن التعامل معه وتفكيكه وخلخلته وحصره في المواقف التي تتطلب وتستحق الحياد، وهي قليلة جدا.