فضيحة المشتقات .. تحقيق يكشف ممارسات موظفي "دويتشه بانك" الملتوية
كشف تحقيق أجراه "دويتشه بانك" في إساءة بيع مشتقات العملات الأجنبية الخطرة في إسبانيا أن الموظفين تصرفوا بشكل مخادع، واستغلوا عيوبا في ضوابط الـ"بانك"، وخرقوا قواعد الاتحاد الأوروبي، وفقا لأشخاص على دراية بالتقرير.
قال أحد الأشخاص إن الموظفين تصرفوا "بسوء نية" على مدار أعوام، ما دفع الشركات الإسبانية الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى شراء مشتقات العملات الأجنبية المعقدة للغاية. وكان الهدف من المنتجات، التي تم الترويج لها على أنها آمنة ورخيصة، التحوط من مخاطر الصرف الأجنبي. وحقق ذلك أرباحا ضخمة لـ"دويتشه بانك"، لكنها عرضت العملاء لمخاطر كبيرة.
وصف شخص ثان مطلع على التحقيق سلوك بعض موظفي "دويتشه" بأنه "مؤسف للغاية".
وقال الشخصان إن أقل من 12 شخصا عوقبوا رسميا من قبل الـ"بانك" بسبب سوء السلوك هذا.
وتم الإبلاغ عن التحقيق في إساءة البيع – المسماة "بروجكت تيل" ـ لأول مرة من قبل صحيفة "فاينانشيال تايمز" قبل عامين. وذكرت بعض المصادر أن الـ"بانك" دفع عشرات الملايين من اليورو في شكل تسويات للعملاء المتضررين، كما شدد الضوابط الداخلية وتوقف عن تقديم بعض منتجات الصرف الأجنبي لمجموعات معينة من العملاء.
ولا يزال الـ"بانك" يقاوم دعوى قانونية في محكمة لندن العليا تبلغ قيمتها 500 مليون يورو من قبل واحدة من أكبر الشركات الفندقية في إسبانيا بشأن الصفقات، بحجة أن هذه القضية كانت مختلفة هيكليا عن القضايا الأخرى التي تمت تسويتها.
سوء السلوك الذي شمل مكتبا في لندن تابعا لبنك دويتشه الاستثماري، إضافة إلى العمليات الإسبانية في وحدته الدولية الخاصة، استمر لعدة أعوام حتى 2019. وتم إطلاق التحقيق الذي أجرته شركة محاماة كبيرة مقرها لندن، في النصف الثاني من العام نفسه بعد أن أثار مبلغ داخلي عن المخالفات مزاعم، أعقبت مغادرة مدير إداري مسؤول عن المنتجات المهيكلة.
قال بعض الأشخاص إن التحقيق فشل في دعم مزاعم المبلغ عن المخالفات بأن موظفي "دويتشه بانك" تواطؤوا مع بعض المديرين الماليين لعملائهم وربما تقاسموا بشكل غير قانوني عوائد هذه الصفقات.
مع ذلك، وجد التحقيق عديدا من العلامات التحذيرية للسلوك الإشكالي التي لم تتم متابعتها من قبل. فمثلا، بين عامي 2011 و2014 خسر "دويتشه بانك" سلسلة من الدعاوى القضائية ضد شركة إسبانية لتجارة المكونات الإلكترونية بالجملة كانت قد اشترت سلسلة من منتجات التحوط من العملات الأجنبية، وقد تم دفعها إلى الإفلاس عندما ساءت الصفقات.
المطلعون على نتائج التحقيق أبلغ "فاينانشيال تايمز" أن النقص السابق في الوعي في سوء السلوك المحتمل يتعارض مع الثقافة التي تريد القيادة الحالية للـ"بانك" الترويج لها.
ومنذ ذلك الحين اتخذ الـ"بانك" "إجراء حاسما"، وفقا لشخص آخر تم إطلاعه على النتائج، باستبدال أجزاء كبيرة من إدارته العليا في إسبانيا، إضافة إلى بعض كبار المصرفيين الاستثماريين في لندن، بينما تم تخفيض مكافآت آخرين. كما شارك النتائج مع الجهات التنظيمية التي لم تفرض أي غرامات حتى الآن.
بعد اكتشاف عيوب في ضوابطه الداخلية تم استغلالها عمدا من قبل الموظفين في أحد مكاتبه الخاصة بالتداول وسع الـ"بانك" التحقيق في بروجكت تيل ليشمل مكاتب ومناطق ومنتجات أخرى. وبينما كشف النقاب عن نقاط ضعف في ضوابطه في أماكن أخرى، لم يجد دليلا على سوء سلوك مشابه.
أخبر "دويتشه بانك" "فاينانشيال تايمز" في بيان أنه اتخذ "الإجراء المناسب" بعد أن استعرض "أجزاء من أنشطة مبيعاتنا في مشتقات العملات الأجنبية المهيكلة"، مضيفا أنه يعمل على تحسين عملياته وتعزيز ضوابطه.
كان ترتيب الصفقات مربحا للغاية لـ"دويتشه"، لكنه عرض الكثير من المشترين لخسائر كبيرة ودفع بعض الشركات الصغيرة إلى حافة الإفلاس.
كانت المنتجات المعنية أنواعا من مقايضات العملات الأجنبية تسمى سندات استرداد تراكمي مستهدف وعقودا آجلة تم الترويج لها من قبل "دويتشه" باعتبارها وسيلة أرخص للتحوط من مخاطر العملات.
ووفقا لأشخاص مطلعين على التفاصيل، تم إخبار الشركات الصغيرة بأن المنتجات "دون أقساط شهرية"، ودون تكلفة أولية ويمكنها حتى أن تحقق أرباحا.
في سوق عملات مستقرة يمكن أن المشتقات بالفائدة على العملاء أحيانا، لكن إذا زادت التقلبات وتجاوز سعر الصرف مستوى محددا مسبقا، يمكن أن تتضاعف الخسائر بسرعة.
عقب بدء بروجكت تيل، بدأ "دويتشه" في تقديم تسويات خارج المحكمة لبعض المتضررين. دفع الـ"بانك" أكثر من عشرة ملايين يورو لجيه جارسيا-كاريون، وهي أكبر شركة لتصدير النبيذ في أوروبا، وفي 2021، رفعت شركة بالاديوم، أكبر مجموعة فنادق في إسبانيا، قضيتها إلى محكمة لندن العليا مطالبة بتعويض 500 مليون يورو.
كان المبلغ الأساسي لمركز المشتقات الذي كان لدى بالاديوم مع دويتشه في 2017، 5.6 مليار يورو، أي ثمانية أضعاف المبيعات السنوية لمجموعة الفنادق وأكبر من ميزانيتها العمومية بالكامل.
ذكر مكتب المحاماة الأمريكي لبلاديوم، كوين إيمانويل، في مرافعات لدى المحكمة أن "دويتشه" استغل "علاقة شخصية وثيقة" بين شقيق مؤسس الشركة الإلكترونية وأميديو فيري-ريتشي، رئيس قسم الصرف الأجنبي في "دويتشه" آنذاك في أوروبا.
وينفي "دويتشه" ارتكاب أي مخالفات في قضية بلاديوم، قائلا إن عميلها كان "مستثمرا متمرسا يتمتع بخبرة واسعة في استخدام المشتقات".
فيري-ريتشي، وهو ليس مدعى عليه في القضية ولم يشارك في الإجراءات القانونية، غادر "دويتشه" قبل بدء التحقيق في "بروجكت تيل". وهو ينفي مزاعم ضده أوردها الادعاء.
رفض البنك المركزي الأوروبي والجهاز المسؤول عن تنظيم القطاع ألمانيا، بافن، التعليق. وقالت الهيئة التنظيمية الإسبانية، سي إن إم دبليو، إنها أجرت بعض المراجعات الإشرافية بشأن هذه المسألة ولا يمكنها التعليق أكثر.